اخر الاخبار

شهدت الـ15 سنة الأخيرة في العراق، توسعاً كبيراً في مشاريع النفط على مستوى الاستكشاف وتطوير حقول الخام، فيما ساهم هذا التوسع في تفاقم الأزمة البيئية، لا سيما في المناطق الجنوبية، خاصة وأنه يتزامن مع تغيرات مناخية في المنطقة، حصد منها العراق تأثيرات واضحة على وضعه المائي.

وقالت وزارة النفط إنه تم توقيع عقود كبرى مع شركات عالمية لتطوير حقول النفط في الناصرية وكركوك.

ويرى مراقبون ان مناطق في محافظة ميسان، توسعت فيها الأنشطة النفطية بشكل لافت في الآونة الأخيرة، اصبحت نموذجاً فاضحاً لانتهاكات شركات النفط المتكررة، وغياب الضغط الحكومي والإجراءات التي تحد من مخاطر التلوث، والتي ظهرت في مشاهد مصورة مؤلمة قبل أيام، من خلال طيور مهاجرة ابتلعتها مخلفات نفطية كيماوية تركت في العراء، دون معالجات من قبل شركات النفط.

شهود عيان من أهالي محافظة ميسان يوثقون منذ أيام انتهاكات الشركات النفطية، وسط صمت غريب من قبل الجهات المسؤولة، حيث أظهرت مقاطع فيديو في منطقتي الفكة والطيب المعروفتين بانتشار المساحات الخضراء والتلال والوديان، وهي غارقة اليوم بمخلفات كيماوية تؤثر بيئياً على المستوى القريب والبعيد.

بحيرات الفضلات الكيماوية

الخبير البيئي، احمد صالح نعمة، يرى ان الاراضي التي تحولت الى بحيرات كيماوية، بسبب النشاط النفطي، يستحيل تحويلها مستقبلا الى بحيرات مائية او مناطق للزراعة أو الى اي استخدام أخر، غير كونها منخفضات خزنية للمواد الكيماوية، في هذه المواد التي دخلت عليها غيّرت نوعية التربة، التي امتصت الكثير منها، وتشبعت بها واصبحت ملوثة.

وقال نعمة لـ"طريق الشعب"، انه "في كل شركة نفطية يوجد هناك ما يسمى بحيرة لفضلات النفط وهذه الاماكن يجب ان تغطى من اجل حماية الطيور، ومنع وصولها الى هذه الاماكن، فضلا عن ان اي عملية تصليح أو صيانة تخرج هذه السوائل الكيميائية الى الخارج، ولكن يجب ان تبقى محاطة بساتر ومحصنة ولا تضر النظام البيولوجي للحيوانات والحشرات والزواحف وما الى ذلك".

محددات ضعيفة

وأضاف ان "هذه الأخطاء تتكرر كثيرا في اغلب المواقع النفطية في العراق، ويتكرر هذا الامر على اعتبار ان المحددات البيئية على شركات النفط ضعيفة وليست ذات جدوى، بالتالي هذه الطيور تأتي ليلا، ولكون المسطح المتكون من السوائل الكيماوية لامعاً تعتقد هذه الطيور ان البرك مائية وبحيرات فتقوم بالنزول فيها"، لافتاً الى ان "هذه البرك الكيماوية تحولت الى فخاخ ومصائد للحيوانات".

وأشار نعمة إلى ان "مديرية بيئة ميسان حالها حال باقي مديريات البيئة في عموم العراق، عملها رقابي، وتقوم برفع التقارير والكتب الى الجهات المعنية"، مبيناً ان "الامر برمته عائد الى وزارة النفط وعليها اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تسرب هذه السوائل. واذا كانت هناك ضرورة لوجود هذا التسرب فلا بد من حصرها وتسييج المكان ووضع آلية للحيلولة دون الاضرار بالنظام البيئي والنظام البيولوجي للحيوانات".

ورأى الخبير البيئي، انه "من الضروري اتخاذ تدابير ومحددات بيئية كبيرة وكثيرة جدا للحيلولة دون الاضرار البيئي، والذي اصبح سمة طبيعية وهو الشائع بدلاً ان يكون هو الاستثناء"، مشيراً الى ان "الإضرار بالبيئة هو إضرار بالبيت، واذا ما نظرنا الى البيئة بكونها البيت الذي نعيش فيه والوسط الذي نتحرك داخله، فسوف تتدهور الامور الى اكثر من ذلك بكثير".

وفي مدينة البصرة، يشكو السكان الذين يعيشون بالقرب من المواقع النفطية، من إرتفاع معدل الإصابة بالأمراض السرطانية، وأمراض الجهاز التنفسي والعصبي، مع ندرة توفر الأدوية وفقر الرعاية الصحية في القطاع العام، ما يُجبر المرضى للسفر خارج البلاد مثل: إيران والهند وتركيا والأردن ولبنان، بإنفاق يصل إلى 6 مليون دولار أميركي شهرياً، بحسب تقارير، لتلقي الرعاية الصحية والعلاج.

كارثة بيئية

وحذّر الناشط البيئي مرتضى الجنوبي من تفاقم التلوث البيئي في محافظة ميسان نتيجة ممارسات بعض الشركات النفطية الصينية العاملة في الحقول النفطية هناك، مؤكداً أن هذه الأنشطة خلفت آثاراً مدمرة على الطبيعة.

وقال الجنوبي إن "الشركات تترك مخلفاتها على امتداد الأنابيب الناقلة للنفط، وهو ما يتسبب أحياناً بحدوث تسربات نفطية تخلّف وراءها بقعاً نفطية واسعة".

وبحسب الناشط، فإن "أكثر المناطق المتضررة تتمثل في الطيب والشرهاني والفكة، حيث تبرز بوضوح آثار هذا التلوث على التربة والغطاء النباتي".

وأشار إلى أن "استمرار هذه الممارسات دون رقابة أو محاسبة جادة، قد يؤدي إلى كارثة بيئية تهدد التنوع الحيوي في مناطق تعدّ من الأهم بيئياً وزراعياً في المحافظة".

كما دعا الناشط الجهات المعنية إلى "التحرك العاجل" لإلزام الشركات باتباع معايير السلامة البيئية، والحد من الأضرار الناتجة عن عمليات الاستخراج والنقل".

 مناطق مختلفة التضاريس

من جهته، يدعو الخبير النفطي حسين البحراني، الى الضغط على شركات النفط لتخصيص أموال من ارباحها لانشاء بنى تحتية معنية بتحسين جودة البيئة، مبيناً ان المؤسسات الرسمية، للأسف، تضع البيئة وجودتها في درجات متدنية من الاهتمام.

وقال البحراني لـ"طريق الشعب" ان "الشركات النفطية المنقبة في الآبار من المفترض ان يرافقهم خبراء في مجال البيئة لغرض معالجة ما مطلوب منهم في المنطقة النفطية"، منوها الى ان "كل منطقة استكشافية تختلف عن الاخرى والمعالجات البيئية تختلف ايضا، بحسب التضاريس، فالمنطقة الصحراوية أو شبه الصحراوية تختلف عن مناطق المسطحات المائية او الاستكشافات القريبة من المناطق السكنية، وهذه المناطق تحتاج الى خبراء ومهندسين بالبيئة يشخصون الاحتياج المطلوب للتقليل من الانبعاثات والتأثيرات".

واضاف، انه "بشكل عام، أي اعمال في مجال النفط تؤثر على البيئة بشكل مباشر وتؤثر على صحة واداء واعمال الناس".

 لا تخطيط!

وعن الحاجة لإضافة رقع استكشافية جديدة في مناطق متضررة بيئياً وتعاني شحاً في المياه، قال حسين ان "الدولة دائما ما تتجه الى استخراج النفط في المناطق المستكشفة لغرض زيادة الموارد المالية، والعراق يعيش على مورد النفط ولا يمتلك صناعة أو زراعة، وحتى الجانب السياحي في البلد غير مستثمر رغم وجود مئات المواقع السياحية الحضارية والتاريخية".

وبين انه "للأسف، لا يوجد تخطيط ودراسة لتنشيط باقي القطاعات غير النفطية، وموضوع اضافة رقع استكشافية اسهل عمليا على الحكومة، ولا يحتاج الى الانشغال بالتفكير وتحفيز العقل لتطوير السياحة على سبيل المثال، وتشغيل عشرات آلاف الشباب العاطلين، كما تفعل باقي البلدان، ومنها مصر التي توفر فرص عمل لـ4 ملايين انسان في هذا القطاع".

ولفت الى ان "المسؤولين في العراق يضعون البيئة في المرتبة العاشرة من حيث الأولوية".

ودعا البحراني، الى "فرض اجراءات وضغط على الشركات النفطية، من اجل ان تهتم بالأمور البيئية من خلال انشاء احزمة خضراء ومسطحات مائية ومحطات لتحلية المياه واستخراج المياه الجوفي لغرض سقي المزروعات وتوفيرها في دعم الثروة الحيوانية".

واشار الى ان "الشركات النفطية لديها ارباح بمليارات الدولارات وبالإمكان الضغط عليها لتخصيص مبالغ من ارباحها بمقدار 5 الى 10 بالمئة لتنفيذ مشاريع تهم البيئة، من بينها المدارس والمستشفيات والاحزمة الخضراء والمسطحات المائية والجداول المائية والانهار الصغيرة، وهذه كلها تساعد على تقليل الضرر البيئي على حياة الناس والموقع الجغرافي".

عرض مقالات: