ينبغي فورا إلغاء التعديل غير القانوني وغير الدستوري لقانون الأحوال الشخصية
(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية الجديدة في العراق، التي أقرها البرلمان في 27 أغسطس/آب، تُميّز ضد النساء لصالح الرجال في مسائل الزواج، والطلاق، والميراث، وحضانة الأطفال ورعايتهم.
صاغت المرجعيات الدينية المدونة عقب تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي أقر في فبراير/شباط 2025. يسمح التعديل للأزواج الذين يُبرمون عقد زواج باختيار ما إذا كان قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 أو المدونة التي وضعتها "مدرسة الفقه الإسلامي الشيعي الجعفري"، هو الذي يحكم زواجهم، وطلاقهم، وحضانة الأطفال ورعايتهم، والميراث.
قالت سارة صنبر، باحثة العراق في هيومن رايتس ووتش: "مدونة الأحوال الشخصية الجديدة تُرسخ التمييز ضد النساء، وتحطّ من شأنهن قانونيا ليصبحن مواطنات من الدرجة الثانية. كما تسلب النساء والفتيات حقهن في تقرير مصيرهن وتمنحه للرجال. ينبغي إلغاء هذه المدونة فورا".
تتضمن المدونة أحكاما عدة تقوّض حقوقا اكتسبتها النساء بشق الأنفس. مثلا، تنص المدونة على ما يلي:
- السماح للزوج بتحويل عقد زواجه ليخضع لأحكام المدونة بدلا من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 دون موافقة زوجته أو علمها.
- السماح للزوج بتطليق زوجته دون إخطارها أو الحصول على موافقتها.
- نقل مسؤولية حضانة الأطفال تلقائيا إلى الأب بعد سن 7 سنوات، بغض النظر عن مصلحة الطفل الفضلى.
- السماح للزوجة بأن تنص في عقد الزواج على عدم جواز تعدد الزوجات أو الطلاق دون موافقتها، لكن إذا خالف الزوج هذه الالتزامات، يظل الزواج/الطلاق ساريا، "وإن كان آثما شرعا".
قال قاضٍ في بغداد لـ هيومن رايتس ووتش إن المدونة تتعارض مع العديد من الأحكام القانونية في النظام القضائي العراقي. أضاف: "سُنَّت معظم القوانين في إطار مفهوم المواطنة، في حين أن المدونة لا تعترف بذلك".
بدلا من ذلك، تمنح المدونة حقوقا للعراقيين على أساس دينهم، وليس مواطنتهم، في انتهاك للمادة 14 من الدستور، التي تضمن الحق في المساواة أمام القانون. قال القاضي: "بموجب قانون الأحوال الشخصية، ترث الزوجة عقارات وممتلكات زوجها. في المقابل، تحرم المدونة الزوجات من الميراث. وفقا لأحكامها، لا ترث الزوجة [الشيعية] الجعفرية، في حين ترث الزوجة [السنية] الحنفية. وهذا يخلق عدم مساواة أمام القانون".
قال القاضي إن المدونة تنتهك أيضا المادة 88 من الدستور، التي تضمن استقلال القضاء، "بجعل القضاء تابعا للإمام [المرجعية الدينية الشيعية]".
أضاف القاضي: "تتكون المدونة من 337 مادة، معظمها مُكرّس للتمييز ضد النساء والفتيات، ما يضعهن في مرتبة أدنى. المدونة أبوية بوضوح ومنحازة إلى الهيمنة الذكورية، وهو ما يفسر لماذا يُفضلها بعض الأزواج على قانون الأحوال الشخصية".
عندما عُرضت تعديلات قانون الأحوال الشخصية لأول مرة على البرلمان في أغسطس/آب 2024، قوبلت بمعارضة عامة واسعة وغضب من منظمات حقوق المرأة. نتيجة للحملة الدؤوبة من هذا المنظمات، ألغيت بعض الأحكام الأكثر ضررا في التعديل الأصلي، بما فيها تلك التي من شأنها خفض السن الدنيا لزواج الفتيات إلى 9 سنوات.
تواصل منظمات حقوق المرأة حاليا الاحتجاج على المدونة والضغط من أجل إلغائها.
قالت المؤسِسة المشاركة لـ "تحالف أمان النسوي" نادية محمود لـ هيومن رايتس ووتش: "كمنظمات نسائية، نحن نعارض المدونة برمتها ونطالب البرلمان بإلغائها. تعكس هذه المدونة آراء الأحزاب الإسلامية حول حقوق المرأة ومكانتها في الأسرة والمجتمع. توضح المدونة أنهم لا يعتبرون المرأة مساوية للرجل، بل تابعة له، ومسؤولة عن تلبية جميع رغباته".
قالت صنبر: "المشاكل التي خلقتها مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية ليست قضايا نسائية فحسب، بل قضايا عراقية. ما لم تُلغَ المدونة، ستولّد مشاكل اجتماعية تدوم لسنوات وأجيال قادمة".
حالة غزل ح.
في 11 سبتمبر/أيلول 2025، بعد 10 سنوات على طلاقها، تلقت غزال ح. استدعاء من المحكمة يُبلغها بأن زوجها السابق قد رفع دعوى قضائية لتطبيق مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية بأثر رجعي على عقد زواجهما وإنهاء وصايتها على ابنهما البالغ من العمر 10 سنوات. قالت إنه فعل ذلك دون علمها أو موافقتها.
قالت غزل ح. لـ هيومن رايتس ووتش: "من غير المقبول أن يتزوج شخص بموجب قانون يحمي حقوق النساء والأطفال، ثم، بعد أكثر من عشر سنوات، يتلاعب بالقانون لسلب تلك الحقوق".
قالت غزل إن زوجها أصبح عنيفا بعد زواجهما بفترة وجيزة، ونتيجة ضربها، أجهضت حملها الأول. في 2015، بعد ولادة طفلهما الأول بفترة وجيزة، اكتشفت غزل أنه يخونها، وازدادت حدة العنف.
قالت غزل: "بدأ يهددني بالطلاق ما لم أخفض المؤخَّر من 100 مليون دينار عراقي (76 ألف دولار أمريكي) إلى 10 ملايين دينار عراقي (7,600 دولار). في البداية، رفضت، لكنني وافقت في النهاية على تخفيضه إلى 50 مليون دينار عراقي (38,100 دولار) لأنني أردت الحفاظ على عائلتي وحماية طفلي الوليد".
أضافت غزل لـ هيومن رايتس ووتش: "في 16 أغسطس/آب 2015، بعد خلاف حول علاقته الغرامية، اعتدى [زوجي السابق] عليّ بوحشية، وضربني بكعب مسدسه على رأسي وكل جسدي. أصبت بكدمات وجروح خطيرة، بما فيها كسر في الضلع، وكسر في الجمجمة أثّر على عصب أذني، وجروح متعددة".
بعد هذا الحادث، قدمت غزال شكوى عنف أسري ضد زوجها. أحيلت القضية إلى محكمة الجنح، التي أدانته بالاعتداء العمد وحكمت عليه بالسَّجن أربعة أشهر.
بينما يحظر الدستور العراقي صراحة "كل أشكال العنف والتعسف"، فإن إقليم كردستان العراق هو الوحيد الذي لديه قانون بشأن العنف الأسري. مشروع قانون مناهضة العنف الأسري عالق في البرلمان العراقي منذ 2019. بدلا من ذلك، تمنح المادة 41(1) من قانون العقوبات العراقي الزوج السلطة القانونية لـ "تأديب" زوجته، والوالدين لتأديب أطفالهم "في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا أو عرفا". ينص قانون العقوبات على تخفيف العقوبات على الأفعال العنيفة، بما في ذلك القتل، "لبواعث شريفة" أو ضبط الزوجة أو قريبة من الجنس الآخر في حالة الزنا أو ممارسة الجنس خارج الزواج.
في ديسمبر/كانون الأول 2015، منحت محكمة في بغداد غزل الطلاق، لكنها خفضت مهرها المؤجل من 50 مليون دينار عراقي (38,100 دولار) إلى 25 مليون دينار عراقي (19,500 دولار) بحجة أن غزل "ألحقت ضررا بزوجها" برفعها دعوى عنف أسري ضده.
قالت غزل إنها منذ أن تلقت إخطارا بنقل عقد زواجها إلى مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية في سبتمبر/أيلول، تعيش في خوف دائم من أن يُؤخذ ابنها منها.
قالت أيضا: "كيف يمكن أن يُمنح أب، مدان في قضية جنائية تتعلق بالعنف الأسري، الحق في حضانة طفل من أمه التي ضحت بكل شيء من أجله؟ فتحت المدونة الجديدة ثغرة تسمح له باستغلال النظام، على الرغم من أن زواجنا تم بموجب القانون 188".