اخر الاخبار

تنص المادة 62 - أولا من الدستور على ان “يقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي إلى مجلس النواب لإقراره“.

هذا النص الدستوري الواضح والصريح تجاهلته الحكومات المتعاقبة منذ 2005 على الاقل، او تلكأت في تنفيذه، فلم تقدم الحسابات الختامية مع مشاريع الموازنات. وشمل هذا التجاهل الآن مشروع موازنة ٢٠٢١، التي قُدمت هي ايضا من دون الحساب الختامي. 

ويذهب بعض التقديرات الى ان حجم الهدر المالي الذي تتحمله البلاد، بسبب عدم تسليم الحسابات الختامية منذ عام  2012 فقط، يزيد على ١٧٦ مليار دولار. 

ولا شك في ضخامة أضرار ذلك. فمجلس النواب يناقش ارقام الموازنة الجديدة، وهي عموما ارقام تخطيطية او تخمينية، من دون ان يرى امامه الأرقام الفعلية للصرف في السنة المالية المنقضية واتجاهاته، وكيف تم ذلك الصرف! وقد برزت هذه الحقيقة ساطعة في الوقت الحاضر، حيث قدر بعض النواب النفقات في سنة ٢٠٢٠ بما لا يتجاوز ٧٢ ترليون دينار، بينما هي في مشروع موازنة ٢٠٢١ مرتفعة الى حدود ١٦٤ ترليونا، من دون توضيح شفاف للسبب في حصول هذا؟ وفي ايّ الأبواب حدثت الزيادات؟  

من جهة اخرى افادت تقارير منشورة ان الحسابات الختامية للأعوام 2008، 2009، 2010 و2011، المُحالة من الحكومة الى مجلس النواب، شابها وفقا لملاحظات ديوان الرقابة المالية، الكثير من الثغرات المالية الجدية، ومن ضمنها – كما ذُكر - عدم تسوية سلف مالية تجاوزت أقيامها 124 تريليون دينار، وما من اوليات تخصها ! 

وعن السنوات اللاحقة بعد ٢٠١١ يذكر د. صلاح خلف، الرئيس السابق لديوان الرقابة المالية، في مقابلة معه نشرتها مجلة “الثقافة الجديدة” (العدد 415 - أيلول٢٠٢٠): 

“بالنسبة للحساب الختامي للسنوات (2012، 2013، 2014) فقد قدم الديوان تقريريه عن الحساب الختامي للسنتين (2012، 2013) إلى مجلس الوزراء في عام 2015، لغرض دراسته وإحالته الى مجلس النواب، ولم يحدث ذلك. كما تم تدقيق الحساب الختامي لسنة 2014 من قبل الديوان في عام 2017 ، ولكن تم التريث بتقديمه إلى مجلس الوزراء بسبب عدم إصدار قانون الموازنة للسنة المذكورة من قبل مجلس النواب، ولغاية الوقت الحاضر”.

اما الحساب الختامي لسنة 2015 فقد قُدمته وزارة المالية إلى الديوان في 22 /12 /2019، ولكن بسبب وجود نواقص فيه فقد أعيد إلى الوزارة بتاريخ 27 /1 /2020.

وقُدم الحساب الختامي لسنة 2016 من قبل وزارة المالية بتاريخ 9 /1 /2020، لكنه أعيد ايضا اليها بتاريخ 12 /3 /2020 لوجود نواقص فيه.

وفِي هذا السياق ذكر مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية د. مظهر محمد صالح في تصريح صحفي، ان “الحسابات الختامية لعام 2013 كان يجب ان تقدم مع العام 2014”، مضيفا ان “موازنة 2014 لم تقدم بسبب المشكلات التي عاشها العراق خلال سيطرة عصابات داعش الارهابية على بعض المحافظات”. واستطرد ان “التصويت على حسابات عامي 2013 و2014 يحتاج الى مشروع (قانون “واقع حال”) يغطي النفقات والمصروفات والادخار الذي يقع خارج قانون الادارة المالية”. وأشار إلى “جهوزية الحسابات الختامية لغاية 2019، فاذا صودق على موازنتي 2013 و2014 فان باقي الموازنات تتقدم بسرعة، لأن كل واحدة تستند الى الأخرى“. 

ان ما تمت الاشارة اليه في أعلاه يبين بوضوح، ان لا حسابات ختامية منجزة ومصادق عليها من قبل مجلس النواب منذ سنة ٢٠١١ حتى يومنا هذا، ما يشكل خرقا فاضحا للدستور.

فهل ينطوي هذا على تقصد وتعمد، للتغطية على سوء التصرف وعلى الهدر الحاصل في المال العام ؟! 

ان استمرار هذا الحال يلقي على عاتق مجلس النواب مسؤولية كبرى لممارسة دوره الرقابي، والتشديد على تقديم الحسابات الختامية، وفي مواعيدها المحددة قانونا. 

فان لم يفعل فهو متواطئ ومشارك في اقتراف هذه الخطيئة!