العراق: حرية التعبير في خطر
نشر موقع "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" مقالاً حول الواقع الإعلامي في العراق، أشار كاتبه إلى تصاعد قلق الكثير من المهتمين والمراقبين على مدى السنوات القليلة الماضية، من القيود التي فرضتها السلطات والتي حظرت بموجبها العديد من التطبيقات والمنصات الإلكترونية والمواقع الإخبارية، وهي قيود تكشف عن تناقض واضح بين هدف الدولة المعلن المتمثل في التحول الرقمي وبين محاولات وزارة الاتصالات لتقييد التواصل العام للمواطنين، في مخالفات صريحة لمواد الدستور التي تكفل حرية التعبير والنشر.
ما وراء الحظر
وذكر المقال بأن غياب إطار قانوني واضح يحمي الحريات، يترك الباب مفتوحًا أمام السلطات لاستخدام تفسيراتها للقوانين، وايجاد ذرائع لقمع حرية التعبير، كإزالة المحتوى المهين، أو تهديد الأمن القومي، أو إهانة النظام والرموز الدينية. وأكد المقال على أن المنصات التي تستهدفها السلطات هي غالباً تلك التي يستخدمها العراقيون لمناقشة قرارات الحكم أو القيام بانتقادها.
وتطرق المقال لمطالبة السلطات بتشريع قانون يحظر منصة التيك توك بسبب محتواها الأخلاقي غير المناسب، منبهاً إلى أن الكثيرين لا يتفقون مع التبرير، لأنهم يرون في هذه المنصة، وسيلة للتعبير والترفيه في بلد يعاني من تضييق متزايد في المساحات الحرة. وأضاف الكاتب إلى إنه ورغم إعلان وزارة الاتصالات بأنها لا تحجب أي موقع بناءً على أهواء أو أحكام شخصية، بل تنفيذًا لما تتلقاه رسميًا من معلومات من مؤسسات الدولة المعنية وما ورد في قرارات المحكمة الاتحادية العليا ومجلس النواب، فإن للحكومة تاريخ في حجب المنصات للحد من التعبير عن المعارضة السياسية، كما جرى مع فيسبوك وإنستغرام وإكس خلال احتجاجات تشرين الأول 2019، أو مع مواقع تقدم خدمات مهمة لمستخدمي الإنترنت، في إجراءات تم تطبيقها دون تشاور واضح أو تقديم معلومات دقيقة عن الأسباب الموجبة لها، مما ترك آثاراً سلبية على العديد من القطاعات الاقتصادية والتعليمية والثقافية، على حد تعبير كاتب المقال، الذي أكد على أن عدداً كبيراً من الصحفيين والمدونين والناشطين السياسيين داخل العراق قد تعرضوا خلال العقدين الماضيين لحملات ممنهجة من القتل والتهديد والاعتقال من قبل جهات مسلحة معروفة وغير معروفة، بسبب نشاطهم الصحفي أو التعبير عن آرائهم بشكل صريح وجريء، مما أجبر الكثير منهم على مغادرة البلاد بحثًا عن بيئة أكثر أمانًا تضمن لهم ممارسة عملهم بحرية.
حرية تدفق المعلومات
وفي لقاءات أجراها كاتب المقال، أكد عدد من الإعلاميين العراقيين على ضرورة إعادة النظر في هذه الإجراءات، وضرورة ضمان حرية الوصول إلى المعلومات، لأن حجب الإنترنت انتهاك صارخ لحقوق الإنسان الرقمية. كما أشاروا إلى أن الحق في الوصول إلى الإنترنت مكفول دستوريًا ضمن حرية الإعلام والتعبير والحق في المعلومات، داعين إلى تحرك المجال العام (المجتمع المدني والمنظمات المدنية الفاعلة ممثلةً بالمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الوطنية المدافعة عن الحقوق الدستورية كالقضاء والنيابة العامة)، لتحديد خطورة الخطوات التقييدية هذه، والتي باتت تُكثر مؤخراً من استخدام الاعتبارات الأخلاقية لتبرير تقييد حرية التعبير تمهيداً للمزيد من السياسات الاستبدادية.
كثرة المستبدين
وأوضح المقال وجود أسباب متعددة وراء تقييد السلطات للحريات الفردية في البلاد، والتي تلعب دور الرقابة ومنع الأفراد من الوصول إلى المحتوى أو المنصة التي يختارونها. وتزداد هذه القيود مع هيمنة بعض الأطراف وتدخلها في صنع القرار لحماية مصالحها وتقويض أي انتقاد موجه لها، أو أي تعليقات تعارض توجهاتها، لاسيما مع تصاعد خشيتها من تكرار الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد على مدى سنوات طويلة، والتي لعبت فيها منصات التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا وفعالًا، سواء في تمكين المتظاهرين الشباب من نشر أخبار يومية عن المظاهرات أو في كشف القمع الذي تعرضوا له بشكل يومي، على الرغم من قطع السلطات للإنترنت وتقييد النشر حينها.
واختتم المقال بالتحذير من أن استمرار مخاوف الناس من استمرار فرض القيود على حرية التعبير بحجة (حماية الأخلاق) يزيد من تآكل شعبية السلطة ويقلص مساحة الحوار العام ويعيد للذاكرة سنوات النضال العنيد الذي خاضه العراقيون من أجل التمتع بالحرية وحقهم المشروع في الوصول الحر والآمن إلى المعلومات.