في ظل تصاعد وتيرة العواصف الترابية التي باتت تُهدد حياة العراقيين وصحتهم واقتصادهم، تتزايد التحذيرات من تداعيات هذه الظاهرة التي خرجت عن إطارها الموسمي، لتتحول إلى أزمة بيئية مستدامة. وبينما تشير التقديرات إلى خسائر يومية تلامس المليون دولار، تتجه أصابع الاتهام نحو السياسات الحكومية التي يُقال إنها أغفلت معالجات جذرية لأسباب التصحر وغياب الغطاء النباتي.

واعتبرت وزارة البيئة، الأحزمة الخضراء إحدى الوسائل الفاعلة في الحد من آثار العواصف الترابية، فيما أشارت إلى أن مجابهة العواصف الترابية تتطلب خططًا طويلة الأمد وتنسيقًا بين الجهات المعنية، لافتة إلى أن غالبيتها تنشأ في مساحات شاسعة خارج العراق.

خسائر يومية تقدر بمليون دولار

وكشف مرصد العراق الأخضر عن خسائر يتكبدها العراق جراء العواصف الترابية.

 وذكر عمر عبد اللطيف، عضو المرصد، أن الخسائر اليومية للعواصف الترابية والرملية في العراق تقدر بمليون دولار، مؤكداً أن قطاع الصحة يتحمل العبء الأكبر من هذه الكلفة، بسبب ارتفاع أعداد المصابين بأمراض الجهاز التنفسي.

وقال عبد اللطيف في حديث لـ "طريق الشعب"، إن "العواصف لا ترهق المستشفيات فقط، بل تدفع العديد من العائلات إلى شراء أجهزة تنفس لاستخدامها في المنزل، هربًا من التوجه إلى المراكز الصحية".

وأشار إلى أن "الأضرار تمتد إلى زيادة حوادث السير نتيجة انعدام الرؤية، وتراجع الإنتاج الزراعي، فضلًا عن هدر كميات كبيرة من المياه في عمليات التنظيف، وتعطل شبكات المجاري بسبب تراكم الأوحال والنفايات".

وشدد عبد اللطيف على ضرورة معالجة هذه الأزمة بيئيا من خلال تفعيل مشاريع التشجير والحزام الأخضر، لا سيما في المحافظات الحدودية التي تعاني بشكل مباشر من آثار التصحر والعواصف.

أصبحت أكثر خطورة

ويرى الناشط البيئي كشبين علي، أن "العواصف الترابية التي تضرب العراق ليست ظاهرة جديدة، لكنها أصبحت أكثر كثافة وخطورة في السنوات الأخيرة، نتيجة التغيّرات البيئية والإهمال البشري"، مؤكداً أن "عدد العواصف سيستمر في التزايد في ظل شح الأمطار والجفاف وغياب التشجير".

وبين علي لـ "طريق الشعب"، أن "العواصف تتشكل من مرور الرياح في مناطق صحراوية مفتوحة، حيث لا يوجد غطاء نباتي يحول دون إثارة الغبار، ما يؤدي إلى انتقال كتل ترابية كثيفة إلى المدن والمناطق المأهولة".

ويؤكد أن المختصين في البيئة يحملون الجهات الحكومية مسؤولية تزايد تأثير العواصف، ويتهمونها بـ"الإهمال والتقاعس وعدم المبالاة"، رغم أن الظاهرة تضرب دولا أخرى في المنطقة، إلا أن العراق يبدو أكثر عرضة، بسبب ما يصفه بـ"الفشل في إدارة ملف البيئة ومواجهة التصحر".

ويُرجع علي تفاقم الظاهرة إلى الاعتداء المستمر على الغطاء النباتي، والدمار الذي لحق بالبيئة جراء الحملات العسكرية التي جرفت الاف الدونمات من البساتين والأراضي الزراعية، لا سيما في محيط بغداد.

ويضيف ان "الكثير من المزارعين هجروا أراضيهم بسبب شح المياه وغياب أي دعم حكومي، ما ساهم في تحويل مناطق واسعة إلى أرضٍ قاحلة قابلة للتحول إلى مصدر دائم للعواصف".

المتنبئ الجوي صادق عطية ذكر أن "العواصف الترابية تعد من السمات البارزة لمناخ العراق، خاصة في مناطقه الوسطى والجنوبية الغربية، وذلك لطبيعة هذه المناطق التي تتصف بكونها صحراوية أو شبه صحراوية، إلى جانب مناخها المتطرف من حيث كمية الأمطار".

وأوضح عطية لـ "طريق الشعب"، أن هناك علاقة عكسية بين كمية الأمطار خلال موسم الشتاء وشدة العواصف الترابية في موسم الربيع وما بعده، فكلما كانت الأمطار وفيرة، ساهم ذلك في ترطيب التربة وتقليل فرص تصاعد الغبار. أما في حال كانت الأمطار شحيحة، كما حدث خلال الموسم الشتوي الماضي، فإن جفاف التربة، خصوصاً في المناطق الغربية يؤدي إلى تكرار هبوب العواصف الترابية التي تمتد نحو الوسط والجنوب، وقد تصل أحياناً إلى مناطق شمال البلاد".

وأضاف، أن "هذه الظاهرة لا تقتصر على فصل الربيع فحسب، بل تمتد اثارها إلى فصل الصيف، الذي يتسم بهبوب رياح شمالية غربية نشطة، وهي من الخصائص المناخية المعروفة في العراق خلال هذا الفصل. وتُعزى هذه الرياح إلى تأثير المنخفضات الحرارية، خصوصاً منخفض شبه الجزيرة العربية".

وبين عطية، أن "أي نشاط للرياح في مناطق جافة يؤدي تلقائيا إلى تصاعد موجات غبار متكررة، خاصة خلال ساعات الظهيرة، وتحديداً في الفترة الممتدة من بداية حزيران وحتى نهاية تموز. وتشهد هذه الفترة تكراراً لهبوب الغبار بمعدل مرتين أسبوعياً أحياناً، قد تصل في شدتها إلى مستوى العواصف الترابية، وتخف حدتها خلال الليل مع هدوء نسبي في الرياح، ثم تعود للتجدد في اليوم التالي خلال ساعات النهار، بين الساعة العاشرة صباحاً وحتى الخامسة أو السادسة مساء".

وتُعد هذه الدورة المناخية من المظاهر الطبيعية التي يتكرر تأثيرها سنوياً، لكنها تتفاقم عند تراجع معدلات الأمطار، وهو ما يجعل التغيّر المناخي عاملاً رئيساً في اضطراب التوازن البيئي والمناخي في العراق. وفقاً لعطية.

تحذيرات من صيف قاس

من جانبه، قال الخبير البيئي أحمد صالح أن العراق مقبل على صيف قاسٍ وصعب من الناحيتين البيئية والمناخية، مشيراً إلى أن العواصف الغبارية لا تزال تمثل تهديداً حقيقياً ومستمراً يترقب تأثيره المواطنون والخبراء على حد سواء.

وأوضح صالح لـ "طريق الشعب"، أن الخزين المائي الاستراتيجي للعراق قد وصل إلى أدنى مستوياته، وهو بالكاد يكفي لتغطية احتياجات الشرب، ولا يكفي إطلاقاً لتأمين المساحات الزراعية أو دعم المناطق الرطبة كالأهوار. وبين أن الحكومة العراقية اضطرت العام الماضي إلى تقليص المساحات المزروعة إلى نحو 45 في المائة فقط، ورغم ذلك، فإن العجز المائي لا يزال قائماً، ما ينعكس سلباً على البيئة الزراعية ويهدد بتصحر مساحات أوسع من الأراضي.

وأضاف، أن أهوار محافظتي ميسان وذي قار وغيرها من المحافظات باتت اليوم في وضع بيئي حرج، معرّضة للجفاف والانكماش، ما ينذر بكارثة بيئية في حال استمرار هذا النمط خلال الصيف القادم.

وحول العواصف الغبارية، حذر صالح من احتمال تزايد العواصف المحلية نتيجة الجفاف وتدهور الغطاء النباتي، إضافة إلى العواصف القادمة من دول الجوار الإقليمي، والتي لا يمتلك العراق القدرة على التحكم بها. وبيّن أن ارتفاع درجات الحرارة وقلة الرطوبة النسبية وهبوب الرياح الجافة تشكل بيئة مثالية لتشكل هذه العواصف وانتشارها بشكل متكرر.

واختتم صالح بالقول إن المؤشرات المناخية تُظهر أن صيف هذا العام سيكون أكثر سخونة من المواسم السابقة، وهو ما قد يؤدي إلى مضاعفة تأثيرات العواصف الترابية، محذراً من تبعات ذلك على الصحة العامة، الزراعة، والتنوع البيئي في البلاد.

عرض مقالات: