المراجعة لمن؟ مراجعة المواقف من أجل تطويرها ومغادرة حالة الثبات، إذ أن الديناميكية بوابة التطور والاستاتيكية مغارة السكون والركود... بعضهم يدخل هذه وغيره يدخل تلك، انت تختار بوابتك لتراجع او تعلن ثباتك، الثبات أحد أعراض المرض وربما الفناء. والمراجعة مواجهة مع الذات وعقلها ومتبنياتها ومراجعة ونقد هذا العقل ومتبنياته.
المراجعة لحظة وعي واعتراف، والبحث عن سبل جديدة للنجاح لمغادرة لحظة الخلل والفشل، النكران لا يوصلنا إلى نتيجة بل هي عملية قفز على الواقع وتجاهل لحقائقه السياسية والاجتماعية والثقافية. الاندكاك بالواقع هي الصيغة المثلى للتأثير فيه وقيادته وليس التعالي عليه.
الآن نحن نعيش لحظة المراجعة الحتمية التي لابد منها، والمراجعة هنا لا تعني هجاء الذات بل لابد من مواجهتها والاعتراف بمواطن الخلل واكتشاف علل الفشل وأسبابه لا بطريقة فضح الذات بل من أجل تجاوزها إلى الأمام.
وهنا تصبح عملية فحص البيئة الداخلية بجميع انساقها القانونية والسياسية والاجتماعية وكيف استطاع النظام غلقها عليه وتحويلها إلى لعبة غير قابلة للمشاركة من قبل معارضيه، فكان منطق الاستحواذ وإعادة إنتاج السلطة هو المتحكم دون إعطاء فرصة مهما كانت بساطتها لأي آخر معارض مهما صغر او كبر حجمه او تأثيره، فكان بالمرصاد لأية قوة تغيير أو مشروع إصلاحي منذ لحظات ولادته الأولى وذلك من خلال آليات الاحتواء او التخريب من الداخل من خلال اختراق الصف المدني. كما مارس هذا النظام بث روح التأييس وتثبيط الهمم او التشويه والقتل الرمزي للمشروع او قادته وحاملي رايته.
بيئة الانتخابات كانت تشير إلى ان النتائج لا يمكن ان تكون لصالح المعارضة نظرا للنظام الانتخابي الذي فصل على مقاس النخب الحاكمة، فضلا عن قانون الاحزاب الذي تم تجاهله مع اشارته الواضحة والتي حرمت مشاركة الاحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة بالانتخابات، واستثمار السلطة والنفوذ واستخدام مقدرات الدولة والمال السياسي في الدعاية الانتخابية الذي لم يتح فرص متكافئة للمنافسة بين من يمتلك المليارات ومن لا يمتلك. إذ استثمرت أموال طائلة في بيع وشراء اصوات الناخبين وبشكل علني في ظل غياب رقابة الاجهزة المختصة. وقد تم استغلال حاجة الناس وتفشي الفقر والبطالة، فكانت الوعود بالتعينات وإيجاد فرص عمل لهم او لأبنائهم.
في الختام نستطيع ان نختصر واقع الاحزاب المدنية وجمهورها الذي يعيش انقسامات حادة، مع غياب الخطاب السياسي الواضح والموحد، كما أن أغلب المدنيين مقاطعين للانتخابات ليأسهم من التغيير وهذا المتبنى النفسي والاجتماعي لا يقتصر على المدنيين بل يمتد إلى شرائح واسعة من المجتمع وبخاصة كما يمكن ان نسميهم الطبقة الوسطى الذين يعدون أدوات التغيير وحاملي مشروعة.. كذلك نستطيع ان نرصد انقساما مجتمعيا واضحا وعلى اساس اثني استجابة لخطاب الاحزاب الطائفية التي تعمل على اساس التخندق الطائفي فهو رأسمالها الوحيد في التعبئة والتحشيد، فكانت الانتخابات مكوناتية وليست سياسية او حزبية على أساس البرامج.. هذا شيعي وذاك سني وغيره كردي.. من أنت؟..المال السياسي ..استغلال النفوذ في مؤسسات الدولة ..وعود المتنفذين.
فشل التيارات المدنية في الانتخابات جاء نتيجة هيمنة الأحزاب التقليدية على الدولة وضعف تنظيم المدنيين وقلة إمكاناتهم وعدم امتلاكهم قاعدة جماهيرية راسخة مع عزوف جمهورهم عن التصويت وتعرضهم للتشويه السياسي والإعلامي إضافة إلى قانون انتخابي يخدم القوى المتنفذة وانقسام المدنيين فيما بينهم وعدم قدرتهم على تقديم خطاب شعبي مباشر وفقدان الناس الثقة بأي قوة لا تملك نفوذاً يحمي أصواتهم مما جعل حضورهم الانتخابي محدوداً للغاية.
انقسام بعض الاحزاب المدنية وتشتتها وهذا ما رصدته في أكبر الاحزاب وهو نموذجها التنظيمي، وابرها شعبية واقصد الحزب الشيوعي اذ ان الكثير من اعضائه بل بعض كوادره رافضه لمشاركته في الانتخابات، بل مناهضة للمشاركة وأشدهم اولئك الذين غادروا صفوف التنظيم اذ كانوا معاول هدم لتوجهات الحزب، وقد عجز الحزب عن إعادتهم إلى صفوفه للأسف.
هذا هي لأسباب لذلك علينا العمل على معالجتها بشكل صحيح وانشاء لجنة تعمل على دراسة الأسباب بشكل واقعي وعلمي والعمل على تفكيكها.
لمعالجة كل هذا نحن بحاجة إلى ندوات موسعة لمناقشة مجمل ما طرح لإيجاد أرضية من توحيد التوجهات والاهداف واليات العمل. في الختام اقول نحن بحاجة ان نكون أكثر جرأة على ذاتنا في النقد والصراحة لتصحيح المسرات.