اخر الاخبار

دبلوماسية الطاقة في العراق

نشرت صحيفة International Policy Digest مقالاً لنيوكلاس أوكس حول عودة العراق الهادئة إلى المشهد الدولي للطاقة، أشار فيه إلى أنه ومع دخول سوق النفط العالمي مرحلة جديدة من عدم اليقين الهيكلي، بفعل التغيرات في التحالفات الجيوسياسية، وتطور اتجاهات الطلب، وتسارع الحاجة الملحة للتحول إلى الطاقة الخضراء، يُعيد هذا البلد الذي يعّد ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك، ضبط دبلوماسيته في مجال الطاقة بهدوء، حيث تشير الاتفاقيات الأخيرة مع الصين والهند وفرنسا إلى جهد استراتيجي لتنويع الشراكات التجارية، وحماية مستقبل بغداد الاقتصادي بين القوى الشرقية والغربية.

تقدم ولكن!

واستدرك الكاتب بالقول، ومع ذلك، تكمن وراء هذه الاتفاقيات معضلة أعمق، تتعلق بكيفية تحويل دبلوماسية النفط إلى نفوذ اقتصادي مستدام في بلد لا يزال يُعاني من هشاشة مؤسساتية وتقلبات سياسية مُستمرة. واضاف بأنه لطالما شكّل النفط الأساس الاقتصادي للعراق، إذ مثّل في عام 2024، حوالي 88 في المائة من إيرادات الحكومة وحوالي 92 في المائة من الصادرات الوطنية، وهو ما جعله عرضة بشدة للصدمات الاقتصادية العالمية، بدءًا من انهيار الأسعار عام 2014 ووصولًا إلى انهيار الطلب خلال ذروة الجائحة.

ورغم أن البلاد ركزت استراتيجيتها في مجال الطاقة على الصادرات إلى الأسواق الغربية، فإن استمرار عدم الاستقرار السياسي دفع العديد من الشركات الغربية إلى التردد بشأن الاستثمار طويل الأجل، مما دفع ببغداد لأن تتجه بشكل أكثر حسمًا نحو آسيا، وبدرجة أقل نحو أوروبا، سعيًا لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والأهمية الجيوسياسية.

الأقرب هي الصين

وذكر المقال بأن الصين برزت بسرعة كأهم شريك للعراق في مجال الطاقة، حيث تستورد 1.19 مليون برميل يوميًا - أي ما يقرب من ثلث صادرات البلاد النفطية، وهي شراكة ترتكز على عقد بإنشاء أول مشروع طاقة متكامل تمامًا، وعلى اتفاقية الإطار العراقية الصينية لعام 2021، وهي مبادرة واسعة النطاق للنفط مقابل البنية التحتية تسمح للشركات الصينية بتمويل مشاريع التنمية الكبرى مقابل ضمان إمدادات النفط.

ثم الهند

وبيّن المقال بأن الهند، ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، زادت مشترياتها من النفط الخام العراقي بشكل مطرد، حتى بلغت 29 مليار دولار في العام الماضي. وقد أتاحت هذه الشراكة المتنامية – حسب الكاتب - فرصة لحوارات جديدة بين البلدين حول أمن الطاقة، مستندة إلى عاملين رئيسيين: بروز الهند كجهة محايدة في الشرق الأوسط، والدور المحوري المتزايد للعراق في هيكل أمن الطاقة في آسيا.

ولفرنسا دور أيضاً

وأكد الكاتب على أن لإحياء دبلوماسية النفط العراقية مع فرنسا بُعدًا أوروبيًا رئيسيًا، ففي عام 2023، وقّع العراق اتفاقية طاقة بقيمة 27 مليار دولار مع شركة توتال إنرجيز، بهدف زيادة إنتاج النفط، وتطوير البنية التحتية للطاقة الشمسية، في اعتراف مبكر بقرب انتهاء دور وهيمنة الوقود الأحفوري. واعتبر الكاتب الشراكة الفرنسية مؤشراً على رغبة العراق في إبقاء أبوابه الدبلوماسية مفتوحة مع الغرب، حتى مع توسعه شرقًا، وبقاء سياساته في مجال الطاقة خاضعًا لتأثير جهات إقليمية نافذة، وعلى رأسها إيران وتركيا، عبر استغلال الأولى لإمدادات الكهرباء لممارسة نفوذها السياسي، وسعي الثانية لاستغلال كونها ممرًا إقليميًا للطاقة لفرض قيودها على البنية التحتية العراقية.

دبلوماسية السير بين الألغام

وبدت دبلوماسية الطاقة العراقية، للكاتب، متوسعة ومقيدة في آن. فمن ناحية، تعمل بغداد بنشاط على توسيع قاعدتها الاقتصادية وتنويع شركائها الدوليين. ومن ناحية أخرى، لا تزال قدرتها على تنفيذ رؤية سياسية طويلة الأجل محدودة، في ظل الانقسامات الداخلية والتبعيات الخارجية، وهو ما انعكس بوضوح في توقف تنفيذ الخطة الخمسية الحالية للحكومة والتي تستهدف تحقيق تنويع اقتصادي أكبر. وتوصل المقال إلى أنه بدون إصلاح هيكلي أعمق، تُخاطر دبلوماسية النفط بأن تصبح حلاً مؤقتًا لإخفاقات أعمق.

وعلى الرغم من ذلك، امتدح الكاتب استراتيجية العراق المتطورة وقدرتها على التفاعل مع تباطؤ الطلب العالمي على النفط وتحول الجغرافيا السياسية للطاقة نحو نظام متعدد الأقطاب، والتوقعات بأن يلعب منتجو النفط دورًا كبيرًا في تشكيل ديناميكيات الطاقة المستقبلية.

وفي النهاية، أشار المقال إلى أن دبلوماسية الطاقة العراقية، في بلاد غنيةٍ بالموارد وهشةً سياسياً، يمكن أن تُحوّل الضرورة الاقتصادية إلى ميزةٍ جيوسياسية، إذا نجحت ليس في تنويع المشترين فحسب، بل في إعادةَ تقييم سياسة البلاد الخارجية أيضاً، بحيث تكون فاعلا متزايد التأثير في مستقبل سياسات الطاقة العالمية.

عرض مقالات: