اخر الاخبار

للمرة الثالثة عشرة نلتقي في معرض الفنون التشكيلية العراقية، الذي نقيمه كل سنة عمليا منذ عام 2009 على شرف ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي في 31 آذار 1934.

فباستثناء سنتي تفشي وباء كورونا 2020 و2021 حرصنا على الاحتفاء سنويا مع حلول هذه الذكرى بفنوننا التشكيلية، وبمبدعيها من الرسامين والنحاتين والخزافين وغيرهم، الذين ظلوا اوفياء لإرث من سبقوهم من الرواد واجيال الفنانين اللاحقة، واستمروا في السير على خطاهم .. وهم اليوم يواصلون النفخ في مجامر الابداع التشكيلي المتنوع، ويرفدون حركتنا الفنية وثقافتنا العراقيتين دون انقطاع، بالجديد الجميل من الاعمال الفنية المميزة، التي يجد كثير منها طريقه الى قاعات العرض في بغداد والمحافظات الاخرى، ومنها هذه القاعة الاوسع في بغداد، التي تحتضن معرضنا اليوم.

وفي مفتتح احتفالنا بإقامة معرض السنة الحالية هذا، نتوجه بالتحية والشكرالى هؤلاء الاحبّة المبدعين والمبدعات، مقدرين لطف استجابتهم الى دعوتنا للمشاركة في المعرض، ومجيأهم باعمالهم لتـأخذ مكانها في القاعة بجانب نتاجات المشاركين الآخرين من زملائهم.

في غضون دقائق سنجتاز بوابة المعرض، لنجد انفسنا وسط فيض الالوان والخطوط والاشكال والتكوينات الجميلة، الذي يغمر القاعة مُجسَّدا في 46 لوحة فنية و18 عملا نحتيا و6 اعمال خزفية، هي من نتاجات حوالي 70 فنانة وفنانا تشكيليا معظمهم بغداديون، لكن بينهم من جاءوا من محافظات اخرى في الجنوب والوسط والشمال، بل ومن اقليم كردستان ايضا وحتى من عراقيي الخارج.

وفيما نعرب عن يقيننا انكم ستتمتعون بالتجوال بين هذه الاعمال الفنية المتنوعة، وفي تأملها واستكشاف الجمالات المختبئة بين ثناياها، فان الانصاف يقتضي منا ان نشير الى الاوضاع الصعبة التي يعيش فيها ويعمل منتجوها من فنانينا التشكيليين، والتي اجبرت البعض منهم وللاسف حتى على التخلي عن النشاط الفني تماما، لينصرفوا الى اعمال ومهن اخرى تؤمّن لهم ولأسرهم متطلبات العيش والبقاء.

فمن المفارقات ان الاهتمام السابق للدولة والجهات الرسمية المعنية بالفنانين التشكيليين، من خلال رصدها تخصيصات في الميزانية السنوية  للوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية المختلفة، للانفاق على شراء نتاجاتهم الفنية من رسوم وجداريات ومنحوتات واعمال غرافيك وخزف وسواها، وتُعينهم بذلك على مواجهة متطلبات العيش المتزايد صعوبة .. نقول ان هذا الاهتمام تبدد في السنين الماضية وصار اقرب الى الزوال. ومثله انتهى تقريبا حرص وزارة الثقافة على اقامة فعاليات الاحتفاء السنوية بالنتاجات التشكيلية الجديدة، والتعريف بها وترويجها عبر اقامة المعارض الكبيرة والمهرجانات الفنية.

صحيح ان هناك فرقا هذه السنة، يتمثل في تخصيص مبلغ لتمويل هذه المعارض والفعاليات الاخرى، الا ان هناك في هذا الشأن اكثر من ملاحظة نسمعها من التشكيليين انفسهم ومن بقية الفنانين وعامة المثقفين. اولاها تتعلق بهزال المبلغ المخصص،  والذي لا يتجاوز مائتي مليون دينار، قد تكفي لأقامة اثنتين لا أكثر من  مثل الفعاليات المذكورة. والملاحظة الثانية هي ان هذا المبلغ لا علاقة له بالميزانية السنوية للدولة، وليس جزءا من المخصص للثقافة فيها، وانما هو منحة من مكتب رئيس مجلس الوزراء. وبناء على هذا فقد لا يتجدد في السنة المقبلة او التي تليها، في حال أي تبدّل في شخصية المكلف بتشكيل الحكومة.

وهذا ينطبق بالطبع على بقية المنح التي ذُكر ان مكتب رئيس الوزراء خصّ بها مجالات الدراما والمسرح والسينما والادب، والتي لا يمكن بالطبع مقارنة حصة الفنون التشكيلية بها، فهي بالمليارات وليست بالملايين. لكن أمرها هو نفسه في عدم كونها ضمن المخصص في الميزانية لاغراض الثقافة والقطاع الثقافي.

ومع الاقرار بان تخصيصها حتى بصفة منح من خارج الميزانية، وعلى افتراض حسن التصرف بها بعيدا عن مظاهر الفساد المستشرى في مؤسسات الدولة، يأتي مثل نسمة منعشة لتلك المجالات، ويمكّنها من انجاز شيء مما تسعى لإنجازه، فان من الواجب القول ايضا انه بعيد تماما عن ان يكون العلاج المطلوب للأزمة المزمنة لقطاع الثقافة عندنا، والمتفاقمة بمرور السنين.

فهذا العلاج يستلزم اعادة نظر جذرية في توزيع اموال الموازنة على القطاعات المختلفة، ليصب خصوصا في مصلحة قطاعات الخدمات الاساسية والعامة المغدورة حتى الآن، ومنها الثقافة بالذات الى جانب الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والسكن والنقل وحماية البيئة وغيرها.

وليس هذا فقط، بل لابد من موقف جديد تجاه الثقافة. موقفٍ يعيد الاعتبار اليها بكافة ميادينها، وينطلق من ادراك عميق لحاجة مجتمعنا الماسة اليها في تطوره وتنميته، وييسّر بالتالي على سبيل المثال نشر نتاجات الثقافة والفن وابداعاتهما في الفضاءات الواسعة للمدن وساحاتها وشوارعها.

فلو كان الحال كذلك لما رأينا قرارا اتخذته لجنة من فنانين مرموقين، مكلفة من الامانة العامة لمجلس الوزراء، بإقامة ثلاثة نصب نحتية لثلاث من ابرز الشخصيات العراقية الوطنية والثقافية، وصادقت عليه الامانة العامة نفسها، وتم التعاقد مع نحاتين معروفين على انجاز تماثيل الشخصيات المذكورة، وحتى صُرفت مستحقاتهم المالية مقابل ذلك .. أقول: لما رأينا تنفيذ ذلك القرار يتوقف فجأة بعد خطواته الاولى المذكورة، ثم يلغى القرار ذاته كما يبدو، ويسدل الستار على المشروع بكامله! وكل هذا دون اعلان، ودون تفسير او توضيح للرأي العام وللفنانين المكلفين!

نحن نتحدث هنا - كما لا يخفى على البعض منكم في الاقل - عن مشروع نصب الشاعر الجواهري الكبير، والوزيرة العراقية الاولى نزيهة الدليمي، والعلامة حسين علي محفوظ، المشروع الذي تم اقراره قبل 14 عاما، وبوشر بتنفيذه فعلا، ثم اوقف العمل فيه على حين غرة كما قلنا، وألغي المشروع كاملا بأمر من جهة لم يُكشف عن هويتها حتى اليوم، لكنها كما تشير الدلائل ممن ينطبق عليهم وصف الآمر الناهي!

ومنذ ذلك الحين لم نسمع أيضا عن اقامة ايّ نصب او تمثال في اي مكان من بغداد، وبقيت نصب النحات الكبير الراحل محمد غني حكمت: نصب الثقافة في الزوراء، ونصب بغداد في ساحة الاندلس، ونصب الفانوس السحري في ساحة المسرح الوطني، آخر ما فازت به عاصمتنا من اعمال نحتية راقية.

ونحن اليوم سعداء ان تكون للمنحوتات والتماثيل، بكمها ونوعها، مكانةٌ مميزة في معرضنا هذا، الى جانب اللوحات والاعمال الفنية الاخرى.

أخيرا نشكر لكم ايها الاعزاء حضوركم الحاشد معرضنا هذا، ونرجو لكم وقتا ممتعا مع الاعمال الفنية المنتشرة في جنباته.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* قدمها الرفيق مفيد الجزائري في حفل الافتتاح عصر امس الأول