العربي الجديد
شهد العراق خلال الساعات الماضية تبدلات لافتة وغير مسبوقة في مواقف زعماء وقادة الأحزاب الشيعية والفصائل المسلحة، إزاء ملف "حصر السلاح في يد الدولة"، إذ أعلنت قيادات وازنة في التحالف الحاكم "الإطار التنسيقي"، أهمية تنفيذ الخطوة، والمضي بتشكيل الحكومة. وأعقب ذلك تصريحات لقادة فصائل مسلحة وممثليها، انتهجت الخطاب ذاته بإعلان تأييدها الخطوة، كان أبرزها زعيم جماعة "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، وزعيم جماعة "أنصار الله الأوفياء"، حيدر الغراوي، وزعيم جماعة "كتائب الإمام علي"، شبل الزيدي، و"كتائب سيد الشهداء"، على لسان المتحدث باسمها كاظم الفرطوسي، الذي قال إنهم "منسجمون مع دعوات حصر السلاح في يد الدولة".
هذه التصريحات غير المسبوقة تزامنت مع تبنٍّ رسمي من قبل قادة "الإطار التنسيقي" لقضية "حصر السلاح بيد الدولة"، وجاءت أولى التصريحات من قبل رئيسي الوزراء السابقين نوري المالكي وحيدر العبادي، وأخيراً عمّار الحكيم، أول من أمس السبت. ودعا الحكيم إلى حصر السلاح بيد الدولة، مشدداً على عدم استخدامه أداة للضغط على صنّاع القرار في البلاد. وقال الحكيم، في كلمة له من بغداد، إنّ "السلاح ينبغي أن يكون بيد الدولة، اتساقاً مع الدستور، بإرادة العراقيين وأحزابهم، وليس بإملاءات خارجية".
توصلت شخصيات مهمة داخل التحالف، إلى أن المرحلة الحالية هي الأخطر على مستقبل العراق واقتصاده
ضغوط أميركية على العراق
زيادة الضغوط الأميركية على بغداد حيال الفصائل المسلحة ورفض التعامل مع حكومة عراقية تحوي تمثيلاً لتلك الفصائل أو حليفة لها، هي أبرز أسباب الخطاب الجديد الذي ينتظر الكثير من التوضيحات لآليات التنفيذ، وخصوصاً أن الخطاب السياسي والفصائلي في العراق، يحاول التفريق بين الفصائل من جهة، والحشد الشعبي من جهة أخرى، بوصفه هيئة مرتبطة بالحكومة وباتت، قانوناً، أحدَ أجهزة الأمن، لكن واشنطن لا ترى ذلك أيضاً.
مسؤول عراقي بارز في بغداد، وقيادي في التحالف الحاكم، قالا لـ"العربي الجديد"، إن الإدارة الأميركية، أبلغت قادة الإطار التنسيقي بشكل واضح، رفضها التعامل مع أي حكومة مقبلة فيها تمثيل للفصائل المسلحة الحليفة لإيران، خصوصاً تلك التي شاركت في شنّ هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة، على مواقع أميركية وأخرى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ووفقاً للمسؤول العراقي، وهو مستشار في وزارة الخارجية ببغداد، فإن الجانب الأميركي "معني بخيار نزع السلاح وتفكيك هذه الفصائل، مع قبول انخراطهم بالعملية السياسية، وترك مستقبلهم للانتخابات ورغبة الشارع". وأوضح أن "أكثر من مسؤول أميركي أبلغوا قيادات التحالف الحاكم والحكومة الحالية، أن واشنطن لن تتعاون مع الحكومة المقبلة إن حوت تمثيلاً للفصائل المسلحة، بعد فوزها بنحو 90 مقعداً برلمانياً"، مضيفاً أن "استمرار موازنة الدعم المالي المقدمة للجيش وجهاز مكافحة الإرهاب، منوط بنوع الحكومة التي ستُشكَّل".
هذه المعلومات أكدها قيادي في "الإطار التنسيقي"، عن كتلة "بدر" التي يتزعمها هادي العامري، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إن "الأميركيين يريدون حلّ الفصائل المسلحة المتورطة بتبني خطاب معادٍ لهم"، وفقاً لتعبيره. وأضاف أنّ "من غير المعلوم ما إذا كانت واشنطن تقصد الحشد الشعبي نفسه، أو فصائل بعينها، لكن الضغط تناول ترسانة الفصائل من الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى والطيران المسيّر". وتحدث عن تهديدات إسرائيلية بقصف مقدرات الفصائل التي شاركت بقصف مواقع للاحتلال في الجولان المحتل ومواقع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأكد القيادي أن اجتماعاً جرى خلال الأيام الماضية، جمع أربع أهم شخصيات داخل التحالف، وتوصلوا إلى أن المرحلة الحالية هي الأخطر على مستقبل العراق واقتصاده، واتُّفِق على بدء مرحلة التهيئة لحصر السلاح في يد الدولة، وتحديداً من الجماعات والفصائل المسلحة التي تحمل عنوان المقاومة". وقال أيضاً إن "الفصائل التي ستسلّم سلاحها هي التي تمتلك أجنحة سياسية، لكن فصيلاً مثل "حركة النجباء" قد لا يسلّم سلاحه، ما يعني أنه قد يكون في مواجهة مع قوى خارجية".
علماً أن القيادي في "النجباء"، المعاون العسكري للحركة، عبد القادر الكربلائي، أكد في بيان، مساء السبت، أن "استمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق يُعدّ انتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية"، مشدداً على رفضه "المماطلة في تنفيذ اتفاق سحب القوات الأجنبية". وأضاف البيان أن "بقاء القوات الأميركية يحصل رغم المطالبات الرسمية والشعبية بالمغادرة، والولايات المتحدة تتدخّل باستمرار في الشؤون الداخلية للعراق، بما في ذلك الدعم والتسليح لجماعات مسلحة تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد"، مشيراً إلى أن "الاحتلال يشكّل مبرراً لمواصلة المقاومة المشروعة"، معتبراً إياها "حقاً تكفله الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، وهذا الموقف يستمد شرعيته من كرامة الشعب العراقي".
ولفت القيادي في "الإطار"، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الضغوط الأميركية الأخيرة والتهديدات لم تكن إعلامية أو ترويعية للفصائل، بل هي تهديدات جدّية، وأن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، خلال اجتماعاته الأخيرة مع أكثر من طرف أميركي، أبلغ بصورة رسمية أن احتمال المواجهة الأميركية مع الفصائل العراقية قد تحدث في أي وقت، وخصوصاً في ظلّ إدارة الرئيس دونالد ترامب التي تريد أن تفرض السلام بالقوة ومهما كلّف الأمر، والسوداني نقل هذه الرسائل بصورة واضحة إلى قادة تحالف الإطار"، مستكملاً حديثه بأن "قادة الفصائل يعملون حالياً على تهيئة جماهيرهم إلى مرحلة عملية، قد تتخلى فيها بعض الفصائل عن سلاحها والانشغال نحو تقوية نفوذها داخل الدولة العراقية".
إلى ذلك، قال مصدر آخر، قريب من أحد الفصائل التي دخلت على خطّ الرغبة في التحول إلى العمل السياسي، إن "الحشد الشعبي كيان حكومي"، وأن الفصائل "إن اتجهت نحو تسليم سلاحها، فإن عليها أن تتخلى عن تمثيلها العسكري داخل الحشد الشعبي، والاكتفاء بالتمثيل السياسي، وهذه فكرة عدد من قادة الإطار". وبيّن المصدر لـ"العربي الجديد"، أن "البرلمان المقبل سيُناقش مسألة دمج الحشد ضمن قانون جديد يحمل اسم قانون الأمن الداخلي، والتخلي عن القانون السابق الذي كان اسمه قانون الحشد الشعبي".
وما يؤكد ذلك، أن كلاً من "كتائب حزب الله"، و"النجباء"، أصدرت بياناً مخالفاً بالمرة، حيث أعلنتا رفضهما تسليم السلاح، منتقدتين بشكل ضمني القوى التي أعلنت ذلك، ومعتبرتين أن مسّببات حمل السلاح ما زالت موجودة وهي القوات الأميركية الموجودة في العراق، وكذلك قوات حلف شمال الأطلسي، إلى جانب الوجود التركي شمالي العراق، بحسب بيانات رسمية صدرت عن الجانبين الأكثر فاعلية في المشهد الفصائلي العراقي والأقرب لإيران.