اخر الاخبار

كنت قد عدت لتوي من الخارج فوجدت المشكلة مازالت قائمة –لم تنفع معها الوساطات والمحكمين لا بل حتى قوة السلطات الحكومية –الكنيف القائم بين منزلنا ومنزل جارنا مازال بؤرة للخلاف . لقد سهت سجلات الطابو ان تحدد ملكية ارض هذا الكنيف وراح كل منا يدعيها لنفسه ويمارس سلطة الحق فيه واول شخص حاول ان يضع حدا فاصلا بين منزلنا ومنزل جارنا هو موثق غريب كانوا يسمونه (المصباح) له يد واحدة ويعتمر قبعة قديمة ربما تعود الى أعوام مضت لا احد يذكر وقيل انه حاول وضع الكنيف بهذا الشكل لكي يبقى الخلاف دوما بيننا وبين جارنا لغرض في نفسه –

أذكر ان منازعات كثيرة كانت تدور بيننا وبين جيراننا تكدر صفو العلاقات بيننا لسنين.  ايام الصفو كانت قصيرة لكنها حلوة فمعها ما ألذ القبل بين امي وبين الجارة ومعها ما الذ الاحاديث بين ابي والجار وما الذ طعم الصداقة بين اولادنا واولاد الجار لكن ما ان تثور مشكلة الكنيف هذا ( وهي تثور غالبا حين تجري محاولة منا او منهم لتنظيفه او حين يعرض طارىء فيذكر او يطرح سؤالا خبيثا حول ملكية هذا الكنيف ) عندها يصير الاشراف منا ومنهم اردياء والبتولات منا ومنهم عاهرات ولا تدري كيف تتغير القناعات بهذه السرعة وتختلف الاحكام.

صباحا نصبت الجارة وبناتها مدفعيتها وراحت تمطرنا بالسباب –احتزمت امي واخواتي بحزام فالمعركة قادمة لاريب وحاولت الرد بالسلاح نفسه.

وقفت بوجه امي صائحا :

عيب أليسوا جيران وحق الجار على الجار – ردت أمي وهي تدفعني قائلة :

اووه كومة حجارة ولا هذه الجارة ، لاتنفع معهم الطيبة.

ورحت اقنع امي واخواتي ان من العار علي ان اسمح لهذه المشاجرة وانا احسب نفسي انسانا مثقفا متعلما –

تخاصرت امي وهي تتحدى : اذن لندع ثقافتك تخلصنا من شتائم ام ----

قبلت التحدي وفتحت باب الدار مواجها الجارة وظننت ان الامر ينتهي ما ان واجهت الجارة العزيزة حتى (عفطت) بوجهي وصاحت : هذه معركة حريم فما دخلك انت يا-

لم تثرني شتيمتها وبقيت ارنو اليها بنظرات العتاب، اغتنمت فرصة خف فيها انفعالها فقلت : يا خالة كل الامور تحل بالتفاهم وكأنني صببت الزيت على النار اذ صرخت : مع ناس مثلكم لا يفيد التفاهم..  قلت لها مابنا نحن ؟

صاحت : انتم انتم اردياء لؤماء حقودون

سالتها معقبا : وانتم ؟

اجابت : نحن الشرفاء الكرام المسامحون

عقبت : ونحن ؟

اجابت : انتم الانذال ناكرو الجميل الجبناء

عقبت بسرعة : وانتم ؟

اجابت : نحن الطيبون الاوفياء الشجعان

عقبت : ونحن ؟

اجابت : انتم المعتدون الظالمون الكفار

عقبت : وانتم؟

قالت : نحن المسالمون المظلومون المؤمنون

كانت قائمة الشتائم والتزكيات تتنوع من فم الجارة كلما واجهتها بسؤالي المقتضب : نحن وانتم – كانت تلهث وتجالد فكرها طويلا وتنفعل وهي تجيبني، وكنت قد ذهبت بلعبتي هذه طويلا حتى سقطت المراة اعياء” وهي تهتف باعياء :

اووه يا لطول بالك..

بعدها حملوها داخل الدار وحين ولجت الدار وجدت امي ايضا وقد سقطت اعياء –

قالوا لي لقد قتلت أمك أيضا،  أذ سددت وراءك الباب فكانت ترد بطريقة الجارة نفسها على اسئلتك وطننت ان المعركة قد حسمت طالما ان المراتين تعبتا من ترديد الشتائم والتزكيات.. الا انني وجد ان المعركة قد اشتد أوارها حين ركنوا المراتين الى الفراش وهما تعانيان من تعب القلب ووجدت نفسي مسؤولا اذ ان ثارا جديدا قد ظهر فقد نسي الطرفان الكنيف وانشغلا بالهم الجديد لقد  حالفنا اقارب واصدقاء كثيرون وحالفهم اقارب واصدقاء –

لقد انهمرت رشقات من الحجارة على دارنا ودار الجار فلم يبق بالمنزلين نافذة او باب سالمين  ساعات متواصلة وسيارة الاسعاف تنقل الجرحى من الطرفين وانا لائذ بزاويتي احاول ان احل لغز هذه المهزلة.

لقد لحق الدمار بالدارين كليهما وتجاورت اسرة الجرحى في المستشفى الا ان لسان الجراح كان تعبا خائرا وربما ساخرا –

لم يكن مدير الناحية الذي يجاور مسكنه مسكنينا يتدخل سابقا في نزاع من هذا النوع الا ان نزاع اليوم قد طال فحرمه نومة القيلولة كما ان قسما من الحجارة قد ناشت بعض زوايا داره وحين حاول ان يعاقب الطرفين لم يمنحه وضعهما الجريح فرصة، ذلك انه وجد لنفسه الراحة والتشفي الا انه فكر بان يحل النزاع لكي لا يثار فيقظ مضجعه او يهدد داره من جديد لذا عمد الى انتخاب لجنة من المحكمين لتسوية النزاع . حضرت اللجنة بعد ايام وراحت تخطط الحد بين الدارين في محاولة منها لتقسيم الكنيف بين منزلنا ومنزل الجار –الا انها عانت وهي تحاول عبثا غرز اعمدة الحد في الارض اذ انها ما ان تغرز عمودا الا وهاجت نتانة لا تطاق.

لقد سقط بعض اعضاء لجنة التحكيم صرعى النتانة وسقط كذلك العديد من العمال الذين استؤجروا لتقسيم الكنيف.

راحت النتانة تنتشر في الجو بين الطرقات والحواري فتسد الهواء على الناس –

فرّ المدير.. فرّ المحكمون.. فر المتنازعون، فرت كل البلدة.

ووجدت النتانة تتسلل الى مخدعي فرحت اركض ورائحة  الكنيف تطاردني وكنت اصرخ واواصل الصراخ كيلا اختنق :

اردموا الكنيف،  اردموا الكنيف.

ولعلكم لن تلحقوا بي حيا – أذ قد تخنقني رائحة الكنيف.

ــــــــــــــــــــــــــــ

* القصة تنشر لأول مرة.

** ورد في لسان العرب، (الكَنِيف) الخَلاء وكله راجع إلى السَّتر، وأَهل العراق يسمون ما أَشرعوا من أَعالي دُورهم كَنِيفاً، واشتقاق اسم الكَنِيف  كأَنه كُنِفَ في أَستر النواحي، والحظيرةُ تسمى كَنِيفاً لأَنها تكنف الإبل أَي تسترها من البرد، فعيل بمعنى فاعل.

عرض مقالات: