سياسة تركيا المزدوجة تجاه العراق
نشر موقع معهد ستيمسون مقالاً للباحثتين مليحة التونسيك و دريا جزسر، تحدثتا فيه عن العلاقات العراقية التركية والسياسة المزدوجة التي تتبعها أنقرة تجاه بغداد والتي تجمع بين الأمن والدبلوماسية، فذكرتا بأنه ومع استمرار عدم الاستقرار في الشرق الأوسط نتيجةً لتصاعد الصراعات العسكرية وتغير الديناميكيات الإقليمية، شهد نهج تركيا تجاه العراق تطورًا ملحوظًا. فمنذ عام 2020، سعت تركيا جاهدةً إلى تطبيع العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد وتعزيز ارتباطها الراسخ بحكومة إقليم كردستان، مع إعلانها التقليدي عن رغبتها في الحفاظ على وحدة أراضي العراق ومواجهة التهديدات الأمنية المُتصوَّرة التي يُشكِّلها حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره تركيا جماعةً إرهابية.
الاستفادة من اختلاف الشركاء
وأشار المقال الى أن استراتيجية أنقرة هذه، تـأخذ بعين الاعتبار صراعها الطويل مع الأقلية الكردية في تركيا، وعدم الاستقرار الداخلي وصراعات السلطة في العراق، والديناميكيات الجيوسياسية الإقليمية، ولا سيما نفوذ إيران في جارتها الجنوبية وانهيار نظام الأسد في سوريا.
واضافت الباحثتان أن العلاقات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحزب السياسي الرئيسي في حكومة إقليم كردستان، عادت متينة، وتغلبت على التوترات التي أعقبت استفتاء استقلال الإقليم عام 2017، والذي فشل في تحقيق أهدافه، في وقت لا يحظى الاتحاد الوطني الكردستاني بهذه الصداقة، نظرًا لتصور تركيا بأنه لا يزال يتساهل مع أنشطة حزب العمال.
الأمن أولاً
كما عززت تركيا علاقاتها الأمنية مع بغداد من خلال اتفاقيات لتبادل المعلومات الاستخباراتية والقيام بعمليات عسكرية منسقة، ومن بينها مذكرة تفاهم بشأن التعاون العسكري والأمني، والتي بموجبها صنّف العراق حزب العمال "منظمة محظورة"، وموافقة العراق على تحويل قاعدة تركية في بعشيقة، والتي أُنشئت في شمال العراق ظاهريًا لمحاربة داعش، إلى مركز تدريب وتعاون مشترك بين البلدين، دون أن تلتزم أنقرة بهذا التحويل حتى الآن.
الدبلوماسية أيضاً
وذكّر المقال بعدد كبير من النشاطات الدبلوماسية التي قامت بها أنقرة في العراق، ليس مع حكومته ومؤسساته الرسمية فقط، بل وأيضاً مع قيادات سياسية متنفذة ونافذة في العملية السياسية، تلك النشاطات التي زادت بنسبة 400 في المائة خلال العام الماضي مقارنة بسابقه، وبدت وكأنها سعي تركي لمأسسة العلاقات الدبلوماسية وللتخفيف من حدة الشكوك السياسية المستقبلية، والاستفادة من ضغط إدارة ترامب على العراق لتقليل اعتماده على إيران، في فتح نافذة تعاون استراتيجي أوسع معه.
البعد العسكري للسياسة التركية
ورغم أن العمليات العسكرية التركية في العراق تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، فإنها شهدت زيادة كبيرة في الشهور الماضية (من 40 الى 105 عملية)، خاصة بعد اقامة قواعد عسكرية دون اتفاق مسبق مع بغداد، مما أثار انتقادات الأخيرة، وأجبر تركيا على الموافقة على اتفاق يقضي بنقل السيطرة على قاعدة بعشيقة إلى العراق لتهدئة المخاوف المتعلقة بالسيادة ومأسسة التعاون الأمني الثنائي.
وجاءت دعوة أوجلان لحل حزب العمال الكردستاني متناغمة استراتيجياً مع الديناميكيات الإقليمية، لا سيما في ظل ضعف موقف الحزب وتزايد تعاون تركيا مع كل من بغداد وحكومة إقليم كردستان ضده. كما ساهمت الدعوة في دعم السعي التركي لتعزيز التنسيق الثنائي مع بغداد وأربيل، والاستخدام الاستراتيجي للوسائل العسكرية والدبلوماسية.
تحديات تواجه الاستراتيجية التركية
وذكر المقال بأن هناك الكثير من التحديات التي تواجه استراتيجية تركيا هذه، منها بقاء التوترات قائمة بين بغداد وأربيل بسبب عائدات النفط والإدارة الإقليمية، بحيث تؤثر علاقات أنقرة الوثيقة مع أحد الطرفين دائمًا على علاقاتها مع الطرف الآخر. كما يضيف التنافس المستمر بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني تعقيداً على الأهداف الاستراتيجية لتركيا في شمال العراق، الذي لا يزال يعتبر هشًا سياسيًا (في حالة تأهب على مؤشر الدول الهشة)، ومن المتوقع أن تُشعل الانتخابات المقرر إجراؤها في 11 تشرين الثاني صراعات السلطة الداخلية من جديد.
وتعّد محدودية القدرة الأمنية سبباً في صعوبة إنفاذ العراق للاتفاقيات الأمنية على حد تعبير المقال، الذي أعطى للتوترات الجيوسياسية الإقليمية، وخاصة بين الولايات المتحدة وإيران، تأثيرات كبيرة على الحسابات الاستراتيجية التركية في العراق، رغم محاولات بغداد تحقيق الحياد الإقليمي، فنفوذ إيران المستمر في السياسة العراقية، إلى جانب العلاقات الأمنية المتنامية مع تركيا، يخلق منافسة استراتيجية متأصلة، مما يُبرز هشاشة مكاسب تركيا في العراق، لاسيما مع ما تضيفه السياسة الأمريكية من عدم اليقين، والذي ينتظر أن يتزايد إذا ما نفذت إدارة ترامب خططًا لسحب القوات من سوريا.