اخر الاخبار

كان لبعض الطلبة الهيتيين ممن ذهبوا للدراسة في بغداد ومدن العراق الأخرى في ثلاثينات القرن العشرين، وعادوا إلى هيت معلمين في مدرستها، وعرفوا فكر الحزب في أثناء دراستهم إثر كبير في نشر أفكاره من خلال ما كانوا يحملونه من أدبيات حزبية، وعن طريق لقاءاتهم مع أبناء المدينة أمثال: عبد الحميد عبد المجيد الهيتي الذي كان من أوائل الهيتيين الذين اعتنقوا الفكر اليساري في مدينة هيت وساعد على نشره هو وزملاؤه شاكر محمود الهيتي، وسطام سبتي الهيتي، ومحمد أمين علي (أمين ملا عليوي)، وسعيد حمد عواد الذين كانوا من أشد الداعين إلى التحرر من الاستعمار ومن الأفكار الرجعية، وقد تأثر بأفكارهم المتنورة والواعية العديد من أبناء المدينة التي صار الفكر اليساري سمة بارزة لها. ولا ينسى دور المعلمين غير الهيتيين من حملة الفكر اليساري الذين علَّموا أبناءَها في مدرسة هيت الابتدائية للبنين.

وزاد نشاط مؤيدي الحزب في هيت بعد وثبة كانون، وبعد احتلال فلسطين سنة1948. وبعد الثورة المصرية سنة 1952 وجد العراقيون، ومنهم الهيتيون أنفسهم في واقع سياسي جديد وأن عليهم أن يناضلوا من أجل حياة حرة كريمة.

ويعد كامل سعد صالح الحياني الهيتي من أوائل الشيوعيين الهيتين الذين انتموا إلى صفوف الحزب، فقد انتمى إليه سنة 1945 عندما كان عسكريا وبسبب نشاطه حكم عليه بالحبس لمدة ثلاث سنوات استنادا لأحكام الفقرة أ من 3 من المادة 89 مع جلده خمس عشرة جلدة على وفق أحكام الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون العقوبات البغدادي.

 ومن الشخصيات الهيتية التي عملت في صفوف الحزب الشيوعي خارج مدينة هيت قبل 14 تموز 1958 المحامي رؤوف سالم، وثابت شعبان الناصر، وعبد الحافظ تركي، وعبد الرحيم عبد الوهاب الذي اعتقل وسجن أكثر من مرة لمواقفه السياسية ومعارضته نظام الحكم، والذي كان صلة الوصل بين قيادة الحزب في بغداد وبين التنظيم في هيت، إذ كان ينقل أدبيات الحزب ومنشوراته بعزيمة المناضل.

لقد كان لجهود هؤلاء المثقفين من أبناء مدينة هيت، ولجهود بعض المدرسين في متوسطة هيت ممن درَّسوا فيها، ومنهم المدرس أحمد أسعد عبد الكريم شقيق الفنانة زينب (فخرية أسعد عبد الكريم)، والمدرس عدنان محمد أمين دور بارز في نشر أفكار الحزب بين المثقفين والطلبة والعمال الهيتيين في بداية خمسينات القرن العشري.

وكان فكر الحزب الشيوعي في هيت قبل ثورة 14 تموز منتشراً بين المعلمين بصورة رئيسه، كونهم يمثلون الطبقة المثقفة في المدينة، ثم بدأ ينتشر بين العمال والطلبة والشبيبة، وبعد أن كَثُرَت أعدادهم، تشكلت خلايا الحزب ولجان المنظمات الطلابية والشبابية ذات الصلة الوثيقة بالحزب. وكانت أدبيات الحزب ومنشوراته تصلهم من بغداد بواسطة عبد الحافظ تركي الرجا.

وعندما وقع انقلاب 8 شباط1963 بلغ عدد الموقوفين من الشيوعين وأصدقائهم 65 موقوفاً. كما صدرت قائمة لإيقاف 20 طالباً من طلبة ثانوية هيت، ولكن غضب المدينة أوقف هذا القرار. وقد وضع المعتقلون في موقف مركز شرطة.

وبعد أن لملم الحزب جراحه ودب النشاط في منظماته من جديد بدأت الصلة الرسمية بالحزب عن طريق عبد الحميد برتو الذي كان في أثناء تلك المدة أحد قيادي التنظيم الطلابي في جامعة بغداد إلى جانب العمل لمساعدة أعضاء الحزب في هيت؛ فقد حقق أول اتصال مع لجنة التنظيم المركزية.

في سنة 1971اعتقل ذاكر محمود عبد المنعم المؤذني (1945 - 1971) من قبل مديرية أمن الأنبار عندما كان موظفا في دائرة صحة الرمادي بعد نقله من هيت وتم إعدامه في السنة ذاتها، وكان شيوعيا نشطا وشاعرا متمكنا وصديقاً حميمياً لسبتي جمعة الهيتي.

لقد سبق إعلان الجبهة الوطنية التقدمية التي أعلن عنها في 16 تموز 1973 والتي تشكلت في عام 1974 وجود بعض الخلايا المنظمة في  هيت . وقد تم توقيف عدد من المنتمين اليها بعد الانتخابات الطلابية  1969-1970، وبسبب الملاحقات والاعتقالات والتضييق انحسر نشاط الحزب في هيت  وبقي التنظيم قائما في (جُبّه).

وهذا لا يعني أنه لم يكن من أبناء المدينة شيوعي مُنظَّم في المدة التي سبقت الإعلان عن قيام الجبهة، إذ كان عدد من أبناء المدينة من العاملين خارجها، ومن الطلبة الذين يدرسون في الكليات والمعاهد قد انتموا إلى الحزب، وكانوا في مدة تواجدهم في هيت يطرحون أفكاره ومبادئه في جلساتهم الخاصة، بل أن بعضهم كان يوزع منشورات الحزب سراً على أصدقائه، وينشط باشكال مختلفة ويسعى الى إعادة التنظيم .  

 نشط  عدد من طلبة ثانوية هيت في صفوف  اتحاد الطلبة العام ، وبعد ازدياد أعداد الطلبة المنتمين إلى الاتحاد تم تنظيمهم على شكل  حلقات ولكل حلقة  مسؤول عن قيادتها وإيصال المنشورات والأدبيات الخاصة بالاتحاد.      

في عام 1974  اعيد تشكيل  أولى الخلايا الحزبية في هيت، وكانت مرتبطة باللجنة الحزبية في (جبّه)، وفي عام 1975تشكلت في المدينة لجنة قاعدة لقيادة التنظيم في هيت.

وفي خلال المدة من 1974- 1976 نشط التنظيم في هيت ولا سيما بعد افتتاح مقر للجنة المحلية للحزب في مدينة الرمادي، إذ انتمى إلى الحزب عدد كبير من الطلبة والشباب والكادحين، وعاد للعمل الحزبي بعض الشيوعين الرواد في المدينة، وفي هذه المدة انتمى العديد من الطلبة المنتمين إلى اتحاد الطلبة العام إلى الحزب الشيوعي وعملوا في صفوفه بصفة أصدقاء ومرشحين للعضوية.

وبعد انهيار الجبهة  بدأت حملة إبادة ثانية للشيوعيين، وفيها فقدَ الحزب معظم كوادره الوسطى وقاعدته، بإعدام بعضهم وسجن بعضهم الآخر، وأجبر من بقي منهم في الداخل بالتوقيع على تعهد خطي بعدم العمل في الحزب الشيوعي، أو أي حزب آخر، واجبروا على الانتماء إلى حزب البعث تحت مسمى (النشاط الوطني) وبهذا  انحسر  التنظيم الشيوعي  في هيت،  وفي محافظة الأنبار.

وبالرغم من هذه الإجراءات والمطاردات المستمرة والبحث عن الشيوعيين وأصدقائهم من قبل النظام الحاكم، قامت مجموعة من طلبة إعدادية هيت من الشيوعيين وأصدقائهم بمحاولة إعادة تنظيم الحزب ولكن هذه المحاولة لم تنجح إذ تم اكتشافها، وقدم من ألقى القبض عليه من أعضاء هذه المجموعة إلى محكمة الثورة التي أصدرت عليهم أحكاما مختلفة.

وفي منتصف الثمانينات حاول بعض الشيوعيين، بإعادة التنظيم في هيت، وبالفعل استطاع الارتباط بتنظيم الحزب في بغداد وكان التنظيم سريا، والعمل فيه بحذر، كون أغلبهم كانوا عسكرين ومحظور عليهم العمل في أي تنظيم حزبي غير حزب البعث.

لم يستمر عمل هذه المجموعة طويلاً، فقد استطاعت الأجهزة الأمنية اختراقها، وكشف بعض عناصرها، وتم اعتقالهم، وحكم على بعضهم بالإعدام وعلى البعض الأخر بالسجن المؤقت والمؤبد، وقد أطلق سراح هؤلاء بموجب قانون العفو العام.

والتحق إسماعيل يوسف زايد العبيدي في صفوف قوات الأنصار الشيوعيين التي كانت تقاتل في كوردستان واستشهد في إحدى المعارك (، كما التحق إلى صفوف قوات الأنصار كاتب حسين شاهين العبيدي.

وبعد أن افتتح الحزب الشيوعي مقره الرئيس في بغداد بعد احتلال العراق عام 2003، وإصدار جريدة الحزب المركزية (طريق الشعب) بصورة علنية، وإصدار مجلة (الثقافة الجديدة)، نشط الحزب في العراق كافة وفي هيت خاصة، إذ أعيد ارتباط الكثير من أعضائه الذين استقالوا أو أجبروا على الاستقالة من الحزب للعمل في صفوفه في مدينة هيت، فضلاً عن انتماء العديد من الطلبة والكادحين الشباب ممن كانوا مؤيدين لأفكاره.

 وفي يوم الجمعة الموافق 13 آذار 2009 تم افتتاح مقر منظمة هيت للحزب الشيوعي العراقي، وجرى بهذه المناسبة احتفال حاشد على قاعة نقابة المعلمين حضره عدد من المسؤولين وممثلي بعض القوى ووجهاء المدينة.

ومارس الحزب نشاطه الجماهيري في المدينة عبر منظمتي  اتحاد الطلبة العام  واتحاد الشبيبة الديمقراطي، فضلاً عن تشكيل الخلايا الحزبية، ودعا أعضاءَه وأصدقاءَه إلى المشاركة في الانتخابات التي جرت بعد 2003.

 لقد كان للشيوعيين الهيتيين دور متميز وفاعل في تعزيز الأمن والسلم المجتمعي، والتصدي لتنظيم القاعدة، ومن ثم تنظيم داعش. وتمييز دورهم في إقامة العديد من الفعاليات الجماهيرية الثقافية والرياضية والاجتماعية، والمشاركة في أغلب النشاطات التي تخدم المدينة.

وإذ أني اكتب اليوم عن مسيرة الحزب الشيوعي في هيت لابد أن استذكر بعض شهدائه من أبناء مدينة هيت  الذين اعدموا بتهمة الانتماء إلى الحزب الشيوعي ومن هؤلاء:

  1. المهندس باسم محمد فرحان علي المؤذني. أعدم عام 1982وكان عمره 28 سنة.
  2. بشير حسن شاهين العبيدي (جبّه). أعدم عام 1983 وكان عمره 44 سنة.
  3. رافع عبد السلام عبد العزيز الكحاح أعدم عام 1983وكان عمره 27 سنة.
  4. سبع خميس سلطان هندي العقيلي. أعدم سنة 1982 وكان عمره 25 سنة.
  5. صلاح كريم مهاوش العبيدي. (جبّه).
  6. الملازم الأول عامر سلطان هندي العقيلي. أعدم عام 1977 وكان عمره 28 سنة.
  7. فاضل حسين علي ناصر المشهداني. أعدم عام 1986 وكان عمره 34 سنة.
عرض مقالات: