أثارت مشاهد تداولها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر وجود مولود لحيوان ما داخل أحد مخازن وزارة التجارة في محافظة بابل، موجة من التساؤلات عن مدى سلامة خزن مفردات المواد الغذائية وآليات الرقابة.

ودفع تصدير الحادثة للرأي العام أعضاء لجنة الاقتصاد النيابية إلى التوجه نحو الموقع بهدف التحقق ميدانياً من ظروف التخزين والكشف عن المخالفات المحتملة، إلا أن محاولتهم قوبلت بالمنع، وأُغلقت أبواب المخزن بوجههم، في خطوة أثارت علامات استفهام إضافية حول ما تحاول الجهات المعنية إخفاءه.

التجارة صامتة

الحادثة لم تُقابل بتوضيح رسمي، وفي سياق متابعة القضية، حاولت “طريق الشعب” التواصل مع وزارة التجارة للحصول على ردّ رسمي أو توضيح، لكن المتحدث باسم الوزارة رفض التعليق وامتنع عن الرد على الاتصالات.

ماضون في استجواب الوزير

في هذا الصدد، أكد النائب ياسر الحسيني، نائب رئيس لجنة الاقتصاد النيابية، أن ما جرى اخيراً في محافظة بابل وما تبعه من تضليل إعلامي، يمثل محاولة مكشوفة للتغطية على مخالفات كبيرة داخل وزارة التجارة.

وقال الحسيني في حديث لـ"طريق الشعب"، إن من حقه "زيارة أي منشأة تابعة لوزارة التجارة او الوزارات الاخرى المعنية، في أي وقت، سواء بالتنسيق مع الجهات المعنية أم بدونه".

وأضاف الحسيني، انه "برغم ذلك، قمت بالتواصل شخصياً مع مدير عام تجارة المواد الغذائية وأبلغتها عزمي زيارة مخازن الشركة، لكنها رفضت ووجّهت بغلق المخازن فوراً، ولدينا تسجيلات صوتية تثبت هذا التوجيه”.

وأشار الحسيني إلى أن لجنته "رصدت مخالفات حقيقية في السلة الغذائية، موثّقة ومدونة"، إلا أن وزارة التجارة تصر على إنكارها عبر روايات كاذبة وأحداث وهمية”.

وتابع قائلاً انه "حتى الآن لم تُجهَّز حصة الشهر الثاني من السلة، ونحن في الشهر الخامس. فأي أمن غذائي هذا الذي تتحدث عنه الوزارة؟ وهل هي فعلاً معنية بمصلحة المواطن العراقي، أم مصلحة دول اخرى".

وبيّن الحسيني، أن "اللجنة كانت قد طالبت باستضافة وزير التجارة وتشكيلاته في شهر أيار الحالي، إلا أن الوزير لم يحضر، لان هناك قوى سياسية تقف خلفه وتحمي المخالفات التي تقع برعايته".

واعتبر النائب أن “إغلاق المخازن بوجه لجنة نيابية ومنعها من أداء واجبها الرقابي يمثل استهتاراً من السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية واستخفافاً بالدستور وحنث باليمين”، مؤكداً أن “دورنا ليس التدخل في شؤون الوزارة، بل الرقابة على أدائها ورفع التوصيات، وصولاً إلى الاستجواب أو سحب الثقة عند الضرورة”.

واختتم النائب الحسيني بالقول إن “الحكومة الحالية تكرّس خرق القانون، ولدينا ملاحظات موثقة بشأن تعاقدات الوزارات، لذا فإن رئيس مجلس الوزراء يتحمّل المسؤولية الكاملة عن هذا الاستهتار الوزاري بدور البرلمان".

وخلص الى القول ان "إغلاق المخازن لم يكن إلا محاولة للتغطية على مخالفات حقيقية، ولو دخلنا لتمكّنا من توثيقها. وعليه، سنمضي في استضافة الوزير واتخاذ المسارات القانونية، بما فيها اللجوء إلى القضاء، لكشف هذه المخالفات ومحاسبة المتورطين فيها”

تجاوز دستوري

من جهته، يرى الخبير القانوني أمير الدعمي أن حادثة منع نائب برلماني من دخول إحدى دوائر الدولة لم تحدث اول مرة، وهذا يعكس خللاً متكرراً في فهم الأدوار الدستورية من قبل الطرفين، مشدداً على أن بعض النواب لا يدركون حدود وصلاحيات عملهم التشريعي والرقابي.

وقال لـ"طريق الشعب"، إن “النواب للأسف يفتقرون في كثير من الأحيان للثقافة القانونية والدستورية، ولا يميزون بين ممارسة الدور الرقابي بشكل مؤسسي وبين التحول إلى ناشطين إعلاميين أو سياسيين، وهو أمر لا يتوافق مع طبيعة العمل النيابي”.

وبيّن الدعمي أن “النائب يمتلك أدوات رقابية واضحة كالسؤال البرلماني، وطلب الاستضافة، والاستجواب في حال وجود خلل أو تجاوز، وهذه الإجراءات منصوص عليها دستورياً”، مضيفاً أنه “في المقابل، لا يجوز لأي وزارة أو مؤسسة حكومية أن تمنع نائباً من دخول مؤسسة عامة أو الاطلاع على ملفات تهم الصالح العام، لأن النائب يتمتع بحصانة دستورية وهو ممثل للشعب ولا يجوز منعه”.

وأشار إلى أن “قيام جهة تنفيذية بمنع نائب من أداء مهامه الرقابية هو مؤشر على وجود مخالفات داخل الوزارة تحاول التستر عليها، ولهذا تُغلق الأبواب أمام النواب حتى لا تُكشف الحقائق”.

واعتبر الدعمي، أن “رفض الوزراء الحضور إلى مجلس النواب أو الاستجابة لطلبات الاستجواب هو انعكاس مباشر لحالة الضعف التي تعاني منها السلطة التشريعية في دورتها الحالية، والتي تُعد الأضعف منذ 2003”.

وتابع القول، ان هذا الضعف "أفرز حالة من الاستخفاف بدور البرلمان، لا من قبل الحكومة فحسب، بل حتى من قبل الرأي العام، وهو ما أوصلنا إلى برلمان لا يُعتدّ بقوته السياسية والرقابية”.

واختتم الدعمي تصريحه بالقول: “كان من الأجدر بالوزارة أن تخرج ببيان توضيحي للرأي العام وتتفاعل مع الاعلام، وأن ترد على الاتهامات بالوقائع والأدلة، لكنها تتصرف اليوم باستخفاف، ليس فقط بالبرلمان، بل بالشعب العراقي برمته”.