يشهد القطاع المصرفي العراقي توتراً جديداً على وقع الحديث عن إمكانية فرض عقوبات أمريكية على مصرف الرافدين، أحد أكبر المصارف الحكومية في البلاد.
هذه التطورات أثارت مخاوف من تداعيات اقتصادية واسعة تتمثل في انهيار الأسعار وتجميد الحسابات وغيرها، في ظل تحديات يواجهها العراق، أبرزها أزمة الدولار والتشديدات على الحوالات الخارجية وغيرها، وسط ضغوط متزايدة لإصلاح النظام المصرفي وتعزيز الامتثال للمعايير الدولية.
وبينما تؤكد الجهات الرسمية أن المصرف يخضع لإجراءات إصلاحية تهدف إلى تطويره ودمجه في النظام المالي العالمي، يرى مراقبون أن استمرار الإخفاقات في إدارة السياسة النقدية وغياب الحلول الجذرية قد يعرض المصارف العراقية لمزيد من القيود والعقوبات.
"انشطة مشبوهة"
وقال النائب الجمهوري الأمريكي جو ويلسون في تغريدة على منصة "x" (تويتر سابقًا) أن "العقوبات على مصرف الرافدين خطوة ضرورية لمواجهة الأنشطة المالية المشبوهة"، ما أثار ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية والاقتصادية العراقية.
وتأتي هذه التصريحات في إطار الضغوط الأمريكية المتزايدة على البلاد في ما يتعلق بعلاقاتها الإقليمية، وخاصة مع إيران، والتي تتهمها واشنطن باستخدام النظام المالي العراقي لتحويل أموال تخترق العقوبات الدولية.
عززوا الشفافية
من جهتها، دعت وزير المالية، طيف سامي إلى "ضرورة التصدي لهذه التهديدات من خلال تعزيز الشفافية في النظام المالي العراقي وتوضيح الحقائق للجانب الأمريكي".
وأكدت أن "مصرف الرافدين يلتزم بجميع القوانين والمعايير الدولية، وأن أية عقوبات ستكون غير مبررة وستضر بمصالح الشعب العراقي".
المصرف يخصع لبرنامج اصلاحي
في هذا الصدد، أكد المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، أن مصرف الرافدين مر بمراحل مختلفة منذ الحرب العراقية الإيرانية، حيث تراكمت عليه ديون خارجية متعثرة، وخلال فترة الحصار، تعرض المصرف للعزل دولياً، ثم أُدرج بعد 2003 ضمن قائمة العقوبات التي فرضتها لجنة الجزاءات التابعة لمجلس الأمن، قبل أن يُرفع عنه الحجز في نهاية عام 2020 أو بداية 2021.
وأوضح في تصريح خص به "طريق الشعب"، أن "مصرف الرافدين يُعد من أكبر المصارف العراقية، حيث يسيطر على نحو 60 في المائة من العمليات المصرفية الداخلية، ومعظمها معاملات حكومية".
وشدد صالح على أن "الحديث عن فرض عقوبات جديدة عليه غير منصف، خاصة أن المصرف يخضع حالياً لبرنامج إصلاحي كبير، والطرف الامريكي يعرف بأن العملية الاصلاحية مستمرة". وأشار إلى أن الإصلاحات الجارية تتضمن: إعادة هيكلة المصرف عبر خطة أعدتها شركة أجنبية متخصصة، وتهدف إلى تقسيمه إلى مصرفين: الأول، “الرافدين 1”، سيكون مصرفاً تجارياً متوافقاً مع المعايير الدولية، ومندمجاً مع السوق المالية المحلية والعالمية، والثاني سيُخصص للعمليات المصرفية الحكومية.
وأضاف مستشار رئيس الوزراء، أن "المصرف يشهد حالياً تحسينات كبيرة في الحوكمة والشفافية، مع إدخال تكنولوجيا المعلومات وتحديث البنية المصرفية وفق القوانين الدولية".
ولفت إلى أن "الإصلاح المصرفي يُعد من أولويات البرنامج الحكومي"، مؤكداً أن "المرحلة المقبلة ستشهد تحولاً جوهرياً في عمل المصرف واندماجه مجدداً مع البيئة المصرفية العالمية بعد قطيعة دامت قرابة نصف قرن".
اصلاحات جادة للسياسة النقدية
الى ذلك، قال الباحث المختص في الشأن المالي والمصرفي، مصطفى حنتوش، أن الخلل في سياسات الحوالات الخارجية للبنك المركزي العراقي يتطلب معالجات جذرية، تشمل ربط المنافذ الجمركية بشكل فاعل وإغلاق الثغرات التي تُستغل في عمليات غسيل الأموال.
وأشار في حديث لـ"طريق الشعب"، إلى أن "العراق يرتبط بتجارة نشطة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى جانب حركة المسافرين المستمرة، ما يستدعي وجود منصة رسمية للتحويل المالي، من اجل ان توفر الحوالات والاعتمادات التجارية كما هو الحال في دول مثل عُمان".
وأوضح، أن غياب هذه الحلول يؤدي إلى تفاقم الأزمات واستمرار المشكلات المالية.
وأضاف حنتوش أن "التركيز الحالي على ملف الدولار والأرباح المترتبة عليه دون إيجاد حلول جوهرية يعرقل إمكانية تجاوز التحديات الاقتصادية الكبرى"، مؤكداً ان هذا النهج "قد يفضي إلى فرض عقوبات على المصارف، و القيود اليوم وصلت إلى حد منع المواطنين من الحصول على الدولار إلا عبر المنافذ الرسمية في المطارات".
وشدد في ختام حديثه على أن العراق بحاجة إلى إصلاحات جدية في السياسة النقدية لعبور هذه الأزمة، مستبعداً في الوقت ذاته فرض عقوبات على مصرف الرافدين كونه مصرفاً حكومياً، لكنه حذر من خطورة الوصول إلى هذه المرحلة.
ودعا إلى اتخاذ إجراءات تصحيحية عاجلة لتجنب التداعيات المحتملة.