قال الخبير الاقتصادي منار العبيدي، إن نسبة ديون العراق الداخلية بحدود 39% تعتبر أدنى من النسبة الحرجة التي تحددها العديد من دول العالم عند 50%، إذا ما تم مقارنتها بالناتج المحلي للبلاد البالغ نحو 230 تريليون دينار، لكنه يحذر من خطورته لأن الناتج المحلي العراقي يعتمد على النفط الذي يشكل 65% منه، ما يعني أن انخفاض أسعار النفط سيفاقم خطورة الديون، منوهاً إلى نسبة الفائدة التي تبلغ 10% وهي نسبة مرتفعة ترهق الموازنة العامة بنفقات إضافية وفقاً العبيدي الذي أشار إلى غياب التوظيف الاستثماري للدين، إذ يضعف نمو القطاعات غير النفطية التي يحتاجها الاقتصاد لتحقيق التنويع، لافتاً إلى أن ارتفاع الديون الداخلية ينعكس سلباً على القطاع الخاص، نتيجة انكماش فرص التمويل، وعلى سلامة واستدامة الجهاز المصرفي.
لماذا القلق من الدين الداخلي؟
شهدت الأيام الماضية تداولاً واسعاً في الإعلام حول ملف الدين الداخلي ومقداره، ما أثار تساؤلات مشروعة حول ما إذا كان هذا الدين يشكل خطراً فعلياً على الاقتصاد الوطني، وما طبيعة هذا الخطر إن وجد.
ولكي نفهم الصورة بدقة، لا بد من تحليل الموضوع من عدة زوايا مترابطة:
أولاً: حجم الدين نسبة إلى الناتج المحلي
تكمن خطورة الدين الداخلي ليس في قيمته المطلقة، بل في نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي. ووفقاً لبيانات هيئة الإحصاء، يبلغ الناتج المحلي للعراق نحو 230 تريليون دينار، ما يجعل نسبة الدين الداخلي إلى الناتج بحدود 39% وهي نسبة أدنى من النسبة الحرجة التي تحددها العديد من الدول عند 50%.
لكن القلق هنا يأتي من تركيبة الناتج المحلي نفسه، إذ إن أكثر من 65% منه يعتمد على القطاع النفطي. وفي حال انخفاض أسعار النفط، سينكمش الناتج الكلي، ما يرفع نسبة الدين إلى الناتج حتى لو بقي حجم الدين ثابتاً، وهذا ما يفاقم مستوى الخطورة.
ثانياً: كلفة الفائدة العالية
أحد أبرز التحديات هو ارتفاع الفائدة على أدوات الدين الداخلي. فالسندات الأخيرة طرحت بفائدة سنوية تقارب 10%، وهي نسبة مرتفعة من شأنها أن ترهق الموازنة العامة بنفقات إضافية، خصوصاً في حال تراجع الإيرادات النفطية. ومع مرور الوقت، قد تجد الحكومة نفسها أمام عبء تمويلي يصعب الاستمرار في تحمّله.
ثالثاً: الأثر الانكماشي على النشاط الاقتصادي
تمثل السندات الحكومية أداة من أدوات السياسة الانكماشية، فعندما تلجأ الدولة إلى الاقتراض من المصارف بفوائد مرتفعة، تقل شهية هذه المصارف على تمويل المشاريع الإنتاجية. وهذا يعني أن القطاع الخاص سيتأثر سلباً نتيجة انكماش فرص التمويل، ما يحد من قدرته على المساهمة في النمو الاقتصادي.
رابعاً: غياب التوظيف الاستثماري للدين
لا تعد الديون الداخلية مشكلة بحد ذاتها إذا تم توجيهها نحو مشاريع استراتيجية وخدمية تخلق قيمة مضافة وفرص عمل. لكن عندما تستخدم لتغطية العجز التشغيلي فقط، فإنها تتحول إلى عبء يعيق قدرة الدولة على زيادة إنفاقها الاستثماري، وبالتالي تضعف نمو القطاعات غير النفطية التي يحتاجها الاقتصاد لتحقيق التنويع.
خامساً: تأثير الدين الحكومي على الجهاز المصرفي
ارتفعت الديون الحكومية بنسبة 116% خلال سنة لتصل إلى 13% من إجمالي موجودات الجهاز المصرفي بعد أن كانت لا تتجاوز 6% في عام 2024. هذا التوسع السريع يخلق مخاطر على سلامة واستدامة الجهاز المصرفي، إذ يزيد من انكشافه على المخاطر السيادية ويحد من مرونته في تمويل الأنشطة الاقتصادية الأخرى.
إن القلق من الدين الداخلي لا يرتبط بحجمه فقط، بل بطبيعة استخدامه وبنيته وكلفته وتأثيره في مجمل البيئة الاقتصادية. لذلك، فإن إدارة الدين الداخلي تتطلب رؤية شاملة تأخذ بنظر الاعتبار هذه العوامل مجتمعة قبل الإقدام على أي توسّع جديد فيه.