اخر الاخبار

مع اقتراب انتهاء عمرها الدستوري، تبرز التساؤلات حول اداء الحكومة خلال السنوات الماضية، وعن مدى وفائها بالتزاماتها وتعهداتها التي أعلنتها في برنامجها الحكومي والزمت نفسها بها، وبين الإنجاز المحدود والإخفاقات المتراكمة يؤكد مراقبون ان الوضع لم يختلف كثيراً في عهد الحكومة الحالية عما سبق سوى في بعض المواطن البسيطة.

نظرة عامة

وعلى الصعيد السياسي، فأن غياب المعارضة الحقيقية داخل قبة البرلمان وهيمنة التوافقات بين القوى المتنفذة أفرغت العملية السياسية من مضمونها الرقابي، وكرّست إدارة الدولة بمنطق المحاصصة، ما حال دون إحداث تغيير جوهري في بنية الحكم.

أما اقتصاديًا، فقد استمرت الأزمات البنيوية في ظل الاعتماد المفرط على النفط وتراجع ملفات الإصلاح، مقابل فشل في تنويع الموارد أو تحفيز القطاع الخاص، وسط استمرار الفساد والمحسوبية، وغياب سياسات واضحة للتنمية المستدامة.

وفي ما يتعلق بالحريات، لم تُحدث الحكومة انفراجًا ملموسًا، بل استمرت القيود المفروضة على الصحافة والتعبير، وتكررت محاولات تمرير قوانين تحدّ من الحقوق المدنية، في مشهد يعكس عجزًا عن تبني نهج إصلاحي جاد يحترم التعددية ويصون كرامة المواطن.

أين مكامن النجاح والإخفاق؟

في هذا الصدد، قال المحلل السياسي داوود سلمان إن مقارنة الحكومة الحالية بالحكومات السابقة تُظهر تفوقًا نسبيًا لها من حيث الاستقرار الأمني والسياسي، ويعود ذلك إلى اشتراك جميع القوى السياسية في تشكيلها وغياب أي معارضة فعلية، ما جعل حالة الاستقرار هدفًا مشتركًا لا يرغب أي طرف بإخلاله.

وأضاف في حديث لـ "طريق الشعب"، أن “الحكومة رفعت شعار النهوض بجميع القطاعات، سواء الخدمية أو الاقتصادية أو التكنولوجية وحتى الأمنية، لكن عند التقييم الموضوعي نجد أن الكثير من هذه الوعود لم تُنفذ بالشكل المأمول”.

وأوضح سلمان أن “النجاح الأبرز للحكومة يتمثل في مشاريع الطرق والجسور التي شهدت تطورًا ملحوظًا، إلا أن قطاعات حيوية أخرى، كالكهرباء مثلًا، ما تزال تعاني، ونخشى أن نعود إلى نقطة البداية مع حلول فصل الصيف، رغم توقيع اتفاقيات مع شركات أميركية كبيرة، إلا أن آثارها لن تظهر على المدى القصير”.

وتابع انه “اقتصاديًا، ما تزال الأزمات قائمة، خصوصًا في ما يتعلق بسعر صرف الدولار، الذي لم ينخفض إلى مستوياته الطبيعية، إلى جانب استمرار المحسوبية والابتزاز داخل مؤسسات الدولة، وفشل الحكومة في محاسبة الفاسدين واختيار الكفاءات، وهي كلها وعود لم تُترجم إلى نتائج ملموسة”.

واختتم سلمان بالقول:، انه “باستثناء ملف الطرق والجسور، لم تحقق الحكومة تقدمًا حقيقيًا في بقية الملفات، فالقطاع الزراعي ورثته الحكومة وهو في تصاعد، لكنها لم تسهم في تطويره، والقطاع الاقتصادي ما يزال هشًا ويعتمد على النفط فقط، دون أي تقدم في تنويع القاعدة الاقتصادية أو إيجاد مصادر بديلة للدخل الوطني”.

فشلت اقتصادياً

في الجانب الاقتصادي، قال الخبير الاقتصادي صالح الهماشي إن “أداء الحكومة الحالية لم يكن بمستوى الطموح، خصوصاً في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية وتنفيذ الالتزامات التي قطعتها على نفسها في البرنامج الحكومي، إذ شهدنا تراجعاً واضحاً في ملفات حيوية مثل دعم القطاع الخاص، وتقليل البطالة، وتنويع الاقتصاد بعيداً عن الريعية النفطية”.

وأوضح في حديث لـ"طريق الشعب"، أن “الحكومة ركزت في خطابها على وعود بالإصلاح ومكافحة الفساد وتحقيق التنمية المستدامة، لكنها لا تملك إرادة كافية أو أدوات تنفيذية فاعلة لتحويل هذه الشعارات إلى واقع ملموس، وبقي الأداء محصوراً في الإنجازات الشكلية والدعائية”.

وأشار إلى أن “الوعود الحكومية بخلق فرص عمل حقيقية ومعالجة أزمات الفقر والخدمات لم تتحقق، بل إن المؤشرات الاقتصادية شهدت تدهوراً في بعض الجوانب، فيما بقي الاقتصاد معتمداً بشكل مفرط على الإيرادات النفطية دون أي خطوات جدية لتطوير الزراعة أو الصناعة أو الاستثمار”.

وأكد الهماشي، أن “أزمة الثقة بين المواطن والحكومة تعمّقت نتيجة الإخفاق في تنفيذ التعهدات، وغياب الرؤية الاقتصادية الواضحة، واستمرار نهج المحاصصة والصفقات في إدارة الملفات الاقتصادية المهمة، ما جعل السنوات الماضية فرصة اخرى مهدورة لإحداث أي تغيير حقيقي”.

وخلص الى القول إن “النجاحات التي تحاول الحكومة الترويج لها لا ترتقي إلى مستوى التحديات التي يواجهها البلد، وأي تقييم موضوعي لأدائها يُظهر أنها لم تنجح في إدارة الملفات الاقتصادية والاستراتيجية، بل كرّست الأزمات وعمّقت حالة الجمود”.

حرية التعبير والفكر مقيدة

الى ذلك قال الكاتب والصحافي فلاح المشعل، إن حرية الكلمة والتعبير والفكر في العراق، وتحديدًا في العاصمة بغداد، ما تزال خاضعة لسلسلة من القيود والموانع، رغم عدم صدور أوامر مركزية مباشرة بذلك من الحكومة أو البرلمان أو السلطة القضائية.

وأوضح أن بعض التوجهات المتعلقة بملاحقة ما يُعرف ”المحتوى الهابط” أو المساس بالرموز الدينية والشخصيات العامة، قد تحوّلت إلى أدوات لقمع حرية التعبير، رغم أنها طُرحت كهواجس أخلاقية أو اجتماعية.

وأشار المشعل في حديث لـ "طريق الشعب"، إلى أن هامش التعبير "بقي محدودًا، وأن الكتّاب والمفكرين استطاعوا إيصال أصواتهم ضمن نطاق ما هو مسموح به، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو الصحف اليومية، أو شاشات القنوات الفضائية".

واكد أن الحديث عن تطور في دعم حرية التعبير خلال فترة حكم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني “يحتاج إلى مقاربة دقيقة”.

وبيّن أن "المنهجيات المتبعة من قبل مؤسسات الدولة، وبشكل خاص البرلمان، لا تزال بعيدة عن المفهوم الحقيقي للديمقراطية، التي تقوم على الفصل بين السلطات واحترام الإعلام كسلطة رابعة".

وتابع “نحن نعيش منذ أكثر من عشرين عامًا ضمن بيئة سياسية تضيق الفضاءات، وتضع المزيد من القيود على حرية التعبير، ما يولّد قلقًا مستمرًا من السلطات تجاه الكلمة والرأي”.

ولفت المشعل إلى أن السلطات التنفيذية والتشريعية وحتى القضائية "ساهمت جميعها في تقويض الحريات، عبر فرض ضوابط مشددة، بل وتجاوزت ذلك إلى إجراءات عقابية".

ونوه إلى أن "القضاء العراقي لا يزال يعمل بقوانين رادعة تعود إلى حقب سابقة، من بينها المادة 226، التي تعاقب بالسجن من يسيء إلى الرموز أو يتجاوز على الحكومة، دون تحديد واضح لمفهوم “الإساءة”، ودون تمييز بين النقد البنّاء والإهانة".

وواصل الحديث بأن هناك وزراء ونوابًا ومكاتب رسمية، بما فيها مكتب رئيس الوزراء، لا يزالون يقيمون دعاوى قضائية ضد صحافيين وكتّاب ومؤثرين على وسائل الإعلام، وبعضهم تعرض للتوقيف أو السجن.

وشدد على انه "إذا كان انتقاد رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان أو الوزير يُعد تجاوزًا يُعاقب عليه، فنحن ما زلنا نعيش في مناخ استبدادي، حتى وإن بدا ذلك بصورة مخففة”.

عرض مقالات: