بعد مرور 10 اشهر على اعلان وزارة النفط عن تعاقدها مع شركة “يوكرزم ريسورس” الأوكرانية لتطوير حقل عكاز الغازي في محافظة الأنبار، والذي يُعتبر من أكبر حقول الغاز في العراق، لم تنجز الشركة التي تبحث عن شركة اخرى بديلة عنها، شيئا يذكر في اعمال التطوير.
ورغم محاولات الوزارة تبرير فشل الشركة، لم تكن ايٌّ من تلك المبررات مقنعة، ما يعزز الشكوك اكثر في أن هذا التعاقد تم نتيجة لضغوط سياسية أو صفقات مشبوهة. في وقت يعاني فيه العراق من أزمة طاقة خانقة.
التعاقد عطل تطوير الحقل
ويؤكد خبراء مختصون بمجال الطاقة، انه كان من المتوقع أن يكون هذا الحقل رافدًا مهمًا لتعزيز إنتاج الطاقة وتقليل الاعتماد على الاستيراد، إلا أن اختيار شركة تفتقر للخبرة الكافية في تطوير الحقول الغازية عرقل هذه العملية.
من جهته، قال الخبير في مجال النفط والطاقة، كوفند شرواني، أن حقل عكاز الغازي، أحد أهم الحقول في العراق باحتياطي تقديري يصل إلى 4 تريليونات قدم مكعب، مشيرا إلى أنه يعاني من الإهمال والتعطيل نتيجة قرارات حكومية غير مدروسة وتعاقدات غير مهنية.
وأوضح، أن وزارة النفط كانت قد تعاقدت قبل سنوات مع شركة صينية لتطوير الحقل، لكنها انسحبت لاحقاً من الاتفاق ودُفعت لها غرامات مالية نتيجة فسخ العقد.
وأشار إلى أن شركة أرامكو السعودية قدمت عرضاً للاستثمار في الحقل، إلا أن هذا العرض لم يُترجم إلى اتفاق رسمي. وأضاف: “فوجئنا لاحقاً بتعاقد الوزارة مع شركة أوكرانية غير متخصصة في مجال النفط والغاز، ما أدى إلى تعثر العمل في الحقل وعدم إحراز أي تقدم في تطويره أو زيادة إنتاجيته”.
وانتقد شرواني في حديث لـ"طريق الشعب"، غياب الشفافية في إجراءات التعاقد، مؤكداً أن "الشركة الأوكرانية لم تكن جزءاً من جولات التراخيص ولم تُطرح مناقصات شفافة كما هو معمول به في العقود النفطية".
وأضاف، ان “هناك شركات عالمية متخصصة مثل شل الهولندية وغازبروم الروسية وهي شركة رصينة ولديها استثمارات في العراق وتعمل في اكثر من مكان، وكان من الأجدر التعاقد مع شركات من هذا النوع، وتملك خبرات واسعة في مشاريع الغاز والنفط بالعراق، لضمان نتائج ملموسة”، منوها الى ان "التوجه نحو شركات غير معروفة يثير التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه القرارات، خاصة مع وجود تسريبات تشير إلى ضغوط سياسية قد تكون أثرت على هذا التعاقد”.
وحذّر شرواني من تأثير هذه السياسات "على مستقبل استثمارات الغاز في العراق. رغم تصريحات الوزارة التي أعلنت عن خطط لزيادة استثمار الغاز المصاحب إلى 70 في المائة العام الماضي و80 في المائة بحلول 2025، مع هدف الوصول إلى الاكتفاء الذاتي بحلول 2028".
واشار الى أن العراق يمتلك احتياطيات "تقدر بـ127 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي"، داعياً إلى “ضرورة وجود إرادة جادة لتطوير هذه الثروة بعيداً عن التأثيرات السياسية، لضمان تحقيق النفع الاقتصادي العام”.
وختم شرواني حديثه بالدعوة إلى إلغاء العقد الحالي مع الشركة الأوكرانية وإعادة طرح المشروع أمام شركات متخصصة وذات خبرة"، مشيراً إلى أن "تطوير حقل عكاز يمكن أن يسهم بشكل كبير في تغذية الشبكات الكهربائية وتغطية احتياجات مناطق واسعة في غرب العراق، حتى في المراحل الأولى من الإنتاج".
تاريخ متعثر للحقل
وفي سياق متصل، أكد الخبير في مجال الطاقة دريد عبد الله، أن حقل عكاز الغازي يُعد من الحقول الصغيرة في العراق، حيث تُقدّر الكميات الممكن استخراجها منه بنحو 60 مليار متر مكعب على مدى 20 عاماً، مع توقعات بإنتاج يتراوح بين 2 إلى 4 مليارات متر مكعب سنوياً. ومن المتوقع أن يستمر الحقل بالإنتاج لمدة عشرين عاماً قبل أن يتم إقفاله.
وأشار عبد الله في سياق حديثه مع "طريق الشعب"، إلى أن "محدودية الاستثمار في قطاع الطاقة في العراق، تعود إلى عدم الاستقرار السياسي والأمني، بالإضافة إلى عدم إقرار قانون النفط والغاز، وهو ما يفاقم مشكلة هروب الاستثمارات الأجنبية من البلاد".
وقال، ان “غياب البيئة القانونية والتنظيمية الملائمة سيُبقي العراق في دائرة جذب استثمارات محدودة وغير مستقرة، خاصة في ظل الوضع الأمني المتقلب”.
وأضاف أن حقل عكاز "تم اكتشافه في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت الفكرة، ربط الحقل بمحطات معالجة الغاز في سوريا؛ حيث تم افتتاح محطة معالجة امريكية بسوريا، وفي نهاية عهد النظام السابق، كانت هناك محاولات لربط الحقل وبدأ الإنتاج لفترة وجيزة”.
واضاف، انه بعد عام 2010 "تم منح عقد تطوير الحقل لشركة كوكاز الكورية الجنوبية، إلا أن الأوضاع الأمنية وتحديات دخول الجماعات الإرهابية إلى محافظة الأنبار، أدت إلى انسحاب الشركة من المشروع".
ولفت عبد الله أنه أجرى محادثات مع مدير الشركة في تلك الفترة، والذي أكد أن الظروف لم تكن مناسبة لاستمرار العمل، ولم تعد الشركة إلى الحقل منذ ذلك الحين.
"بيئة استثمارية مستقرة"
وحول مستقبل الحقل، أشار عبد الله إلى أن وزارة النفط العراقية دخلت في وقت سابق بمباحثات مع شركة أرامكو السعودية للاستثمار في حقل عكاز، لكنها لم تتطور إلى اتفاق رسمي. وأوضح، أن “هذه المباحثات كانت استكشافية لمعرفة تفاصيل المشروع وقياس جدواه الاقتصادية، دون الدخول في التزامات تعاقدية”.
وشدد عبد الله على ضرورة إعادة النظر في جذب شركات عالمية ذات خبرة في قطاع الغاز، لضمان تطوير الحقل بشكل مهني وفعّال، مشيراً إلى أن العراق بحاجة إلى بيئة استثمارية مستقرة وإطار قانوني واضح لتشجيع الشركات الكبرى على الاستثمار في قطاع الطاقة.
حقل واعد غير مستغل
الى ذلك، أكد الخبير النفطي حمزة الجواهري أن جميع الشركات العالمية التي تعاقدت على تطوير حقل عكاز الغازي، بما في ذلك الشركة الصينية والشركة الكورية التي سبقتها، لم تتمكن من بدء العمل في الحقل بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة في المنطقة التي يقع فيها الحقل.
وأشار إلى أن "الشركات الأمريكية، كانت الوحيدة القادرة على العمل في هذه الظروف، وقد تقدمت بالفعل بعروض للاستثمار"، الا أن الشركات الأمريكية اشترطت توقيع عقود مشاركة في الإنتاج، وهي عقود وصفها الجواهري بـ”المجحفة”، وتتعارض مع القانون والدستور العراقي، ما حال دون التوصل إلى اتفاق نهائي.
ونوه الجواهري في سياق حديثه مع "طريق الشعب"، الى أن "التعاقد مع الشركة الأوكرانية جاء بصغط ودعم أمريكي رغم افتقار الشركة للخبرة الكافية في تطوير حقول الغاز".
وأضاف، ان "الشركة لم تتمكن حتى الآن من بدء العمل نتيجة لعدم امتلاكها الخبرة المطلوبة، إضافة إلى ضعف الاستثمارات المخصصة للمشروع”.
واتم الجواهري حديثه بالقول: أن حقل عكاز "يحتوي على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي يمكن أن تسهم بشكل كبير في سد نقص الطاقة في العراق، سيما وأن جزءاً من عملية تطوير الحقل يتضمن إنشاء مرافق لمعالجة الغاز، إلا أن جميع هذه الخطط لم تُنفذ حتى الآن".