اخر الاخبار

يشهد العراق منذ سنوات أزمة مائية متصاعدة تتقاطع فيها عوامل طبيعية وبشرية: تغيّر المناخ، وانخفاض الإيرادات النهرية من دول المنبع، وضعف الإطلاقات المائية، إلى جانب سوء الإدارة المؤسسية وتدهور البنية التحتية. هذه الأزمة تحولت إلى تهديد مركب، فهي بيئية واجتماعية، لكنها أيضًا قانونية وسياسية، إذ يضمن الدستور العراقي حق المواطنين في الموارد الطبيعية والعيش الكريم، غير أن الفجوة بين النصوص والواقع جعلت المشهد المائي هشًّا إلى درجة الانهيار. وتشير الدراسات الميدانية إلى أن محافظة ذي قار من أكثر المناطق المتأثرة بهذا التدهور، بفعل اعتمادها التاريخي على الأهوار والجداول المائية كمورد للرزق والاستقرار.

النائب عارف الحمامي أكد في حديثه  اعلامي لوكالة محلية ، أن “معدلات نفوق الثروة السمكية في محافظة ذي قار تجاوزت الخطوط الحمراء لأول مرة منذ سنوات طويلة، في ظل أزمة مائية حادة تضرب جميع مناطق المحافظة”. هذا التصريح يضع الأزمة في إطار غير مسبوق، حيث لم يعد الجفاف حالة عابرة بل واقعًا متكرّرًا يهدد الحياة البيئية والاجتماعية. تؤكد تحليلات قانونية معمقة أن مثل هذا النفوق يعكس إخلالًا واضحًا بحقوق بيئية ترتبط مباشرة بالحق في الأمن الغذائي والعيش الكريم.

وقال الحمامي، إن “الأرياف والأهوار هي الأكثر تضرراً، مع تسجيل أكثر من 30 منطقة في حالة حرجة للغاية نتيجة تداعيات الجفاف، ما أدى إلى نفوق نحو 80% من الثروة السمكية في الجداول والأهوار”. هذا الرقم الكبير يوضح أن الجفاف وضعف الإطلاقات المائية أوصلا الأهوار إلى مرحلة الانهيار، وحوّلا الأزمة من قضية بيئية إلى مأساة معيشية تهدد الاستقرار الاجتماعي في جنوب العراق. وتشير قراءات بحثية متخصصة إلى أن تراجع مساحات الأهوار وارتفاع الملوحة في المياه جعلا بقاء الأسماك مستحيلاً، ما يفسر حجم الكارثة التي تتكرر بشكل متصاعد كل موسم.

وأضاف الحمامي أن “الوضع المائي في ذي قار حرج للغاية ويحتاج إلى قراءة مختلفة وزيادة الإطلاقات المائية لمواجهة هذه الكارثة البيئية، التي أثارت قلق الرأي العام وتسببت في حالات نزوح واضحة في العديد من المناطق”. هذه الدعوة تكشف أن ضعف الإطلاقات الحالية يمثّل لبّ الأزمة، فالمياه التي تصل إلى ذي قار لم تعد تكفي لا لتغذية الأهوار ولا لتأمين احتياجات الزراعة. وفق تقديرات سياسية-اقتصادية متقاطعة، فإن استمرار ضعف الإطلاقات سيفاقم النزوح من الأهوار ويضغط على المدن، بما يفتح الباب أمام تداعيات أمنية وخدمية.

تشير تقارير بيئية متخصصة إلى أن نوعية المياه في ذي قار تشهد تراجعًا خطيرًا في المعايير الأساسية، مع تسجيل نسب عالية من الملوحة والملوثات. كما انكمشت مساحات الأهوار إلى أقل من 25% في بعض المناطق، ما أفقد الأسماك بيئتها الطبيعية. تسجّل التجارب التاريخية أن كل موجة جفاف في الجنوب رافقها نزوح جماعي من الأهوار إلى المدن، وهو ما يتكرر اليوم بشكل أوضح نتيجة ضعف الإطلاقات المائية.

إدارة المياه في العراق ما تزال تعاني من تضارب الصلاحيات بين الوزارات والحكومات المحلية، وهو ما يضعف فعالية الاستجابة. يذهب خبراء القانون الدستوري إلى القول إن غياب التشريعات المكملة للمادة الدستورية الخاصة بالثروات الطبيعية جعل موارد المياه عرضة للتنازع بدلًا من أن تكون مجالًا للتخطيط الموحد. سياسيًا، فإن نفوق 80% من الثروة السمكية في الأهوار قد يتحول إلى ورقة احتجاجية، خصوصًا أن المجتمعات المحلية ترى أن الدولة لم توفّر الحماية الكافية لموردها الأساسي.

ما تشهده ذي قار اليوم يتجاوز نفوق الأسماك إلى كونه إنذارًا بانهيار شامل للنظام البيئي والاجتماعي. تصريحات النائب الحمامي تؤكد أن الجفاف وضعف الإطلاقات المائية دفعا المحافظة إلى حافة أزمة مركبة، من الأهوار والجداول إلى موجات النزوح القسري. الاستجابة الفعّالة لم تعد خيارًا مؤجّلًا، بل ضرورة وجودية تبدأ بزيادة الإطلاقات المائية، مرورًا بإصلاح شبكات الري، ومعالجة التلوث، وانتهاءً بإشراك المجتمعات المحلية في القرار. فالأزمة لم تعد تقنية بل قضية دستورية وسياسية تمس استقرار المجتمع والدولة على حد سواء.