اخر الاخبار

في الحادي والثلاثين من آذار لهذا العام تحل الذكرى التسعون لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، وهو بذلك يسجل لحظة مفصلية في التاريخ السياسي الحديث، كحركة سياسية تميزت بالجاذبية والقوة والقدرة على البقاء في ظروف قاسية، اضمحلت في مواجهتها أحزاب وحركات أخرى عاصرتها لكنها لم تكن تمتلك نفس الامتداد والزخم والتجذر والالتزام.

سجل الحزب الشيوعي حضوراً لافتاً على المسرح السياسي الوطني، وكان لاعباً أساسياً في الصراعات التي حددت مصائر العراق منذ أربعينيات القرن الماضي، العقد الذي شهد ارتكاب جريمة إعدام قادته الأوائل، ومن ثم في العقود اللاحقة بكل اضطراباتها ومآسيها، حتى سقوط نظام البعث في عام 2003 وما تلاه.

كانت كلفة البقاء على قيد النشاط عالية ومؤلمة. فقد “اعتاشت” أجهزة الترصد والقمع في الأنظمة المتعاقبة على أجساد أعضائه وأصدقائه، وسفكت دماءهم البريئة بقسوة لا إنسانية انبثقت من صلب التوحش والظلام. لم يكن أولئك المناضلون ضحايا لكوارث طبيعية، بل أهدافاً محددة لمراكز الجريمة والتجسس والقمع المتشبثة بالسلطة، والطامعة بغنائمها ومغرياتها من السحت الحرام.

لم تقتصر “مكرمات” السلطات القمعية على الشيوعيين فقط، بل امتدت لتشمل الحركات الوطنية الأخرى، فكثرت قوافل الشهداء من أركان البلاد الأربعة وفئات المجتمع وطوائفه كافة. لكن أجهزة القمع، التي كانت تفترس الشيوعيين وغيرهم من الوطنيين بدون رحمة من أجل حماية السلطة، بالضد من منطق التاريخ، قذفت بالعراق إلى هاوية الدمار السحيقة، التي انتهت باحتلاله وتمزيق نسيجه الوطني، وفتحت أبواب الفساد والنهب والفوضى وانفلات السلاح والمخدرات والسرقات، ومظاهر اللا دولة، أو ما قبل الدولة المهددة لمستقبل البلاد. ومع كل التضحيات الجسيمة ما زالت معركة تأمين الحريات الراسخة مستمرة، وبرغم ما نشهده من أوجه القصور والانكفاء القريب من اليأس، فإن الوطنية العراقية الجريحة قادرة على النهوض باعتبارها البديل الوطني الأرقى لتحقيق الاستقرار والسلم المنشودين، وفاءً لتضحيات شهداء العراق على مر تاريخه المشرف.

أتقدم بأسمى آيات التقدير والاعتزاز بالحزب الشيوعي العراقي، بمناسبة ذكرى تأسيسه، متمنياً له وللحركة الوطنية العراقية النجاح في الإسهام المباشر في بناء الوطن.

عرض مقالات: