النفط بين بغداد وأربيل
في موقع (أسعار النفط)، كتب الخبير سيمون ويتكنس مقالاً حول العلاقات بين حكومتي الإقليم والمركز، ذكر فيه بأن توقف الصادرات من كردستان، عبر خط أنابيب العراق – تركيا أدى إلى خسارة البلد لمليارات الدولارات من الإيرادات. غير أن موافقة البرلمان العراقي في الأسبوع الماضي على تعديل الميزانية لضمان دفع وزارة المالية في الحكومة الفيدرالية 16 دولارًا أمريكيًا للبرميل إلى حكومة إقليم كردستان، كدعم لتكاليف الإنتاج التي تدفعها لشركات النفط العالمية، قد أنعش الأمال بإستئناف الضخ.
هل للتفاؤل ما يبرره؟
وأعرب الكاتب عن توقعه بأن يواجه تطبيق هذا الإتفاق صعوبات كبيرة، حيث لم تكن تكاليف الإنتاج، السبب الأرأس للمشكلة، بل عدم اعتراف المحكمة الاتحادية بالعقود التي أبرمتها أربيل مع الشركات وبالقانون الذي شرعته في نيسان 2013 وبالقانون الخاص بإنشاء شركة لاستكشاف وإنتاج النفط منفصلة عن بغداد وصندوق ثروة سيادي لاستيعاب جميع عائدات الطاقة، وهي تشريعات سمحت للإقليم بتصدير النفط الخام بشكل مستقل من الحقول الواقعة في المنطقة إذا ما فشلت بغداد في دفع حصتها من عائدات النفط وتكاليف الاستكشاف.
وفيما كانت حكومة الإقليم تخطط لتأمين استقلال مالي مناسب ورفع انتاجها إلى مليون برميل يومياً بحلول نهاية عام 2025، شعرت بغداد بالقلق وكان رد فعلها الأول مقاضاة حكومة كردستان عن أي مبيعات نفط تتم بشكل مستقل عن الحكومة المركزية، في وقت فشل فيه الطرفان بسّن قانون اتحادي للنفط والغاز.
خلافات دستورية
وأضاف المقال بأن أربيل بقيت متمسكة بأحقيتها في إدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول التي لم تكن منتجة في عام 2005، وهو العام الذي اعتُمد فيه الدستور بالاستفتاء، بموجب المادتين 112 و115 منه، واللتين تشيران إلى أن الصلاحيات غير المنصوص عليها للحكومة الاتحادية تعود إلى سلطات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم، وهو ما ينطبق على بيع وتلقي العائدات من صادرات النفط والغاز. كما تتذرع أيضاً بمادة دستورية أخرى، تنص على أنه في حالة نشوء نزاع، تعطى الأولوية لقانون الأقاليم والمحافظات. ولكن لبغداد تفسير مختلف فهي تؤكد على إن النفط والغاز بموجب المادة 111 من الدستور ملك لجميع أبناء الشعب العراقي في جميع المناطق والمحافظات. ولهذا فإن أي شركة نفط دولية لم تقدم عقوداً أبرمتها بشكل مستقل مع حكومة إقليم كردستان، لمراجعتها من قبل وزارة النفط العراقية، ليس لها الحق في تصدير النفط الذي تنتجه في كردستان.
رأب الصدع
وأشار المقال إلى المحاولات المشتركة لإبرام صفقة بين الجانبين، من شأنها أن تحد من جميع مبيعات النفط المستقلة من الإقليم مقابل صرف منتظم للأموال من ميزانية الحكومة الإتحادية. ومع ذلك، لم يكن الافتقار إلى الوضوح في الدستور هو السبب الوحيد الذي قوض فرص نجاح هذه الصفقة، بل الأهداف المتناقضة التي كان كل جانب يسعى لتحقيقها من القوة المالية التي قد يوفرها توزيع أموال تصدير النفط، لاسيما مع سعي أربيل الواضح لتطوير الفيدرالية إلى استقلال تام، وسعي بغداد لتحجيم القدرات المالية للإقليم تمهيداً لدمجه مع باقي مناطق البلاد وإنهاء تمتعه بما يشبه الإستقلال وبالتالي التخلي التدريجي عن نظام الحكم الفيدرالي في البلاد.
العامل الخارجي
وعبّر الكاتب عن اعتقاده بأنه ونظراً لاحتياطياته الضخمة من النفط والغاز، وموقعه الجغرافي المهم في قلب الشرق الأوسط، فإن القوى الكبرى في العالم لديها أيضاً أجنداتها الخاصة التي تريد بها أن تلعب دوراً في تحديد مستقبل العراق.
وتتجلى هذه اللعبة بين القوى العظمى، حسب الكاتب، في صفقات النفط والغاز الجديدة التي شهدتها المنطقة مع شركة توتال إنيرجي الفرنسية و بي بي البريطانية والشركات الصينية التي تدير أكثر من ثلث احتياطيات النفط والغاز المؤكدة في العراق وأكثر من ثلثي إنتاجه الحالي، فيما يعجز العراقيون في أربيل وبغداد في الوصول لإتفاق يخدم مصالحهما.