اخر الاخبار

 أعلنت وزارة الصحة الأسبوع الماضي، تسجيل اكثر من مليون و47 الف حالة ولادة خلال 2023 في عموم محافظات العراق، بما فيها محافظات اقليم كردستان، بواقع 535 الف ولادة من الذكور و 511 من الاناث.

ويؤكد اختصاصيون أن ارتفاع أعداد المواليد أصبح “خطراً متعدد الأوجه”، مشددين على ضرورة أن تتخذ الحكومة إجراءات لاستيعاب هذه الزيادة السكانية الكبيرة، مع أهمية فرض تحديد النسل في ظل انفجار سكاني مرعب يحمل في طياته مخاطر اقتصادية واجتماعية وأمنية.

وبحسب تقديرات وزارة التخطيط فإن عدد سكان العراق وصل عام 2023 إلى 43 مليوناً و224 ألف نسمة، بنسبة 50.5 في المائة من الذكور، و49.5 في المائة من الإناث. ورغم أن الولادات ما زالت مرتفعة، إلا ان معدلات الخصوبة انخفضت من نحو 6 أطفال إلى 4 أطفال لكل امرأة مقارنة بالسنوات الماضية. كذلك تراجعت نسبة النمو السنوية للسكان من 3.3 في المائة قبل 10 سنوات إلى 2.5 في المائة.

 زيادة طبيعية!

في حديث صحفي، يقول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي أن “الزيادة السكانية في البلاد، والبالغة 2.5 في المائة سنويا، طبيعية ولا تمثل تضخماً أو انفجاراً سكانياً، لكن بحكم التراكم بالتأكيد ان الأرقام تزداد بشكل مستمر. فالمجتمع دائماً في حالة نمو”.

وعن آخر تطورات إجراء التعداد العام للسكان والمساكن، يقول الهنداوي، ان “الاستعدادات متواصلة لاستكمال كل متطلبات إجراء التعداد السكاني في 20 تشرين الثاني القادم. وهذا يتضمن مجموعة مراحل تعمل الوزارة على إنجازها في توقيتاتها الزمنية المحددة”.

وأول مرحلة - بحسب الهنداوي - ستكون تعدادا تجريبيا تجريه كوادر الوزارة في النصف الثاني من أيار المقبل، ويشمل عموم المحافظات، مضيفا ان “التعداد العام سيجرى من قبل المعلمين والمدرسين، وهؤلاء تصل أعدادهم إلى 120 ألفا، وسيتم تدريبهم خلال العطلة الصيفية، ثم تبدأ مرحلة الحصر والترقيم التي تمثل العمود الفقري للتعداد وصولاً إلى موعد تنفيذه”.

 أزمة سكانية وإنسانية

ورغم تطمينات وزارة التخطيط بأن الزيادة السكانية طبيعية، إلا ان الباحثة الاجتماعية أمل الكبايشي تؤكد أن “ارتفاع مستويات النسل تقود إلى انفجار سكاني قريب، وفي ظل عدم وجود بنية تحتية جيدة ووضع اقتصادي يتحمل هذا الانفجار السكاني، ستكون البلاد أمام أزمة سكانية وإنسانية خلال السنوات المقبلة”.

وتوضح في حديث صحفي أن “معدلات الولادة بدأت تأخذ منحنيات متصاعدة منذ نحو عقدين، ورغم الجهود الحكومية الرامية إلى تنظيم النسل وإصدار عدد من السياسات بهذا الخصوص، منها سياسة تباعد الأحمال وحثّ الأسر على تنظيم النسل، إلا انه لم تتم السيطرة على زيادة الولادات، نظرا لعدم اكتمال تلك الجهود”.  وتؤكد أن “السيطرة على نسب زيادة الولادات تحتاج إلى وعي مجتمعي، وإلى خدمات الصحة الإنجابية ومراكز صحية متخصصة في تقديم هذه الخدمات، إلى جانب رؤية حكومية حقيقية في شأن تنظيم الأسرة”.

 خطر متعدد الأوجه

ويتفق الباحث الاقتصادي عمر الحلبوسي مع ما ذهبت إليه أمل الكبايشي حول خطورة ارتفاع أعداد المواليد. ويقول ان “الزيادة السكانية الكبيرة تفرض تحديات بالغة الخطورة أمام العراق في ظل اقتصاد ريعي أحادي متطرف، وتعطيل القطاعات الإنتاجية، مع ترهل في الوظائف الحكومية وقلّة الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص. فكل ذلك يجعل البلاد تواجه مخاطر كبيرة، خصوصاً مع زيادة عدد العاطلين عن العمل وارتفاع نسبة الفقر إلى 40 في المائة وتنامي هذه النسبة كلما ازداد الوضع الاقتصادي تدهوراً”.

ويضيف في حديث صحفي قائلا أن “كل ذلك يشكل خطورة اقتصادية واجتماعية وحتى أمنية، في ظل غياب الرؤية الحكومية الاقتصادية التي يمكن أن تنشط القطاعات الإنتاجية بالشكل الذي يستوعب العاطلين عن العمل ويخلق وظائف جديدة، وفي ظل استمرار عرقلة عمل القطاعات الإنتاجية من قبل التدخلات الخارجية التي تريد أن يبقى العراق سوقاً لتصريف بضائعها”. ويحذّر الحلبوسي من أن “ارتفاع أعداد المواليد سنوياً أصبح خطراً متعدد الأوجه، ويجب على الحكومة أن تعمل جاهدة على وضع الحلول اللازمة لاستيعاب هذا العدد الهائل، مع ضرورة فرض تحديد النسل في ظل انفجار سكاني مرعب يحمل في طياته مخاطر اقتصادية واجتماعية وأمنية ستفرض أعباءً تجعل العراق يعاني سنوات عديدة مقبلة”.

ويلفت إلى ان “الحكومة ترتكب خطأ كبيراً من خلال هدر المال العام في مشاريع غير إنتاجية، تستخدم كدعاية سياسية في ظل احتياج العراق الفعلي للمشاريع الإنتاجية”!

ويرى ان “الحل يكمن في تنشيط القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والاستثمار في القطاع الخاص من أجل تنويع مصادر إيرادات الدولة وتعزيزها، والخروج من ضيق الاقتصاد الريعي إلى رحاب آفاق الاقتصاد متعدد الإيرادات، والذي سيكون الحل الأمثل لانتشال العراق من أزماته الحالية والمستقبلية، وخلق مستقل أفضل للأجيال الناشئة والقادمة”.

ويتابع الحلبوسي قائلا: “كذلك يجب البدء باحتواء العاطلين عن العمل في فرص عمل في القطاع الخاص، وفي ظل قانون يضمن حقوق العاملين ويخفف العبء عن الدولة. ويجب أيضا إعداد خطط لخلق فرص عمل متعددة للأجيال المقبلة، لكي يتجنب العراق الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي. أما إذا أغفلت الحكومة عن ذلك فإن المخاطر الناجمة عن زيادة أعداد المواليد سنوياً مع المخاطر الأخرى، سوف تؤدي إلى انهيار لا يُحمد عقباه”!