اخر الاخبار

لبرنامج «يحدث في العراق»:

 

يواصل برنامج “يحدث في العراق” الذي يقدمه المركز الإعلامي للحزب الشيوعي العراقي، ضمن موسمه الثاني، عقد لقاءات تفاعلية مساء كل سبت، على منصة الحزب الشيوعي الرسمية في “فيسبوك”، حول تداعيات التفجيرات الاجرامية التي طالت الابرياء في ساحة الطيران، وما تلاها من احداث في محافظة صلاح الدين. وخصصت حلقة السبت الماضي لملف “الامن.. أولوية المواطن، وضحية التراخي والصراع السياسي”، والتي ضيّفت نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الرفيق مفيد الجزائري، على مدى ساعة حوارية، قدمها الصحفي سيف زهير.

هجمات داعش الاخيرة عززت مشاعر الخوف لدى الناس

المركز: من المستفيد من عودة الخوف والعمليات الارهابية الى الشارع بعد مرور فترة طويلة، شهدنا فيها تحسنا في الجانب الامني، وبالتزامن مع التحضير للانتخابات؟

الجزائري: لا اعتقد ان الخوف كان غائبا في الفترة الماضية. نعم، مرت فترة معينة خاصة بعد الضربات العسكرية التي تلقاها “داعش”، والتي كسرته عسكريا. ورغم غيابه الى حد كبير لكن الخوف لم يغب؛ فالأوضاع غير مستقرة في البلد. الشعور بعدم الامان ازداد في الفترة الماضية. ويبقى السؤال: هل يشعر الانسان العراقي بالامان في الوقت الذي لم تتوقف فيه حوادث عديدة، من تجاوزات على الناس واعتداءات واختطاف. الشعور بالتوتر باقٍ، بسبب كل هذا. هل اطلق صراح المختطفين رغم كل الوعود؟ هل تم الكشف عن قتلة المتظاهرين ومحاسبتهم؟ هل غابت فوضى السلاح عن الشارع؟ هل تحقق الشعار والمطلب الملح “حصر السلاح بيد الدولة”؟.. والكثير من مظاهر عدم التقيد بالقوانين. وهناك الكثير من الاحداث التي تعكس ممارسة فعلية لأخذ القانون باليد، بدل الدولة. كل هذا لا يشيع الاطمئنان، لذلك الخوف موجود في الفترة الماضية، وتعزز بعد اعتداءات داعش الاخيرة.

وكما اشرتم فأن الاحداث ترتبط بالاستعداد للانتخابات، والقوى المتنفذة الان تشعر بخوف حقيقي من اجراء الانتخابات، وهم يعرفون ان الناس ما عادت تطيقهم وترفضهم وهم خائفون من ان تجري الانتخابات ويتم التصويت ضدهم. وهذه مسألة كبيرة بالنسبة للمتنفذين، لذلك نراهم يسعون لتأجيلها او نشر الشعور بالخوف بين الناس، حتى اذا جرت الانتخابات، فعلا، يجعلون الناس يشعرون بالخوف، وعدم الذهاب الى مراكز الاقتراع.

المركز: اثر الصراع السياسي اصبح ملموسا على المشهد الامني. وللحزب الشيوعي بيانات ومواقف رسمية بهذا الخصوص، نتمنى ان تعرفنا إلى تلك المواقف؟

الجزائري: موقف الحزب من هذه المسألة، مسألة الصراع بين القوى المتنفذة، التي نرى انها دائما هي المؤثرة على الاوضاع الامنية. كل من يريد ان يفسد الاوضاع الامنية كان يدخل من هذا الجانب، حتى بعد جريمة ساحة الطيران، عاد الكثير من المحللين الى مسألة الصراع بين القوى السياسية المتنفذة. وهذا كله يتعلق بمسألة سيطرة وتحكّم القوى المتنفذة والصراع من اجل ان لا تفقد تحكمها وتسلطها على الجو السياسي بشكل عام.

الحزب الشيوعي وفي مناسبات مختلفة أشر هذه الحقيقة، وحذر منها ومن عواقبها، سواء في بيانات اللجنة المركزية او تصريحات المكتب السياسي او افتتاحيات جريدة “طريق الشعب” او اعمدة المحرر السياسي. دائما كان هناك تأكيد على ضرورة ان يوضع حد لهذا التدافع والتنافس غير المشروع، من اجل المصالح الخاصة لهذه القوى المتنفذة، والتي لا تؤدي الا الى تهيئة الاجواء لكل من يريدون ايذاء بلدنا وشعبنا، واضافة مزيد من الاشكاليات في البلد. هذا شيء واضح ومؤكد. ومن يعود الى وثائق حزبنا يجدها تعبر عن هذا الموقف.

التدخلات الخارجية تهدد وجود البلد ومصيره

المركز: في خصوص الصراع الدولي وانعكاساته على المشهد العراقي، هل فعلا هذا الصراع وهذه التدخلات تلعب هذا الدور  كما يشار  أم ان العلة تكمن في المشهد العراقي ذاته؟

الجزائري: بالتأكيد، التأثيرات الخارجية كبيرة جدا، ولا يمكن انكار هذا. الجميع يعترف بتلك التأثيرات، لكن يبقى الوضع في الداخل اساسيا. مواقف القوى المتنفذة وتشبثها بمنهج المحاصصة والطائفية السياسية، كل هذا يهيّئ الاجواء لكل هذا التطور الخطير، بالنسبة لبلدنا، لواقعه وحاضره ومستقبله. هذا الصراع بين القوى السياسية المتنفذة المتحكمة والمتسلطة، تستغله القوى الخارجية. ونحن نعلم ان اطرافا من بين القوى المتنفذة تستعين بالقوى الاجنبية في صراعاتها مع القوى السياسية الاخرى، لتأمين نجاحهم وفوزهم بالصراع مع الاطراف السياسية الاخرى، حتى لو حل بالبلد ما حل. والبلد اليوم وصل الى ما وصل اليه. النفوذ الخارجي يعتمد كثيرا على الواقع الداخلي. هل القوى السياسية تعمل على الاستقلال والسيادة والدفاع عن مصالح شعبها ام انها تنظر الى مصالحها الخاصة ومستعدة ان تفرط باستقلال البلد وكرامته وحقوق ابنائه؟ ما نلاحظه ان الاوضاع الداخلية المتردية بفعل سياسات ونهج المحاصصة الطائفية وطغيان الفساد عمليا، توفر الاجواء المناسبة للتدخلات الخارجية، وهي ليست تدخلات بسيطة في الامور الجانبية او الهامشية، بل هي في الصميم. هي تهدد وجود البلد ومستقبله ومصيره.

لا يمكن فصل الفساد عن الارهاب

المركز: يعتقد الكثيرون ان الفساد عامل اساسي ورئيسي في قضية استمرار الارهاب والخروقات الامنية؟

الجزائري: الفساد هو الجانب الاساسي في كل هذه اللوحة المحزنة بالنسبة لأوضاعنا. من جانب نتحدث عن المحاصصة الطائفية والنشاط الارهابي والسلاح المنفلت والقوى المنفلتة بممارستها، والتي تتصرف بالطريقة التي تراها هي انها الطريقة السليمة والصحيحة، وهي في الحقيقة بعيدة عن منطق الولاء للدولة، وان تأخذ سياسة الدولة بنظر الاعتبار وتنفذها. يأتي الفساد ويضيف عنصرا اساسيا اخر في هذه اللوحة، ويسهل ربط كل هذه العناصر وتعشيقها الى حد كبير، وجعلها مؤثرة وتأثيرها يكون مضاعفا. الفساد لا يمكن فصله عن كل هذه الاجواء، وادامة هذا الوضع الخطر من دون مواجهته لن يمكّن من تأمين الامن والطمأنينة التي يحتاجها البلد والناس، خاصة في هذه الفترة التي نتوجه فيها الى العملية الانتخابية المبكرة كما يفترض.

المركز: التأكيد اليوم على ان الملف الامني مسؤولية مشتركة، وليس على عاتق الحكومة وحدها. وايضا للبرلمان دور في ذلك وتحديدا في الجانب الامني لا بد ان يكون العمل تكاملياً، لكن في الحقيقة اليوم نشهد تضاربات في التصريحات وتناقضات وعشوائية واضحة؟

الجزائري: البرلمان يتحمل مسؤولية كبرى، وهو الساحة التي تمارس القوى المتنفذة فيها سطوتها؛ تعاقب من ناحية، وتكافئ من ناحية أخرى، الاطراف التي في السلطة التنفيذية. لذلك نرى ان مجلس النواب لا يمارس الدور الرقابي والدور التشريعي الصحيح والسليم، الذي يفترض ان يقوم به، حتى في المجال الامني. بمعنى دعم خطوات الحكومة اذا كانت هناك خطوات للحكومة تضمن تعزيز الوضع الامني وتخليصه من جوانبه السلبية وتطوير الايجابيات.

عدم الانسجام بين القوات الامنية يضعف من قدراتها

المركز: هل تعتقدون ان حجم الخروقات يتناقض مع اعداد القوات الامنية، ويتناقض ايضا مع التخصيصات المالية الكبيرة التي ترصد لها؟

الجزائري: ان ما كرّس من امكانيات الدولة وموارد مكّن هذه القوات من ان تضم الى صفوفها اعدادا ضخمة حقا. لكن هناك مشكلة بما يتعلق بالجانب الامني؛ هناك تعدد في المراكز المعنية في الموضوع الامني، وهناك مؤسسات عديدة وهذه المؤسسات للاسف ليس بينها انسجام وتعاون وتنسيق ووحدة عمل، للنهوض بالمهمات، التي تكلف بها تجاه الارهاب او تجاه شتى النشاطات الاجرامية. وهذا يضعف من قدرات القوى والمؤسسات الامنية. من جانب اخر هناك نوع من التنافس غير البناء والمؤذي، والذي يؤدي في النهاية الى قضية الافادة من المعلومات الامنية في العمل المشترك ضد الارهاب والمؤثرات السلبية على الاجواء الامنية في البلد، اضافة الى تأثيرات القوى السياسية المتنفذة في المؤسسات الامنية. للاسف الشديد هذه اذا لم تعالج فالواقع الامني لن يتحسن. وكل هذا مرتبط بأجواء المحاصصة الطائفية والقومية وهي اساس البلاء في البلد. الفساد لا يزال يجري على قدم وساق بأقبح اشكاله، ومستمر في الدوائر والعقود والنشاطات الاقتصادية المختلفة، رغم كل الحديث عن تشكيل لجنة هنا وفريق هناك لمحاربة الفساد. وتدارك هذا الامر ضروري جدا لبدء مرحلة جديدة في البلد، وتداركها مهم جدا لاجراء الانتخابات على اساس ان تكون انتخابات نزيهة ونظيفة وديمقراطية وبعيدة عن كل مظاهر الفساد والتدخلات والتلاعبات.

لا يوجد جهد حقيقي للتخلص من المحاصصة

المركز: في الفترة الماضية رصدنا عمليات أمنية في اكثر من مكان حققت نجاحا، واطاحت برؤوس كبيرة. تعتقدون ان هذا النجاح الامني مبشر للارتقاء بالجانب الامني بشكل أفضل؟

الجزائري: في الحقيقة نأمل ذلك، لكن للاسف الشديد تظل تلك الاخبار قليلة، وتأتي بأوقات متباعدة. نحن نأمل ان تتحول الى واقع يومي، وهذا لا يتحقق اذا لم يتم تدارك ما أشرت له من اجواء تسود حاليا في المؤسسات الامنية، كما تسود في كل مؤسسات الدولة. على سبيل المثال قضية الفضائيين التي يعاني منها الوسط الامني، كما تعاني منها المجالات الاخرى، كل هذا مرتبط بواقع الفساد الذي تقف خلفه القوى المتحاصصة والمتشبثة بالسلطة. المحاصصة تعتبر مشكلة اساسية يجب التخلص منها، لكن ليس هناك جهد حقيقي لذلك، هناك من جرت محاسبتهم او صدرت أحكام بحقهم، لكن لم نشهد الى الان محاسبة حوت واحد حقيقي من حيتان الفساد، ووقف امام المحكمة وحوسب وحوكم وعوقب. هذه قضية كبيرة جدا، نعلم ان هناك من يبذلون جهودا في هذا الاتجاه، لكن لا تزال جهودا غير موفقة.

ندعو دائما الى بناء القوات الامنية على اسس الولاء للوطن

المركز: كيف يلخص الحزب الشيوعي العراقي شروط ومستلزمات الارتقاء بمستوى المؤسسات الامنية والعسكرية؟

الجزائري: الحزب طرح اكثر من مرة هذه المسألة. وأكد ضرورة إعادة بناء القوى الامنية والعسكرية على أسس مختلفة وجديدة، أسس الوطنية والنزاهة والكفاءة، والابتعاد عن المحاصصات ، كما في المجالات الاخرى. إنْ لم يعَد تشكيل وتأسيس القوى والتشكيلات الامنية على هذه الاسس السليمة الصحيحة، أسس مصلحة الوطن قبل كل شيء، واختيار العناصر النظيفة القادرة على ان تنهض بهذه المهمة، وتتوافر على صفات العفة ونظافة اليد والاخلاص للبلد والاخلاص لسياسة الدولة والعمل بروح سياسة الدولة المعتمدة، بعيدا عن التأثيرات من خارج المؤسسة الامنية والحكومية عموما، وبعيدا عن نفوذ الاطراف السياسية التي تحاول ان تؤثر وتدفع باتجاهات تخدم مصالحها.. يصعب الحديث عن تغيير في الواقع الامني، وجعل الملف الامني ملفا يخدم مصلحة البلد ومصلحة الشعب، ومصلحة اقامة عراق ديمقراطي، ودولة مدنية تقوم على العدالة الاجتماعية.