اخر الاخبار

طريق الشعب

أقدم وأعرق صحيفة صدرت في العراق ولم تكف عن الصدور. 

عددها الاول صدر باسم "كفاح الشعب" في 31 تموز/يوليو 1935، وقد حملت صفحتها الاولى شعار المطرقة والمنجل وعبارة "ياعمال العالم اتحدوا". 

انها صحيفة الحزب الشيوعي العراقي الذي كان قد تأسس قبل ذلك بسنة واحدة، في 31 آذار/مارس 1934.

وتبعا لتعدد مراحل نشاط الحزب ونضاله، وتنوع المهمات التي كان يركز عليها في كل مرحلة، تغيرت التسميات التي حملتها. 

فهي "كفاح الشعب" في مرحلة الوعي والنضال الوطنيين المتناميين ضد الاستعمار ومن اجل الاستقلال الناجز والحرية والديمقراطية والحكم البرلماني وحقوق العمال والفلاحين والمرأة وحقوق الشعب الكردي.

وهي "الشرارة" (1940) في مرحلة العمل على "نشر أهداف الحزب والتعريف به والتركيز على كيفية تطوير حركة العمال ونشر الوعي الطبقي بينهم والدعوة إلى تنظيم جهود هذه الطبقة الإجتماعية".

واعتبارا من 1943، ومع الاهتمام المتزايد بالتنظيم وبناء المنظمات الحزبية الجماهيرية، حملت اسم "القاعدة". وبعد 13 عاما (سنة 1956) بدأت الصدور باسم "اتحاد الشعب" ارتباطا بانطلاق العمل لاسقاط النظام الملكي - الرجعي وتحرير البلاد من الهيمنة الاستعمارية.  

وغداة اغلاق الاخيرة سنة 1961 من قبل حكومة عبد الكريم قاسم، صدرت الجريدة سرا باسمها الحالي "طريق الشعب" .

وكانت فترة السنتين ونصف السنة تقريبا، التي صدرت فيها "اتحاد الشعب" علنا بعد ثورة 14 تموز 1958، نادرة حتى ذلك الحين في مسيرة الجريدة منذ ولادتها. فهي شأن ناشرها الحزب الشيوعي الممنوع والمضطهد والمرغم على العمل سرا، كانت بمختلف اسمائها ممنوعة ايضا ومجبرة على الصدور بشكل سري. 

وكان هذا شأن "طريق الشعب" ايضا، التي بقيت تصدر سرا منذ البداية في 1961 حتى اتيح لها النشر العلني سنة 1973 في ثاني سابقة من نوعها بالنسبة الى صحيفة (وصحافة) الحزب الشيوعي العراقي، منذ الصدور الاول سنة 1935. 

فلم يقتصر المنع والملاحقة منذ البداية، ثم خاصة منذ النصف الاول لعقد الاربعينات على صحيفة الحزب  المركزية، بغض النظر عن اسمها، بل شمل الصحف الاخرى التي بدأت تصدر آنذاك عن الحزب، مباشرة او بشكل غير مباشر، مع تنامي نشاطه واتساع رقاع عمله وامتدادها الى ارجاء البلاد المختلفة والى القوميات (الكردية، الارمنية، التركمانية) والفئات الاجتماعية المتنوعة (العمال، الفلاحين، النساء، الطلبة، الشبيبة، المثقفين، العسكريين، السجناء السياسيين). فكانت كلها الا ما ندر مجبرة على الصدور بشكل سري. ولئن اتيح لبعضها الصدور علنا، فلغفلة عابرة من طرف السلطات الحاكمة ولفترات قصيرة جدا.

وفي ظروف السرية الشديدة، والملاحقات البوليسية المتواصلة، والشحة المالية البالغة، لم يكن ممكنا لهذه الصحف، وبضمنها المركزية، ان تصدر بشكل لائق ورقاً وطباعة وحجماً وإخراجاً. لكنها كانت على الدوام متقدمة في مضامينها، متفوقة في معالجاتها على الصحافة العلنية المدعومة حكوميا، معبرة بأمانة عن مطالب الشعب ومطامحه ومصالحه، لصيقة حقا وصدقا بنبض الناس والشارع.

وفي ظروف العلنية المحدودة (1959 – 1961 و1973 – 1979) اتسمت "طريق الشعب" وقبلها "اتحاد الشعب" بتقدمهما حتى على صعيد الشكل والاخراج والتحرير. وارتقت الاولى في السبعينات الى مستوى مدرسة صحفية متميزة، اسست للعديد من طرائق العمل الصحفي العراقي وتقاليده الجديدة، وخرّجت الكثير من الصحفيين والكتاب العراقيين المرموقين.

وتميزت "طريق الشعب" شأن سابقاتها وعموم المنابر الاعلامية الشيوعية العراقية، على امتداد مسيرتها حتى سنة 2003 ، السرية (59 سنة) منها والعلنية (9 سنوات) ، بالنضال البطولي لصحفييها وعامة العاملين فيها، ضد الانظمة الرجعية الحاكمة والممارسات القمعية لسلطاتها.. ولم يكن ذلك بالكلمة والكتابة وحدهما. يشهد على ذلك الصف الطويل من شهدائها الابرار، كتابا ومحررين ومراسلين ومصممين وفنانين آخرين وطباعين وشغيلة عاديين، الذين ارخصوا ارواحهم في سوح الكفاح الوطني والديمقراطي والتقدمي، خصوصا غداة انقلاب 1963 الاسود، وتحت حكم صدام حسين الدموي.

ولم تسترجع "طريق الشعب" اسوة بوسائل الاعلام العراقية الاخرى، حقها في الحرية والصدور العلني غير المقيد تقريبا، الا بعد انهيار النظام الدكتاتوري في نيسان 2003 ، والا - للمفارقة – بعد ان ادخل الغزاة الامريكان العراق في نفق لا يقل ظلاما، وصل اليوم حد تهديد وجوده كدولة. 

طيلة 85 سنة انقضت منذ صدورها الاول، لم تفتقد "طريق الشعب" وبقية منابر الاعلام الشيوعي العراقي، مغزى وجودها كصوت نافذ وفيّ للشعب والوطن ولقضيتهما العادلة، ولم تضيّع بوصلة مسارها الثابت  نحو مستقبلهما الافضل.

وها هي اليوم، امام قرائها، على العهد باقية.