ص1
دروس الثورة ترسم خطوطا مرشدة لمهامنا في التغيير
رائد فهمي: دلالات راهنة تقف وراء تغييب ذكرى ثورة 14 تموز
واختزالُها بالعطلة طمسٌ لمنجزاتها
بغداد ـ بسام عبد الرزاق
يؤشر الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، دلالةً سياسية راهنة، تقف وراء تغييب ذكرى ثورة 14 تموز، من قاموس الذاكرة الوطنية للعراق، فيما أشار يجد أن ثورة تموز ترسم خطوطا مرشدة لمهامنا في التغيير، إذ مهدت للشعب أن يتوحد سياسيا، والجيش أيضا، ومن ثم التحام الجماهير، وكل الأحداث لم تكن لتحصل لولا أن التناقضات وصلت لمرحلة معينة.
اختزال الثورة
وقال فهمي لـ»طريق الشعب»، إنّ «البعض يحاول اختزال 14 تموز الى عطلة رسمية من عدمها، والموضوع أكبر بكثير، وهذا يستبطن تقييما معينا لثورة تموز وموقفا منها وممّا جاءت به من إنجازات وتحولات. إذن، هذه دلالة سياسية راهنة وليست من الماضي، بل تعكس قراءة معينة للتاريخ، لكن بمنظار اليوم وتحدياته».
وأضاف، أن «ما حصل في 14 تموز هو ثورة بكل المقاييس للتعاريف العلمية. نعم، بدأت بانقلاب عسكري، لكن في نفس اليوم تحولت إلى حركة جماهيرية غير مسبوقة في تاريخ العراق. وقد تكون هناك بعض الممارسات التي رافقتها، لكنها لا شيء قياسا بالتحولات الثورية في بلدان العالم»، لافتا الى انه «اذا تحدثنا عن الثورة الفرنسية باعتبارها مقياسا وما زال الشعب الفرنسي يحتفل بها، فقد ذهب ضحيتها مئات الآلاف وبأشكال مختلفة من القمع والعنف الداخلي الذي تبنته السلطة الثورية. في حين أن هذا الأمر لم يحدث في العراق. ومع ذلك مثّلت الثورة الفرنسية اليوم الوطني لفرنسا، الذي يحتفل به اليمين واليسار».
ونوه الرفيق فهمي، الى ان «ما حدث في العراق من حوادث رافقت ثورة 14 تموز، لم تكن من ضمن سياسة تنظيم الضباط الاحرار. والجميع يعترف ان عملية اغتيال الملك قام بها أحد الضباط بشكل انفعالي. وكان المخطط ان يتم اعتماد نهج مثلما حصل في ثورة مصر، وإبعاد الملك الى خارج البلاد، وهذا الامر لم يحصل. لكن ان تختزل ثورة تموز بحدث معين فقط، فهذا لا يعني تقديم قراءة موضوعية، إذ أقدمت الثورة على خطوات وإجراءات غيّرت من الواقع الاجتماعي والاقتصادي في العراق. وهي لم تأت لتغيير سياسات جزئية».
إنجازات الثورة
وأشار الى ان «ثورة 14 تموز أدت، ضمن ما أدت، الى القضاء على سلطة الاقطاع، من خلال تشريع قانون الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين. كذلك حققت الاستقلال السياسي الفعلي بالخروج من الاحلاف العسكرية وإزالة القواعد العسكرية، وفك الارتباط بالجنيه الإسترليني»، مبينا ان «هذا يعتبر حدثا نوعيا واستقلالا فعليا».
ووصف فهمي، الاستقلال الذي يراد الآن ان نحتفل به في 3 تشرين الثاني بأنه استقلال «شكلي»، مضيفا انه «كان بتدبير من الاستعمار البريطاني. صحيح ان قسما من العراقيين أرادوا هذا التاريخ ولا ننفيه، لكن عمليا بريطانيا لم تنه انتدابها على العراق، الا بعد ان امنت معاهدة 1930 وربطت العراق بعجلة بريطانيا وهيمنتها. ولم يكن هناك أي استقلال فعلي وحقيقي».
وتابع، انه «حين نتحدث عن 14 تموز، فإنه أولا: تم التحول الى جمهورية وتغيير طبيعة النظام. وثانيا: تحقق الاستقلال السياسي الفعلي. وحين يكون يوما وطنيا للعراق فهو ليس تجاوزا. وإذا كان البعض يحاول ان يربط بينه وبين الحزب الشيوعي، فلا أساس لهذا الكلام، انما نحن نتحدث عن يوم 14 تموز وهو يوم عليه إجماع من قبل الحركة الوطنية العراقية، فالالتفاف الشعبي الذي جرى يوم 14 تموز ونزول الناس إلى الشوارع أيضا يؤكد انه يوم وطني بامتياز».
وأكمل الرفيق فهمي، قائلاً: «اليوم ومع الأسف يصار الى ان الدولة تأخذ بتحليلات ليست محايدة، وتعبّر عن مجاميع معينة، أضرت ثورة تموز بمصالحها. ويتم تقييم الثورة من مصلحة طرف يقف موقفاً من تموز، لأنه يختزل ما حدث باغتيال العائلة المالكة»، متسائلا «حين نتحدث اليوم من خلال النقاشات عن تواجد القوات الأمريكية والتحالف الدولي، عن ماذا نبحث؟ أليس معنياً الاستقلال وهذا هو الهدف؟ فكيف بثورة 14 تموز التي حققت الاستقلال السياسي الفعلي وأنهت التواجد الأجنبي والعسكري في العراق، والغت جميع المعاهدات، كيف يجري التنكر لهذا الموقف بإلغائه، بينما هذه المهمات التي حققتها تموز تتم المطالبة بها اليوم؟! هذا تناقض كبير!».
التنكر للثورة
وبين، ان «ثورة 14 تموز حدثت بعد اتفاق جبهة الاتحاد الوطني التي تضم جميع الأحزاب الوطنية آنذاك، وقد مثّلت محصلةً لنضالات الحركة الوطنية منذ العشرينات وحتى 1958. واليوم يتم الغاؤها! هذا عمليا يشكل تنكرا لهذه النضالات كلها، فضلا عن كونه الغاءً لتاريخ العراق الحديث. تاريخ النضال الوطني. وتضع يوماً لا صلة له بتاريخ النضال الوطني».
ولفت إلى انه «تحدثنا عن موقف ثورة تموز من العدالة الاجتماعية، وايضاً رأينا موقفها ونظرتها التحررية والتقدمية إزاء المرأة، حتى في فتراتها الأولى، وتعاملها مع النضالات الشعبية والقوانين التي أسست للنقابات والاتحادات. فهذه الابعاد التأسيسية تعود للعراق الجمهوري. ومع ان التجربة استهدفت واجهضت، لكن بقيت امتداداتها حاضرة الى هذا اليوم»، موضحا ان «إلغاء هذا اليوم يقود الى استنتاج، يتمثل في أن الغاء هذا اليوم هو الغاء لدلالاته ومضامينه والوجهة والاحداث التي يحتويها هذا اليوم. وهي قضايا راهنة تتعلق بالتضييق على المساحات المدنية. ومن ذلك الموقف إزاء المرأة، وازاء الحريات النقابية والتنظيمية. ومعروف الموقف الان من اتحاد الطلبة وعمله في الجامعات. كذلك حقّ الباحث في إعطاء رأيه وأشكال الرقابة المفروضة».
تأسيس النقابات والاتحادات
وأضاف، ان «القول بأن النظام في فترة عبد الكريم قاسم لم يطلق كل هذه الحريات، نعم، هو لم يعمل على الإطار الديمقراطي المؤسساتي، لكن خلال تلك الفترة تأسست النقابات والاتحادات، وان جرى تقييدها لاحقاً، لكن الواضح ان ثورة تموز هي من أطلقت الحريات واعطت المبادرة للجماهير، وقامت بتحولات اجتماعية. إن تغييب كل هذا ونفيه من التحليل، واختزال 14 تموز بعملية قتل العائلة المالكة، نراه عملا مقصودا وغير موضوعي، وتعتيما مبسترا».
واردف الرفيق فهمي، ان «الحديث عن 14 تموز ليس باعتباره عطلة رسمية وحسب، بل ان تعترف الدولة بان الثورة وما دعت اليه وما حققته بتوجهاتها ومحصلة النضالات التي جاءت بها والتحام الجيش والشعب، وكذلك الدور الحاسم الذي لعبته الجماهير في عملية حسم الصراع لصالح وجهة التغيير، فهذه قيم ثورية ووطنية وعبر ودروس مهمة، يراد إنهاؤها اليوم»، مبينا انه «لا يفترض النظر الى العطلة والموقف من تموز من زاوية ضيّقة باعتبارها تهمُّ الحزب الفلاني، انما تهمّ الوطن والشعب العراقي ومنجزاته».
وأكد فهمي أنه «لا يمكن نكران ان ثورة 14 تموز، هي يوم وطني والتفاف شعبي حقيقي وتجاوز لكل أشكال التمييز. كما انها حققت خطوة كبيرة باعتبار العراق شراكة بين العرب والكرد، في حين يتم الحديث اليوم عن تشظية المتشظي الى هويات فرعية وقوى سياسية تعتمد تلك الهويات، بل وتعمل على تكريسها وتكريس نظام المحاصصة».
وشدد الرفيق فهمي على أنه «من واجبنا وواجب المؤرخين المنصفين والموضوعيين ان يكشفوا أبعاد هذه الثورة في المجالات كافة: من أثرها السياسي والتاريخي والحدث الاجتماعي على مستوى الحريات وحتى على المستوى الخلقي؛ فقادة ثورة تموز وعلى اختلاف انتماءاتهم السياسية تميزوا جميعهم بالنزاهة، وقسم منهم قتلوا بسبب معتقداتهم وان اختلفنا معها. وهذا كله واضح من خلال البساطة والنزاهة وأيضا عدد المشاريع التي أنجزت خلال خمس سنوات، في ظل أجواء محفوفة بالمؤامرات والضغوطات. ولكن تحقق ما لم يتحقق في عشرات السنين لاحقا».
النزاهة والوطنية
وأوضح، أن «ثورة 14 تموز تؤكد انه من خلال توفر عناصر النزاهة والحماسة والوطنية لدى الشعب، وكذلك وجود قيادات مخلصة حقيقية ووطنية وتمتلك الإرادة، هنا يتمكن الشعب من تحقيق المعجزات، وان تلك الإنجازات التي تحققت في تلك الفترة تكاد ترقى الى المعجزة قياسا الى الأوضاع الراهنة؛ حيث تتوفر اليوم كل هذه الإمكانيات والموارد، ولم يتم تحقيق عُشر ما تحقق في ذلك الوقت. وهنا حين نتحدث عن ثورة تموز، فنحن نتحدث عن اليوم الحالي، ولا نقصد التاريخ فقط»، لافتا الى ان «قرار الغاء مناسبة 14 تموز يحمل دلالات على مستقبل العراق، وفيه مؤشرات تدعو لقلق المواطن على القادم من الأيام، ولا يمكن الاستهانة بها، وهذا المؤشر لم يأت بمعزل عن مؤشرات أخرى، لذلك ننبه الى انه اذا كان لدى بعض الأطراف ملاحظات على 14 تموز ـ وهي قوى كان لها دور في النضال الوطني ـ فعليها ان تدرك أبعاد هذه النقطة، وهي قد تختلف في بعض الأمور، لكن لا يتوجب ان تختلف في ان 14 تموز كان من اهم منعطفات تاريخ العراق السياسي بعد عام 1921. ومن غير المعقول ان يمر هذا اليوم وليس له حضور، لا في العطل الرسمية، ولا في المناسبات والدولة ساكتة. فهذا أمر معيب ومقلق!».
وأكمل الرفيق فهمي، ان «ثورة 14 تموز تحمل دروسا تؤثر في مهامنا اليوم ومساعينا نحو التغيير، وتمنحنا خطوطا مرشدة؛ فالشعب بعد تموز توحّد سياسيا، والجيش أيضا توحد بشكل معين، ومن ثم التحام الجماهير. وبالتالي كل الاحداث لم تكن لتحصل لولا ان التناقضات وصلت مرحلة معينة. ولا بد أن نذكر ان عددا من ضباط الجيش كانوا مسؤولين في حمايات الملك، فما الذي حصل بحيث إن هؤلاء القادة العسكريين ينقلبون على واقعهم؟»، مشيرا الى « الحقد الشعبي الذي انطلق على الحكام، ووصل الامر الى استخدام ممارسات غير مقبولة سواء السحل وغيرها، لم تأت بتوجيه من احد، انما جاءت باندفاعات وتجاوزات عفوية شعبية، لكنها تنمّ عن حقد كبير على قادة الحكم آنذاك. واليوم يجامل البعض بتصويرهم بانهم كانوا مثالا للوطنية. فما الذي ولد كل هذا الحقد؟ ونحاول ان نتذكر اليوم ان آلاف الفلاحين يأتون من الجنوب الى بغداد وكانوا يعاملون كعبيد من قبل الملاك. كذلك ممارسة الإعدام في الشوارع من قبل النظام الملكي، الذي كان سبّاقا في ضرب الاحتجاجات بالنار وارتكاب مجازر ضد الآشوريين. أما بشأن النظام البرلماني الذي كان موجودا، فمعروف ان الشخص جالس في بيته يصبح نائبا تنصبه السلطات. هذا البعض الحاقد على ثورة تموز يقوم هو بتزييف التاريخ الذي قسم منه معاش».
تضرر المصالح
وختم فهمي بالقول: ان «طريقة التعامل مع 14 تموز تشي بان هناك مخاوفَ من حدث حصل قبل 66 سنة. انهم مازالوا يشعرون بخطره عليهم وعلى مصالحهم، وفي وقت سابق كانوا يهملون 14 تموز باعتبارها تاريخا وانتهى، لكنها لم تعد تاريخا فقط ودروسها حاضرة، وتغييبها يجري عن عمد كونهم يشعرون انها قد تلهم الشباب إذا ما اطلعوا عليها بشكل جيد بدروسها ومُثلها الملهمة. وهذا ما حصل فعلاً في انتفاضة تشرين 2019، التي هزت اركان منظومة المحاصصة، وشكلت خطراً حقيقياً على مصالح المتنفذين».
ص2
الشيوعي العراقي يرفض تحويل المناصب الادارية
في نينوى إلى أداة تبعدها عن خدمة المواطنين
أكد الرفيق طلعت كريم عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، أن الكتل السياسية المتنفذة أمعنت في انتهاك الدستور والقانون، ولم تكتف بذلك، بل راحت تثير النزعات الطائفية والقومية في محاولة منها إلى إذكاء صراعات تخدم مصالحها الفئوية الضيقة مثلما حدث في مدينة الموصل عقب قرار مجلس المحافظة استبدال مديري النواحي وقائمقامي الأقضية.
وقال كريم في تصريح للمركز الإعلامي للحزب الشيوعي العراقي، إن «المواطن ينتظر من مجالس المحافظات أن تقوم بدورها المنصوص عليه في القوانين النافذة والإسهام في تحسين الحياة اليومية للمواطنين والتخفيف من معاناتهم جراء تردي الخدمات وغياب خطط الإعمار واستئثار الأحزاب المتنفذة بموارد المحافظات».
وأضاف أن «ما حدث في مجلس محافظة نينوى هو دليل واضح على إصرار الكتل السياسية على نهج المحاصصة غير آبِهة بمصالح المواطنين»، موضحاً أن «تغيير واستبدال المسؤولين أمر طبيعي شرط أن يجري وفق أسس اختيار تعتمد المهنية والكفاءة بعيداً عن معايير تحاصص الأحزاب الحاكمة».
وأشار إلى أن «الأحزاب الحاكمة حولت هذه المناصب إلى أداة لخدمة مصالح سياسية ضيقة بدلاً من خدمة المواطنين من خلال السيطرة على موارد الدولة والتحكم بالموارد المحلية واستخدامها لتعزيز نفوذها بعيداً عن خدمة المجتمعات المحلية».
وتابع، أن «إدامة هيمنة الأحزاب المتنفذة على هذه المفاصل المهمة، وترسيخ وجودها ونهجها الطائفي والمحاصصاتي، سيؤدي إلى غياب المساءلة والشفافية، فضلاً عن انتهاك الدستور والقانون، وكذلك غياب روح التنافس وتقديم الخدمات للمواطنين بالصورة الصحيحة». وشدد الرفيق طلعت كريم على أهمية تفعيل قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008، وعَدَّ ذلك من مقومات البناء الديمقراطي وحماية الموارد المحلية، كذلك تعزيز المشاركة الشعبية في القرار السياسي، لافتاً إلى أهمية ترسيم حدود الأقضية والنواحي بشكل جيد، بعيداً عن التدخلات الحزبية الضيقة، ومن أجل ضمان حصول المواطنين على الخدمات بشكل جيد وعادل، وبما يقود الى استتباب الامن وتحقيق الاستقرار وضمان السلم الأهلي وتعزيز روح المواطنة.
الشيوعي الكردستاني يندد بالتوغل التركي في العراق
احتجاجات الخدمات تتصاعد.. وغضب شعبي من أداء الحكومات المحلية
بغداد ـ طريق الشعب
في الديوانية وكركوك والبصرة وبغداد، خرج العشرات من المواطنين خلال الأيام الماضية في تظاهرات غاضبة دعت الجهات المعنية إلى الاستجابة للمطالب الخدمية، والكف عن محاولات المماطلة والتسويف.
الشيوعي الكردستاني يحتج
ضد التوغل التركي
ونظّم الحزب الشيوعي الكردستاني وقفة احتجاجية في أربيل، ندّدت بعمليات التوغل للجيش التركي داخل الأراضي العراقية.
وتجمع العشرات من المحتجين في الوقفة التي اقيمت أمام مقر فرع اربيل للحزب الشيوعي الكردستاني، حاملين لافتات وشعارات طالبت القوات التركية بالانسحاب واحترام سيادة العراق.
قمع اعتصام غماس
بالرصاص والهراوات
وأفاد شهود عيان باستخدام قوات مكافحة الشغب الهراوات والغازات المسيلة للدموع لتفريق المعتصمين أمام مركز شرطة غماس في محافظة الديوانية، كما أطلقت الرصاص الحي.
وتحولت التظاهرة الليلية في غماس إلى اعتصام على الطريق الرابط بين النجف والديوانية.
وقال مواطنون، إن «المتظاهرين أغلقوا الطريق بالإطارات المشتعلة، ورفضوا وساطة القائمقام الذي حضر بحدود الـ11 مساءً، وغادر الموقع إثر هتافات تتهم الإدارة المحلية بالتقصير في ملف الكهرباء والمياه».
وقال محتجون، إنهم «كانوا بانتظار وصول المحافظ عباس الزاملي للتفاوض معه بشأن ساعات التجهيز بالكهرباء الوطنية، لكنهم تفاجؤوا بقوة من مكافحة الشغب استخدمت العنف في تفريق المعتصمين، ما أدى الى إصابة عدد منهم».
وفي السياق، قال مختار إحدى مناطق قضاء غماس، أن «الأجهزة الأمنية طلبت من ممثلي التظاهرة ان يجتمعوا مع المحافظ لكي يتم التفاوض»، مبينا «لدينا أكثر من 10 معتقلين لدى الأجهزة الأمنية، وأصيب آخرون أثناء التظاهرة». وطالب المختار «بتوفير الكهرباء للمحافظة مع زيادة حصة المياه اليومية بعد تضرر الزراعة، علما أن القضاء يفتقر الى ابسط الخدمات والتظاهرات لا تزال مستمرة».
وبحسب مصادر محلية، تلقى المتظاهرون اتصالا هاتفيا من رئيس مجلس المحافظة محمد شخير الغانمي، أكد فيه أن تجهيز الكهرباء سيكون ساعتين مقابل ساعتين قطع، لكنهم رفضوا وأكدوا أنهم بانتظار المحافظ للتفاوض معه بشكل مباشر، كما غادرت قوة من سوات وسط إصرار المتظاهرين على الاعتصام.
وبدأت التظاهرة عند الساعة الثامنة أمام دائرة كهرباء غماس، ثم امتدت إلى مبنى القائمقامية، ليقطع المتظاهرون الطريق الرئيس، ما تسبب في شل حركة الشاحنات والسيارات المارة بطريق غماس.
وقال المتظاهر عمار الزيادي، إن «الكهرباء متردية للغاية، والخدمات سيئة بصورة عامة على الرغم من وجود نائبين وعضوين في مجلس محافظة الديوانية من غماس، لكننا لا نراهم إلا في موسم الانتخابات». أما المتظاهر باسم فلاح فأشار من جانبه إلى أن «أي تفاوض غير ممكن إلا مع المحافظ وبصورة مباشرة وننتظر قدومه كما أبلغنا»، لافتا إلى أن «الكثير من شباب المواكب الحسينية انضموا إلى التظاهرة بعد أن تصاعدت بسبب نقص الخدمات والحرمان».
كركوك.. مطالبة بمياه الشرب
وتظاهر العشرات من الأهالي في حي شوراو السكني شمالي كركوك، احتجاجاً على انقطاع مياه الشرب منذ عدة أيام وسط ارتفاع درجات الحرارة.
وقال المتظاهر شيرزاد قابيل، إن «العشرات من أهالي الحي خرجوا في تظاهرة مسائية لمطالبة الجهات الحكومية بضرورة توفير مياه الشرب خاصة وأن الطلب على الماء يزداد في فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة»، داعيا دائرة ماء كركوك إلى «معالجة شح المياه والإفصاح عن سبب انقطاع المياه عن عشرات المنازل».
البصرة تهدد بالتظاهر مجددا
وفي البصرة وبعد ساعات من صدور بيان عن قيادة الحراك الشعبي في قضاء الصادق، وجهت اللجنة التنسيقية للحراك الشعبي في قضاء الدير رسالة إلى الحكومة المحلية في المحافظة، عبّرت فيها عن خيبة أملها تجاه عدم تلبية مطالبها، وعدم الاهتمام بمشاكل القضاء الملحة، والدعوة الى فتح باب الترشيح لمنصب القائمقام.
وأعربت التنسيقية في بيانها الذي اطلعت عليه «طريق الشعب»، عن «خيبة الأمل العميقة تجاه عدم تلبية المطالب وعدم الاهتمام بمشاكل القضاء الملحة»، مضيفة «إن مطالبنا لم تلقَ الاستجابة اللازمة من قبلكم، ولم نلمس أي خطوات جادة لحل القضايا التي تهمنا ونود أن نوضح أن عدم استجابتكم لمطالب الحراك سيضطرنا إلى العودة للتظاهر مجددًا».
وطالبت التنسيقية بـ»فتح باب الترشيح لمنصب قائمقام قضاء الدير وتشكيل لجان خاصة لزيارة القضاء. وان هذه اللجان يجب أن تطلع على المشاكل في كافة الجوانب الخدمية، الصحية، التربوية، والبنى التحتية، بالإضافة إلى زيارة جميع الدوائر الخدمية، الأمنية، والصحية لمعرفة جميع الأمور بشكل دقيق»، مضيفة أن «القائمقام الحالي هو بالوكالة ولا يمثل الحراك الشعبي، ونأمل منكم التجاوب السريع والجدي مع مطالبنا لضمان استقرار القضاء وتحقيق مصالح المواطنين».
احتجاج في منطقة النباعي
إلى ذلك، نظّم أصحاب الشاحنات والمعامل المتضررون من محطة الوزن في مدخل النباعي، وقفة احتجاجية أكدوا فيها على غياب العدالة واضطرارهم إلى ايقاف العديد من الأعمال بسبب الغرامات الباهظة التي وصلت إلى ملايين الدنانير.
وخلال التجمع، حضر عضو مجلس محافظة بغداد صفاء الحجازي، فيما تعهدت الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة لحل المشكلة في أقرب وقت، بما يرضي جميع الأطراف. وأشار أصحاب السيارات والمعامل إلى أنهم تضرروا كثيراً بسبب الغرامات التي وصلت إلى 9 ملايين دينار مقابل أحمال قليلة، وهم يطالبون وزيري الداخلية والإعمار والإسكان ورئيس الوزراء بالتدخل لحل هذه المشكلة.
اضاءة
ثورة 14 تموز
قوة مُثُل متجددة
محمد عبد الرحمن
تمر اليوم ٦٦ سنة على اندلاع ثورة ١٤ تموز الباسلة ، التي قلبت الموازين وفتحت الآفاق امام تطور بلدنا على مختلف الصعد .
الثورة التي ليس ذنبها اطلاقا ، ولا ذنب قادتها وداعميها ومسانديها ، والاغلبية الساحقة من المواطنين التي ضجت بها الشوارع ابتهاجا وسرورا بحدوثها الذي كان منتظرا .. ليس ذنبهم جميعا ، انها أحدثت ذلك الاختراق غير المتوقع لجبهة من كان يردد ان «دار السيد مأمونة» ، وانها وقعت في منطقة نفوذ حساسة بالنسبة لمصالح الدول الاستعمارية ، التي وجدت من يتماهى مع خططها انطلاقا من مصالح ضيقة وانانية ، وعلى حساب مصالح الوطن والشعب. فبعض لم يكن يريد ان يفقد الامتيازات والنفوذ الذي حصل عليه من مكرمات النظام المباد واسياده ، فيما اخرون لم يرق لهم ، من منطلقات فكرية وايديولوجية ، ان تسود الأفكار والقيم الوطنية والتقدمية والتحررية في مجتمعنا.
والجانب الاخر الذي تتوجب الإشارة اليه ، والذي يروجه البعض وجاء على لسان احد اعضاء مجلس النواب لتبرير اتخاذه موقفا معاديا للثورة ، ويبدو انه احد أسباب عدم ادراج ١٤ تموز في قانون العطلات الرسمية وإقراره كيوم وطني ، هو القول ان «الجدل ما زال مستمرا بشان ما اذا كان ١٤ تموز ثورة أم انقلابا؟». وواضح انها حجة واهية لا تستند الى معطيات علمية بشأن مفهومي الثورة والانقلاب.
فصحيح ان الحراك الاولي للثورة كان عسكريا ، ولكنه كان استجابة لارادة شعبية ، وان من حسم الموقف لصالح ذلك التحرك ، ومنذ اللحظات الأولى، هو الجماهير الواسعة التي أمسكت بزمام المبادرة وشلت حركة القوى المعادية. إضافة الى ان الحراك لم يكن بمعزل عن نضالات وانتفاضات وثورات سابقة وتقديم تضحيات وشهداء ، على مدى ٣٨ سنة. كما لم يكن قطعا بمعزل عن عمل منظم للقوى الوطنية ، ومنها الحزب الشيوعي العراقي ، والتي وحّدت جهودها في اطار جبهة الاتحاد الوطني وشكلت القاعدة السياسية – الجماهيرية للثورة ، وكانت عاملا مهما في انتصارها .
والأمر الاخر في مسلسل الحجج الواهية ، هو ربط الموقف من الثورة بما حصل للعائلة المالكة. فكل المنصفين يؤكدون ان ما حدث لم يكن مخططا له ، ولم يكن ضمن توجهات الضباط الاحرار ، وقد ذكر انهم كانوا بصدد التعامل في هذا الخصوص مثلما تعاملت ثورة ٢٣ تموز ١٩٥٢ في مصر .
ان من الخطأ والاجحاف ان يجري تقييم ثورة كبرى مثل ثورة ١٤ تموز انطلاقا من ثغرات ونواقص ، ومن تصرفاتٍ لبعض من كانوا يحسبون على معسكر الثورة ، او أخطاءٍ حصلت هنا وهناك ، بضمنها ما هو عفوي او جاء كرد فعل.
وبشان العنف نتساءل: ألا يحصل عنف في الثورات الكبرى؟ وهل ننسى المثال الأبرز هنا وهو الهجوم على سجن الباستيل ( فرنسا ) في ١٤ تموز ١٧٨٩؟ فهل توقف الفرنسيون عن الاحتفال بثورتهم وبعيدهم الوطني؟
نقول هذا وهو في جميع الأحوال ليس دفاعا عن العنف، او تبنيا له .
ان ما قامت به الحكومة الحالية وما اقرّه مجلس النواب بشأن عيد 14 تموز هو الاجحاف بعينه. فحين يتحدث الدستور عن جمهورية العراق ويقوم مجلس النواب بإلغاء يوم تاسيسها ، فهي المفارقة التي لا تعكس الا رغبة في ثأر وانتقام من هذه الثورة العملاقة ، التي حررت العراق من الاستعمار ومن سلطة عميلة له ، واستعادت سيادة العراق وعززت وحدة الشعب الوطنية .
كل هذه العناوين يجري التفريط بها اليوم على يد منظومة المحاصصة ، حامية الفساد والمتماهية معه ، والعاجزة عن صيانة القرار الوطني العراقي المستقل ، وتأمين سيادة البلد وانتزاع حقوقه مثلما فعلت ثورة ١٤ تموز.
لكن قرارات المتنفذين والفاسدين والفاشلين لن تمحو ذكرى الثورة المجيدة ، ولن تخدش قوة مثلها في انقاذ وطننا وشعبنا وتخليصهما مما هما فيه اليوم من واقع مرّ وأليم .
ص3
أكاديميون وباحثون في حوارهم مع «طريق الشعب»:
ثورة 14 تموز حلم العراقيين
وثمرة مشرّفة لنضالات الحركة الوطنية
بغداد – طريق الشعب
لمناسبة حلول الذكرى الـ 66 لثورة 14 تموز المجيدة 1958، أجرت «طريق الشعب» حوارات مع أساتذة أكاديميين وباحثين بشأن منجزات الثورة الخالدة، وما الذي حققته على الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بعد 39 عاما من الدمار والجهل والتبعية للاستعمار على يد النظام الملكي، فضلا عن الاشارة إلى النوايا التي تقف خلف ازالة عطلة الثورة من لائحة العطل والمناسبات الوطنية وابقاء العراق بدون أي يوم سياسي يتم الاحتفاء به مثل بقية الأمم والشعوب.
تموز ذاكرة عراقية وطنية
و يصف رئيس تحالف قيم المدني وعميد كلية القانون في جامعة أوروك الدكتور علي الرفيعي ثورة تموز بانها جزء من ذاكرة العراق الوطنية وينبغي الحفاظ عليها وعدم محوها من الصفحات المشرقة.
ويقول الرفيعي: أن «تموز هي حركة وطنية شعبية لاقت قبول كل العراقيين، حيث شارك الشعب والقوى الوطنية مع الجيش في تغيير الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وحققت الثورة على مختلف الصعد منجزات عظيمة، وأصدرت قوانين تقدمية قياسا بدول المنطقة، لكنها واجهت العداء منذ يومها الاول من قبل من تضررت مصالحه في الداخل والخارج».
ويلفت الرفيعي إلى أن «فترة الثورة كانت قصيرة جدا، لكن مع ذلك شهدت البلاد نقلة نوعية واهتماما خاصا بالاعمار والتطوير والسكن وبميزانيات بسيطة جدا، فضلا عن توزيع الأراضي وانصاف الفلاحين والفقراء وانهاء حالة التمايز التي كانت سائدة خلال فترة النظام الملكي»، مشددا على أهمية «احياء ذكرى الثورة في هذا العام وايصال رسالة واضحة بأن رفع هذه المناسبة من قائمة الاعياد الوطنية هو أمر مرفوض وهجوم على النشاط الوطني ومخالفة صارخة للدستور العراقي الحالي الذي ينص على أن (الشعب العراقي الخارج من كبوته والمتطلع بثقة الى مستقبله يؤمن ببناء نظام جمهوري اتحادي ديمقراطي تعددي)».
ويعتبر رئيس تحالف قيم المدني أن «التجاوز على مناسبة 14 تموز هو محاولة لمحو هذا الحدث الوطني الكبير من الذاكرة العراقية وهذا يمثل اعتداء صارخا على الشعب العراقي الذي بارك الثورة وساندها والتف حولها منذ لحظاتها الاولى».
أسباب الثورة وأبعادها
أما الدكتور عامر حسن فياض، فيقول إن الثورات تُعرف بأسبابها أو نتائجها أو الاثنين معا. وباختصار فإن لحظة تموز جمعت الجانبين واكتسبت صفت الثورة بامتياز.
ويصف الدكتور أسباب الثورة بالرباعية (سياسية – اقتصادية – اجتماعية – ثقافية) ويؤكد أن «الأمر الواضح من قراءة أوضاع العراق قبل عام 1958 فإن النظام الملكي كان هشّا من حيث المسألة الديمقراطية وكانت هنالك صورة مزيفة مرسومة لهذا الجانب»، مضيفا أنه «على الصعيد الاقتصادي فإن البطالة والفقر المدقع كانا في صدارة المشهد والأرقام الرسمية تكشف عن تفاصيل هذه الظواهر، اضافة إلى جوانب الفساد السياسي المعروفة بدءا من الملك فيصل وحاشيته والوزراء والنواب والمقربين من السلطة، حيث كسبوا ثروات هائلة وأصبحوا من كبار الملاك ليصبح نظام الحكم بيد أقلية ثرية مقابل أكثرية تعيش في مستنقع الفقر والعوز».
وعلى الصعيد الثقافي والفكري، يشير فياض إلى أن «الثقافة السائدة قبل الثورة كانت ثقافة الخضوع والزيف، حيث عبرت عنها الانتخابات المزيفة وما تلى ذلك من مساوئ زادت من الغضب الشعبي والنقمة الجماهيرية على نظام الحكم»، مردفا أن «الجانب الاجتماعي لثورة تموز يبين أنها كانت للجميع ولم تخص مذهبا أو قومية أو جهة معينة، انما امتدت على جغرافية الوطن وحظيت بدعم قوى الحركة الوطنية التي ناضلت من أجل الاستقلال».
الثورة تسجل درجات نجاح عالية
وبلغة الأرقام التي يطرحها الدكتور فياض، فالجمهورية الأولى التي جاءت من رحم ثورة تموز «سجلت درجات عالية في المستوى السياسي بعدما تحققت عملية الاستقلال من الاستعمار والخروج من حلف بغداد والخلاص من سيطرة الجنيه الاسترليني، فضلا عن توفير خدمات الاسكان والصحة والبنى التحتية والمعامل الرئيسية مثل الزجاج في الرمادي والسمنت والنسيج وتطوير الصناعة الوطنية بعدما كان العراق مكانا مفتوحا للبضائع الأجنبية فقط».
ويلفت استاذ العلوم السياسية وعميد كلية الآمال إلى أن «الثورة حققت انجازات اجتماعية حقيقية بعدما حكم النظام الملكي العراقيين عبر مجموعة قليلة من كبار الملاك والاقطاعيين. وبعد صدور قانون الاصلاح الزراعي تحطمت هذه النمطية ووُزعت الأراضي بنسب محددة على حشود واسعة من الفلاحين وأُزيلت التمايزات الكبيرة بين الناس. لذلك فإن للعراقيين الحق بالفخر بهذه الثورة، لأن الفلاح في زمن الملكية كان عبارة عن سلعة تباع وتشترى بين هؤلاء سواء في المدن أو الأرياف عند شيوخ العشائر، وأن هذا القانون لوحده يكفي لاعتبار يوم 14 تموز هو يوم الثورة»، مضيفا انه «مع قانون الاصلاح الزراعي، فان قانون الأحوال الشخصية الذي ما زال نافذا، اكتسب القدر نفسه من الأهمية ويعتبر من أهم منجزات الثورة لما تضمنه من انصاف كبير للمرأة العراقية، ويعد من أكثر القوانين تطورا في دول المنطقة والعالم الاسلامي لأنه اشتمل على افضل ما في المذاهب الخمسة، وجعل المرأة في العراق تتمتع بحقوق غير موجودة ببلدان أخرى».
وبخصوص قيام مجلس النواب الحالي برفع عطلة ثورة 14 تموز من قائمة العطل والمناسبات الوطنية، يلفت الاستاذ الدكتور إلى أن «مجلس النواب أقدم على خطوة غريبة جدا عندما مرر قانونا للعطل ليس فيه أي يوم سياسي، ليكتفي بالعطل الجهوية مثل عيد المرأة على سبيل المثال، أو الدينية، ولا ضير في ذلك ولكن العراق انفرد انفرادا سلبيا بعدم امتلاكه أي يوم سياسي للاحتفال به كعطلة وطنية، وهو بذلك أصبح مختلفا عن بقية المجتمعات السياسية الطبيعية». وبشأن الجدل حول الأيام السياسية ومن منها الذي يجب أن يكون عطلة، أجاب الدكتور بأن «العراق لديه أربعة أيام سياسية كان بالامكان ادراجها ضمن القانون وهي، يوم تأسيس الدولة العراقية 1921، قبول العراق الشكلي في عصبة الأمم 1932، ثورة 14 تموز 1958 وقيام الجمهورية الأولى، اضافة إلى يوم سقوط نظام البعث الدكتاتوري عام 2003».
حلم العراقيين على مدى قرون
من جانبه، يقول المؤرخ الدكتور علي النشمي، ان ثورة 14 تموز هي حلم العراقيين على مدى قرون طويلة من الحكم التعسفي الأجنبي الظالم.
ويوضح النشمي أن «بدايات الثورة تعود إلى ظهور وتبلور الوعي الوطني في عشرينيات القرن الماضي من أجل التخلص من براثن الاستعمار والاقطاع العراقي الذي يعتبر من اسوأ ما شهدته البشرية، فالعراق كان عبارة عن قرى خربة ويعيش الناس فيها ويعانون أتعس الظروف وأقساها. وبالتالي فإن الثورة جاءت كترجمة لأحلام وطموحات ملايين العراقيين وتتويجا لنضالات الحركة الوطنية العراقية التي طالبت بوطن حر ونظام وطني ودستور حقيقي وتربت على العمل النضالي والدفاع عن هذه المطالب خلال سنوات طويلة حتى لحظة الثورة». ويبين النشمي، أن الثورة «أوجدت نقلة دراماتيكية في مسيرة الانسان العراقي، فالفلاح كان تابعا للاقطاعي ولكن بعد تحريره امتلك الأرض وبدأت عملية نشر المدارس والتعليم والطبابة والكهرباء والماء والخدمات في كل قصبة وقرية ومدينة في العراق.
وهذا الانجاز العظيم جعل العراقيين ينفتحون على العالم ويعرفون العلم وحقيقة الواقع الدولي، وبالتالي بدأت تظهر نتائج التعليم وتكللت بتشريع قوانين مهمة مثل قانون الأحوال المدنية الذي مثل نقلة نوعية بعدما عاش العراقيون تحت رحمة قانون دعاوى العشائر الذي الغته الثورة لاحقا».
وعن قانون الأحوال المدنية يقول الدكتور أنه «من أكثر القوانين تطورا وعندما كنت مدرسا في الجزائر علمت من الاساتذة الجزائريين أنهم وجدوا بهذا القانون نموذجا متقدما على دول عديدة ومنها فرنسا وكان يعبر بشكل رائع عن حريات المجتمع والمرأة».
جهات مأجورة نالت من الثورة
ووصف الدكتور النشمي قرار رفع عطلة الثورة من لائحة المناسبات والعطل الوطنية بأنه «عمل متواصل من قبل جهات وفضائيات مأجورة انتجت المسلسلات والأفلام لعشرين عاما، وشارك في هذا النشاط المشبوه أيضا محامون وسياسيون ومدونون وسفارات دفعت أموالا طائلة لاقامة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لذلك». وأشار النشمي أيضا إلى أن «الأجندات الخارجية أوجدت مدونين ومثقفين في مواقع التواصل الاجتماعي ودربت صحفيين أخذوا لاحقا مواقع حساسة جدا وأصبحوا أداة فعالة لضرب هذا اليوم الوطني الذي جرى محوه من قائمة العطل» مردفا بانه «مع ذلك يمكن القول أن الوطنية العراقية مخيفة للكثيرين، فهي مؤمنة وتحررية واجتماعية وذات منحى تقدمي وتختلف عن بقية العالم، وبالتالي فأن القضاء عليها هو امر ضروري لأعداء العراق، وذلك من أجل تجنب تأثيراتها التي طالما أنتجت احداثا كبيرة في السابق، وأن ضرب ثورة تموز هو ضرب لهذه الوطنية ومحاولة لاطفاء شعلتها وانتاج وطنية جديدة ممسوخة تتغنى بالملوك والاستعمار والولاء للخارج والافكار المنحرفة».
وألقى النشمي باللوم على النخب المثقفة التي وصفها بـ»العاجزة والكسولة في الدفاع عن قضايا الشعب وانكفاء بعضهم وترك المجال أمام مثقفي الفضاء الالكتروني الزائفين أو الركض خلف المناصب والمنافع وبالتالي يمكن القول أن النخب الثقافية لا تمارس اليوم دورها التقدمي والتأثير الايجابي وأصبحت الجهود مبعثرة ويحاول البعض أن يواجه هذه الموجات ولكن الأمر يتطلب وقفة جادة وجماعية ومسؤولة».
صراعات وتناقضات مهدت للجمهورية الأولى
ويسلط الدكتور سيف عدنان القيسي (استاذ في الجامعة العراقية/ كلية الاداب) الضوء على العديد من العوامل التي ساهمت في انهاء النظام الملكي وقيام الجمهورية.
يقول القيسي، إن «تاريخ العراق المعاصر حافل بالأحداث والتغيرات العميقة التي رافقت الدولة العراقية منذ تشكيلها عام 1921. كما ساهمت الطبيعة المأزومة للنظام السياسي في العهد الملكي ببلورة الحراك الذي اسقطه وأزاله، حيث أن التراكمات والمخاض السياسي والاقتصادي والاجتماعي أدى الى تفجير الثورة وإحداث التغيير المدوي»، مشيرا الى أن «النظام الملكي جاء بتشكيلة من قبل البريطانيين، وأصبح هنالك دار المعتمد البريطاني، ومؤسسة القصر، ومجلس الاعيان والنواب والشخصيات المخضرمة التي اغلبها من الضباط الشريفيين الذين زامنوا الملك فيصل في الثورة العربية الكبرى في عام 1916. لذلك نلاحظ ان الـ39 عاما وهي عمر النظام الملكي، لم تكن هناك ديمقراطية حقيقية، انم بقيت الأسماء السياسية تتكرر وتتعاقب على ادارة دفة السلطة ومنهم مثلا نوري سعيد الذي ترأس 14 وزارة، وفي المرات التي لم يكن فيها رئيسا صار وزيرا للخارجية، حيث ان هذا السلوك السياسي أوصل رسالة إلى العراقيين بأن التغيير من قبل هؤلاء أمر مستحيل».
متغيرات عالمية وجمود سلطوي
ويمضي الاستاذ والباحث بالقول: «اضافة الى تلك التناقضات، فإن فترة الخمسينيات التي ولدت ثورة 14 تموز، كانت حافلة بالمتغيرات العالمية وصعود حركات التحرر في المشرق العربي وإفريقيا ومناطق أخرى من العالم. وبدلا من أن يخفف النظام الملكي قيوده وعلاقته ببريطانيا المرتبطة بمعاهدة 1930 التي شارفت على الانتهاء، أتجه إلى تنفيذ خطوة جديدة لتكبيل الحركة الوطنية بمراسيم إرهابية حملت اسم نوري سعيد، حيث شملت حملاتٍ لحظر عمل الأحزاب السياسية واغلاق الصحافة والبدء بموجة اعتقالات طالت القوى والشخصيات الوطنية التي كانت تطالب بالإصلاح. لذلك فإن النظام لم يستوعب المتغيرات التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية، وبدلا من تخفيف سيطرة بريطانيا التي كانت تعاني وتفقد قوتها تدريجيا، ذهب النظام الملكي إلى ربط البلاد بمعاهدات مع لندن مثل حلف بغداد عام 1955 وتشكيل الاتحاد الهاشمي ردا على الاتحاد العربي بين مصر وسوريا وضعف التكافؤ فيه وتحمل العراق اعباء اضافية ومنها تكاليف مادية للأردن وغيرها».
ووفقا لتحليل القيسي، فإن «الحراك الاجتماعي آنذاك لم يكن بمعزل عن الحركات التحررية والمتغيرات العالمية وكانت لديه علاقات بالمؤسسة العسكرية التي أخذت زمام المبادرة لتغيير النظام على ايدي جنود وضباط أتوا من رحم المجتمع الذي يعاني الفقر والحرمان والجهل. لقد كانت هناك فجوة عميقة بين من يحكم البلاد وغالبية الشعب، وحتى طلبة الاعدادية والجامعات كان عليهم الحصول على شهادة فقر من المخاتير ليتسنى لهم الحصول على الكتب بشكل مجاني»، منوها بأن «النظام كان مطمئنا للجيش، وحاول ارضاء قادته والرتب العليا فيه بعد أن اقترح المفتش البريطاني (رنتن) تسريح فرقتين كاملتين، الأمر الذي دعا الوصي عبد الاله الى الاهتمام بهم من خلال الرواتب المغرية والأراضي وحاول جعل ألا تكون المؤسسة العسكرية طموحة لتغيير النظام مثلما حصل في مصر. ولكن الرتب الأدنى والجنود الذين التحقوا بالجيش بعد الخدمة الالزامية كانوا يمثلون مناطق الفقر والحرمان، واضافوا الى التناقضات الاجتماعية وساهموا في تعجيل انهاء التدهور الاقتصادي والدمار الذي يحيط بالبلد، ليحدث بذلك نوع من التفاعل بين المؤسسة العسكرية وجنودها وطبقات المجتمع الفقيرة، اضافة إلى أن القوى السياسية التي عانت من مراسيم نوري سعيد اتجهت الى العمل السري واحترفته مثل الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال والحزب الشيوعي العراقي ومستقلين وآخرين غيرهم حيث عملوا على توحيد أهدافهم بجبهة الاتحاد الوطني التي شكلت عام 1957 ودعوا إلى الخروج من حلف بغداد واقامة نظام ديمقراطي وبعث حياة حزبية تعددية».
ثورة وليست انقلابا
ويشير الدكتور سيف عدنان القيسي إلى أن «الزعيم عبد الكريم قاسم وحتى لا تكون الثورة مجرد انقلاب عسكري، راح يفتح قنوات للتواصل مع الأحزاب السرية بشكل منفصل، حيث تواصل مع كامل الجادرجي والحزب الشيوعي العراقي وحزب الاستقلال وأبلغهم بالاستعداد للمرحلة القادمة». ويعتبر القيسي أن حدث 14 تموز هو ثورة بامتياز، لانه «غيّر نظام الحكم بشكل جذري وحقق الكثير من الانجازات ومنها الخروج من حلف بغداد والمنطقة الاسترلينية وألغى الإقطاع الذي كان يمثل اكبر عقبة تواجه المجتمع وخصوصا في الوسط والجنوب، وهذا اعطى فرصة للعراقيين بالخلاص من سطوة الاقطاعيين وسلطانهم الذي كان جاثما على نفوس الفلاحين لسنوات طويلة، اضافة إلى أن الثورة اوجدت حياة ديمقراطية حقيقية بعدما كانت الحياة البرلمانية التي شرعها النظام الملكي عام 1925 شكلية وغير واقعية وفيها تدخلات واضحة من قبل وزارة الداخلية. فبعض الاشارت تتحدث عن فوز بعض الشخصيات بالتزكية وبحسب قربها من السلطة وليس وفقا للاقتراع وهذا ما حصل مع أحد الأشخاص بعدما تساءل عن طريقة فوزه بمقعد نيابي، لتخبره (المس بيل) بانه صديق للبريطانيين ولا داعي لأن يرشح نفسه ليفوز بذلك المقعد. أن هذا وغيره من الدلائل تشير إلى أن النظام السياسي كان بعيدا كل البعد عن الجماهير والقوى الوطنية وبالتالي كان من الطبيعي أن تنفجر الثورة من رحم المجتمع ضد ذلك النمط السائد». وأخيرا، يرى القيسي ان ثورة تموز ليست حدثا فوريا او تحركا عسكريا مفاجئا ضد النظام، بل جاء بعد مخاض عسير وحركات كبيرة مثل حركة مايس وانتفاضات 1952، 1956، 1958 التي توجت بالثورة».
ص4
14 تموز بين فرنسا والعراق
أحمد علي إبراهيم
كان سجن الباستيل وهو رمز القوة والقبضة الحديدية بيد ملوك فرنسا خالياً من السجناء حين اقتحمه المتظاهرون في الرابع عشر من تموز 1789 باعتباره رمزاً للاستبداد السياسي فجرت مواجهة عنيفة ودامية مع الحراس انتهت باستسلامهم والقاء القبض على محافظ السجن الماركيز «دي لوني» حيث تم قطع رأسه من قبل الجماهير المنتفضة وجابت به شوارع باريس التي أصبح « ماكسيمليان دو روبسبير « مسيطراً على الحكومة واتخذ من مجلس البلدية مقراً له وبدأ في القضاء على كل من اعتبرهم (أعداء الثورة) وشمل ذلك معظم زعماء الثورة الفرنسية حيث عرف ذلك بعهد الإرهاب فيما كان لا يزال يتمتع بتأييد المجتمع الباريسي ولذلك انتخب رئيساً للمؤتمر الوطني. لقد تحول روبسبير من ثائر إلى دكتاتور لا يعرف الرحمة والشفقة حتى مع أقرب الناس اليه فساق الآلاف إلى المقاصل حتى قيام رفيقيه باراس وتاليان بتجهيز قوة عسكرية لاقتحام مقره وسوقه مع مائة من اتباعه ثم إعدامهم جميعاً. لقد شهدت باريس مذابح وحرائق وقامت مجموعات مسلحة من الفلاحين في آب عام 1789 بمهاجمة النبلاء في قصورهم كما قامت الجمعية الوطنية بإلغاء نظام الاقطاع وحقوق الاقطاعيين في الأراضي الزراعية وفقدت الكنيسة والنبلاء جميع الامتيازات.
في 30 سبتمبر من عام 1791 وقع الملك لويس السادس عشر مرسوم الدستور الجديد لكن الفرنسيين عادوا للاحتجاج وقامت الحشود بمحاصرة القصر الملكي وحدثت مجزرة جديدة تم فيها ذبح الحراس وتوالت الأحداث، فبعد مجزرة قتل فيها ألف وأربعمائة مواطن الغي النظام الملكي وتم إقرار النظام الجمهوري وأصبح يوم 22/9/1792 تاريخاً للجمهورية الأولى.
في السادس عشر من كانون الثاني من عام 1793 تم إعدام الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري انطوانيت واستمر العنف حيث قطعت رؤوس ستة عشر ألف مواطن بتهمة معاداة الثورة وكانت العربات التي ينقل فيها المتهمون إلى المقاصل مكشوفة فيما يحتشد مئات الآلاف من الباريسيين لمشاهدة احتفالية الموت هذه.
اليوم يحتفل الفرنسيون بعد قرنين وثلاثة عقود من الزمن بذكرى ثورتهم التي انهت عهد الاقطاع ومثلت تاريخاً جديداً ليس لفرنسا وحدها وانما للبشرية جمعاء ارتباطاً بالتحول التاريخي الذي جاءت به الثورة الصناعية إضافة للمضامين المتعلقة بحقوق الانسان والحريات العامة. وبالتأكيد لا يمكن نسيان ما حصل من مجازر رافقت هذه الثورة إلا أنها مثلت للفرنسيين تلك الروح الحية التي انتفضت على الاستبداد وأسست فيما بعد وعبر سلسلة طويلة من الصراعات والانتكاسات والنجاحات ذلك الوهج المستمر الذي رسم ملامح فرنسا وجعلها موطناً للحرية تلك التي اعتبرها جان جاك روسو (صفة أساسية للإنسان وحق غير قابل للتفويت فاذا تخلى الانسان عن حريته فقد تخلى عن انسانيته وعن حقوقه كانسان).
بعد مائة وتسعة وستين عاماً حدث في العراق وفي مثل ذلك اليوم الذي انفجرت فيه الثورة الفرنسية 14 تموز حدث انقلاب عسكري ما فتئ أن تحول إلى ثورة عارمة خرج فيها الشعب العراقي كما لم يخرج من قبل مؤيداً التغيير الذي قاد إلى الغاء النظام الملكي وتأسيس الجمهورية ووسط هذا الهياج الشعبي قامت مجموعات من المتظاهرين بارتكابات لم يخطط لها لكنها كانت تعبيراً عن الحقد الدفين إزاء رموز النظام الملكي واختارت الجماهير أن تمثل في جسد شخصيتين فقط هما الوصي عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد حيث كان الرأي العام يحملهما مسؤولية الجرائم التي ارتكبت طيلة العهد الملكي. كما عبرت الجماهير عن غضبها بأسقاط تمثال الجنرال مود رمز الاستعمار البريطاني.
في صبيحة يوم الثورة قام ضابط متهور عرف بعدم اتزانه بقتل العائلة المالكة ولم يمثل أحد بجسد الملك وحاشيته باستثناء عبد الإله. كما قتل أحد المسؤولين الأردنيين فيما لم يعرف السبب الحقيقي وراء الجريمة حتى الوقت الحاضر، لكن المدونين ذكروا أن مقتله كان محض صدفة حيث خرج في ذلك الوقت المتوتر والمشحون عاطفياً وكأن من قتله أراد التعبير عن رفض مشروع الاتحاد الهاشمي الذي لم يجد فيه العراقيون سوى مشروع مناوئ للوحدة العربية التي قامت بين سوريا ومصر.
إن التغيير الذي حدث في 14 تموز عام 1958 لم يفاجئ أحداً فقد تشكلت جبهة الاتحاد الوطني من عدد من الأحزاب السياسية السرية والعلنية وكان ذلك تعبيراً عن رفض المجتمع للنظام السائد، كما أن حركة الضباط الأحرار كانت قد تشكلت منذ مدة طويلة وحاولت القيام بانقلابات عسكرية في أوقات متعددة، وقبل ذلك حدثت انقلابات من بين أهمها انقلاب بكر صدقي في عام 1936 والذي انتهى باغتياله فيما بعد في الموصل من قبل القوميين المتشددين، وانقلاب العقداء الأربعة في عام 1941 الذي انتهى باحتلال جديد للعراق حيث قامت القوات البريطانية الموجودة في قاعدة الحبانية بالزحف على بغداد والقاء القبض على قادة الانقلاب (الوطنيون من ذوي النزعة القومية) وتم إعدامهم وتعليقهم في ساحات العاصمة بغداد. ولم تكن الأوضاع مستقرة طيلة العهد الملكي فقد حدثت انتفاضات عديدة للفلاحين واعتصامات للعمال خسر فيها شعبنا العديد من ابنائه ضحية العنف الذي مارسته السلطة الجائرة، وشهد العراق انتفاضات في أعوام 1948 و1952 و 1956 وتم إعدام قادة سياسيين ومنتفضين و تعليق جثثهم في الساحات كما حصل في انتفاضة مدينة الحي او تعليق جثث قادة الحزب الشيوعي او قادة حركة مايس 1941، وخلال عمر النظام الملكي حدثت مجازر في حروب شنت ضد الثوار الأكراد وكذلك الجريمة الكبرى التي ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف شخص في الحرب على الأشوريين عام ،1933 ومن المؤسف أن النظام السياسي كان يقلد ضباطه بالأوسمة والنياشين بعد كل معركة يخوضها النظام ضد معارضيه.
إن ما حدث في 14 تموز 1958 يعتبر في عرف الثورات لإنها من الثورات النظيفة حيث لم تسفك فيها دماء كثيرة إلا ما ذكرناه، وفي المقاييس والاعتبارات فأن المقاربة التاريخية بين الثورة الفرنسية والدماء التي سالت وبين الثورة العراقية كحدثين مهمين في التاريخ العالمي تدفعنا للتساؤل عن الكيفية التي تتصرف بها الشعوب إزاء مثل هذه الأحداث ففي حين أن الشعب الفرنسي ومفكريه وقادته على اختلاف توجهاتهم يفتخرون بثورتهم، نرى أن بعض السياسيين لا يجدون في ثورة 14 تموز وانجازاتها غير مقتل العائلة المالكة وهو عمل لا يقره منطق لكن لا يجب التوقف عنده ابداً وهو الأقل كلفة فيما تحقق من انجاز. كما أن البعض لا يزال يحمل ثورة تموز ما حدث لاحقاً بعد قيام الأنظمة الدكتاتورية وبعد الاحتلال في عام 2003 وهو تصور وتصرف لا يندرج تحت عنوان من الفهم الناضج للأحداث التاريخية.
من هنا تأتي خطوة وزارة الثقافة باختيار يوم باهت في حياة العراقيين وهو الانضمام إلى عصبة الأمم ليكون عيداً وطنياً لبلادنا فهو لا يحمل دلالات وطنية ولن يكون بديلاً عن ذلك الحدث الهائل الذي خرج فيه العراقيون على اختلاف تمايزاتهم مرحبين بزوال نظام العبودية والصرائف والفقر والأمية والفساد الذي يراد عدم تذكره مع ان جميع من حكم البلد ابتداءً من الملك إلى أصغر مسؤول قد حاز على الأموال والأملاك والأراضي بطرق غير مشروعة.
لم يكن انضمام العراق لعصبة الأمم لنيل استقلالٍ شكلي من دون ثمنٍ باهض فقد أُلزم العراق بتوقيع معاهدة 1930، هذه المعاهدة التي نقلت العراق من حالة الانتداب التي كان عليها إلى وضعية الاحتلال الشامل حيث منحت التاج البريطاني إضافة لقواعد عسكرية في الجنوب وفي شمال بغداد الحق في التدخل الكامل بشؤون العراق وسياساته الإقليمية والدولية وربطت اقتصاده وكل ما يتعلق بالتجهيزات العسكرية بالبلد المحتل بريطانيا ولمدة خمسة وعشرين عاماً. وحين قاربت الاتفاقية على الانتهاء أدَخل النظام الملكي نفسه في حلف السنتو المعروف بحلف بغداد حيث أصبح العراق طرفاً في الأحلاف العسكرية وصراعات الدول العظمى.
وللأسف ينبري البعض من المثقفين بالدفاع عن سياسات نوري السعيد على أنها اجتهادات حصلت من اجل العراق ومصالحه كما لو أن الدول ما كان لها ان تبنى من غير علاقة غير متكافئة مع بريطانيا تتنازل فيها الدول عن سيادتها وحقوق شعوبها.
ستظل ثورة 14 تموز غرة في الجبين الناصع لزعيم نزيه عفيف وستبقى مخلدة في ضمائر العراقيين مهما طال الزمن وسيحتفلون في كل عام فهي عيدهم الوطني الكبير.
الثورتان في 14 تموز: مسارات التحرر والتغيير
أسامة عبد الكريم
تشترك ثورة 14 تموز 1958 المجيدة في العراق وثورة تحرير سجناء الباستيل في فرنسا بتاريخ رمزي وهدف مشترك يتمثل في التحرر من الظلم والاستبداد. في 14 تموز 1958، أطاح الجيش العراقي بالنظام الملكي وأعلن الجمهورية، معيداً السلطة إلى الشعب بعد فترة طويلة من الفساد والتبعية الاستعمارية. بالمثل، في 14 تموز 1789، اقتحم الثوار الفرنسيون سجن الباستيل، معلنين بداية الثورة الفرنسية التي أنهت الحكم المطلق وأسست مبادئ الحرية والمساواة. كلتا الثورتين تعكسان رغبة الشعوب في تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية.
يحتفل الشعب الفرنسي بمرور 235 عاماً على تحرير السجناء من سجن الباستيل في 14 يوليو 1789، وهو حدث ذو أهمية كبيرة في سياق نظريات كارل ماركس وفريدريك إنجلز حول الثورة والصراع الطبقي. يعتبر اقتحام الباستيل لحظة محورية في الثورة الفرنسية، حيث يرمز إلى انتفاضة المضطهدين ضد الطبقة الحاكمة، ويتماشى هذا مع رؤية ماركس للمادية التاريخية، حيث يعتقد أن الصراعات الطبقية هي القوة المحركة وراء التطورات التاريخية. رأى ماركس في الثورة الفرنسية مثالاً حاسماً لصمود البروليتاريا ضد البرجوازية، ويمثل اقتحام الباستيل بداية سيطرة الجماهير وتفكيك هياكل القمع. كما أن تحرير السجناء من سجن الباستيل في 14 يوليو 1789 وعلاقته بكومونة باريس 1871 يمكن فهمهما في إطار الصراع الطبقي الذي ناقشه ماركس. تحرير الباستيل كان رمزاً لبداية الثورة الفرنسية، حيث انتفض الشعب ضد النظام الملكي القمعي، بينما كانت كومونة باريس محاولة من الطبقة العاملة لتشكيل حكومة مستقلة بعد هزيمة فرنسا في الحرب الفرنسية البروسية. في كلتا الحالتين، يعكس الحدثان جهود الطبقة العاملة لكسر القيود القمعية والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية، وهو ما يتماشى مع رؤى ماركس حول الثورات كأدوات للتغيير الطبقي. ثورة 14 تموز 1958 المجيدة جاءت كضرورة تاريخية بسبب التراكمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عانى منها الشعب العراقي تحت النظام الملكي. النظام الملكي كان مرتبطاً بالاستعمار البريطاني وعاجزاً عن تحقيق الإصلاحات المطلوبة لتحسين حياة المواطنين. هذا الوضع أوجد حالة من الغضب الشعبي والاستياء العام، مما أدى إلى تحرك الجيش بقيادة عبد الكريم قاسم لتنفيذ الثورة. كانت الثورة نقطة تحول في تاريخ العراق، حيث أنهت الحكم الملكي وأعلنت الجمهورية، محدثة تغييرات جذرية في الهيكل السياسي والاجتماعي للبلاد.
ثورة الباستيل في 14 تموز 1789 وثورة العراق في 14 تموز 1958 هما حدثان تاريخيان مهمان، لكل منهما تأثيراته الاجتماعية والثقافية والسياسية رغم الفارق الزمني. ثورة الباستيل كانت جزءاً من الثورة الفرنسية، التي هدفت إلى إنهاء النظام الملكي الإقطاعي في فرنسا، وتحقيق المساواة بين الطبقات الاجتماعية، وإلغاء امتيازات الطبقة النبيلة ورجال الدين. قدمت الثورة مفاهيم حقوق الإنسان والمواطن، وأدت إلى تغييرات كبيرة في الحياة الثقافية والفكرية بفرنسا، مع تعزيز قيم الحرية والعقلانية.
من ناحية أخرى، ركزت ثورة 14 تموز 1958 المجيدة على توزيع الأراضي وتحسين الأوضاع المعيشية للفلاحين والعمال، وتحسين الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية للجميع. كما عززت الهوية العراقية والثقافة الوطنية، وشجعت على الإنتاج الفني والأدبي الذي يعكس التغيرات الاجتماعية والسياسية. تم تطوير وسائل الإعلام والثقافة الجماهيرية، وشهدت البلاد تغييرات في البنية السياسية، بما في ذلك محاولات لبناء نظام سياسي يعتمد على القومية والوطنية. بالرغم من بعض الاضطرابات السياسية والمشاكل الداخلية، كانت الثورة خطوة نحو تغيير النظام القديم وتأسيس دولة جديدة.
كلتا الثورتين كانتا تهدفان إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وإحداث تغييرات جذرية في النظام السياسي والثقافي. بينما كانت ثورة الباستيل بداية لمرحلة جديدة في التاريخ الفرنسي والعالمي مع تأثيرات طويلة الأمد، وثورة 14 تموز قامت لتحرير البلاد من النظام الملكي القديم وبناء نظام جديد يعكس طموحات الشعب العراقي في تلك الفترة.
ص5
رمزية إحياء الاحتفال
بذكرى تأسيس الجمهورية
د. تيسير عبد الجبار الآلوسي
لقد تتابعت محاولات الشعب العراقي مرات عديدة لإحداث التغيير المنشود في ضوء معاناته في ظل النظام الملكي ومنظومة إقطاعية مشوهة تحكمت به منذ ولادة الدولة العراقية، حتى جاءت ثورة 14 تموز لتكون الفيصل بين الملكية وما فعلته والجمهورية وما أسست له بتلك الثورة..
لقد أطلقت 14 تموز الحريات وشرعت بتحرير الشعب وطنيا والنهوض بثورة اجتماعية بخاصة مع تمكين المرأة قانونيا ودستوريا ومعها كانت الثورة الزراعية وخطوات انعتاق الفلاح وبشكل نوعي جوهري منحت الشعب حرياته وحقوقه، ومنها البدء بتوفير أسس العدالة الاجتماعية وإزالة الفقر والبطالة وتنشيط الصناعة الوطنية وتحرير البلاد من هيمنة شركات النفط وهي بالمجمل ما رسمت هوية الثورة وطريقها التحرري..
لكن محاولة تعميد المنجزات باتجاه استكمال المهام الديموقراطية بجانب ما أفضت إليه الثورة من تقويض سلطة الشركات وسطوتها قد أدى ذلك لحياكة جريمة اغتيال الثورة ولو جاء ذلك على حساب دماء ضحايا بالآلاف والملايين وهكذا بقيت الثورة ومضة ضوء عاشها الشعب فحفظها في الأفئدة والضمائر بذاكرة وطنية جمعية حية حتى يومنا.
إن محاولات طمس هذه الذكرى لا يقف بحدود تحجيم الاحتفال بها ولكنه يتجه لمحو ما أتت به من منجزات وطنية وتلك الاقتصادية الاجتماعية الكبرى فلقد سبق أن حاولت بعض القوى إلغاء ما أصدرت 14 تموز من قوانين وما أحدثته من متغيرات اجتماعية لكنها فشلت هذه المرة فأتى الفعل متخبطا بمحاولة إلغاء الاحتفالية من المستوى الرسمي ومن ثم الإمعان في مصادرة الإرادة الشعبية وتمسكها بتلك الاحتفالية.
ما ينبغي الالتفات إليه أن منتصف تموز بقي لآلاف سنوات العراق القديم احتفالا بالفرح والانتصار لحصاد ثمار ما زرعه الشعب وهو احتفالية سومرية كبرى لم ينسها العراقيون وتجددت لتلتقي مع المعاني السامية التي جاءت بها 14 تموز العراقية من قيم ومبادئ ومن متغيرات نوعية لا يمكن اختزالها كما يتوهم أعداء تلك الثورة بحدث فردي أو آخر لأن الحقيقة تكمن في اتساع وعمق إجراءات الثورة وطنيا بكل ما بقي حتى يومنا مرسوما بقوانين وبأداء ينتشر عطر أزاهير للمسرة والفرح وأنسنة وجودنا وتمكين الناس من أمنهم ومن السلم الأهلي والعيش بكرامة وحرية..
لهذا فإن إحياء ذكرى الثورة يكتسب أهمية عليا وأولوية في أوساط الشعب وقوى التنوير فيه دحرا لأية محاولة ظلامية تتوهم إمكان مصادرة إرادة الشعب وتشويه تاريخه الحديث المعاصر..
والمجد لـ 14 تموز تاريخا مشهودا يتجدد بمبادئه وقيمه الأسمى باحتفاليات تجدد العهد لإدامة التغيير نحو عراق ديموقراطي فيدرالي يحترم الإنسان وجوديا..
رجال دين يقفون ضد العنف
د. جاسم محمد الحافظ
شكلت ثورة 14 تموز الوطنية مثل غيرها من الثورات العظيمة التي أنجزتها الشعوب بخضم تاريخها النضالي العنيد للخلاص من الإستبداد، إنعطافة كبيرة في حياة شعبنا، وموضوعآ لجدل وصراع سياسي حاد في ذات الوقت، لاسيما بعد أن تبين إنحيازها التام لقضايا الفقراء والكادحين في بلادنا، وشكلت لهم حلماً جميلاً للخلاص من الجهل والفقر والأمية، وبعد أن ضربت مصالح الرجعية المحلية والإقليمية وألحقت بالمصالح الحيوية للرأسمالية العالمية في الشرق الأوسط وأحلافها الاستعمارية المشبوهة ومخططاتها الإستراتيجية، خسائر فادحة، منعشة الآمال في قوى حركة التحرر الوطني العربية.
ولا أعتقد أن شخصآ عاصر تلك الأيام المشحونة بالعاطفة الثورية، لا يتذكر المبادرات الشعبية العفوية لدعم الثورة وتوجهات قيادتها، حتى صدق الفقراء خيالهم بأن الزعيم الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم يطل على أكواخهم الرثة بأبتسامته العذبة من سطح القمر. كما سرت بينهم شائعة بعد أكثر من عقد على استشهاده، بأن الزعيم قد شوهد متنكرآ يؤدي مراسيم زيارة ضريح الإمام موسى الكاظم (ع).
لم يأت ذلك التأييد والإعجاب، وذلك الوفاء الخالص لهذه الثورة الفتية، من فراغ، بل جاء كردة فعل لما قامت به الثورة على صعيد انجاز الاستقلال الوطني وتوطيد الوحدة الشعبية والأخاء القومي وأنصاف الفقراء، والسعي لحل مشاكلهم المزمنة وأرساء مقدمات بناء حياة حرة وكريمة للمواطنين، وأصدار قوانين الإصلاح الزراعي وقانون النفط رقم 80، وهي انجازات دعت كل القوى المتضرره من نهجها التقدمي أن تصطف معاً في حلف غير مقدس للتشويش على الثورة ومناصريها ومن ثم إجهاضها.
وبسبب من غياب رؤية واضحة، اتسقت بعض القوى السياسية ومنها أحزاب الإسلام السياسي، من كلا الضفتين، مع الدعوات المناهضة للثورة وجماهيرها وشجعت أتباعها في مناطق نفوذها وبعض تجار سوق الشورجة بجمع التبرعات سراً لصالح العمل على إسقاط الثورة. كما أستدرجت وللأسف قيادات دينية كبيرة لتضع ثقلها الروحي ضد الثورة، مصدقة الإدعاءات الباطلة والمفبركة ضدها، كفرية تمزيق القرآن الكريم والغاء المهور وغيرها، مما أدى إلى إصدار فتوى، استغلها الإنقلاب البعثي الدموي في شباط عام 1963، فالحق بالشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين أذى كبيراً، وشكل غطاءً شرعياً للحاكم العسكري حينذاك رشيد مصلح، الذي أعدمه رفاقه البعثيون بتهمة التجسس لبريطانيا أوائل السبعينيات، لإصدار قرار رقم 13 سيئ الصيت، الذي أجاز للحرس القومي إبادة الشيوعيين في الشوارع، محدثاً ردود فعل دولية غاضبة وإضطراباً واسعاً بين المواطنيين العراقيين، ومنهم بعض علماء الدين المتنورين، كالشيخ عبد الحسن الساعدي.
ففي أحد الأيام، صادف وجود الشيخ عبد الحسن في مسجد في الرحمانية، كان الإمام فيه أخوه الشيخ صالح الساعدي ذو الميول القومية، الذي قام بإبلاغ الناس بعد الصلاة بمضمون الفتوى. فما كان من العالم الجليل الشيخ عبد الحسن إلاّ أن ينهض معترضاً على ذلك ومحذراً من مخاطر الفتنة، إذ لم تعد هناك عائلة عراقية خالية من تنوع السياسيين في صفوفها. كما أصدر الشيخ عبد الحسن وآخرون غيره من علماء الدين الذين اجتهدوا فأصابوا، بياناً في الصحافة المحلية فضحوا فيه اكاذيب البعثيين والقوميين من أن هناك من قام بتمزيق المصحف بعد أن تحرّوا بدقة عن الأمر واكتشفوا بطلانه.
ولم يمر سوى أسبوع، حتى حُرم الشيخ عبد الحسن من إمامة جامع حسين أبو الروح الكائن في منطقة الشورجة ببغداد، ومنع من استحصال مستحقات الزكاة والخمس والتبرعات الأخرى من تجارها. وقد أدى ذلك إلى أن يعيش شظف العيش، وأن يهاجر إلى قم ويموت فيها وحيداً غريبا، فقط لأنه أراد حقن دماء العراقيين وقال كلمة حق استرشاداً بوصية إمام الفقراء علي ابن أبي طالب (ع).
الرابع عشر من تموز.. ثورة الجيش والشعب
غانم الجاسور
الثورة بمعناها العام، هي وسيلة من وسائل القضاء على النظام السياسي القائم عن طريق القوة، ويرافق هذه الوسيلة إحداث تغيير جذري في طبيعة النظام السياسي الجديد، لذلك لابد وأن يصاحبه ثورة اجتماعية تستهدف حياة الناس الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية، وتؤدي إلى تغيير الوضع الطبقي للمجتمع وتعديل شكل الدولة، كما تستهدف علاقات الانتاج القديمة لتحل محلها علاقات جديدة وتحدث تغييرا جذريا في الظروف الاجتماعية وفي مؤسسات المجتمع العقائدية وحياتهم الفكرية. وهناك ثمة عوامل ذاتية وموضوعية ساهمت فعلا في تفجير ثورة الرابع عشر من تموز مع تنامى واستعداد الحركة الوطنية الجماهيرية ذاتها على تنشيط المهام النضالية، وهذا ما حصل في اليوم التموزي حيث انبرت حركة الضباط الأحرار إلى المبادرة وتوجيه الضربة الأولى في ذلك الصباح المشرق والسيطرة على أبرز المواقع الحساسة في بغداد واعتقال مجموعة ممن يمكن ان يعلنوا المقاومة.
وما ان اعلنت اذاعة بغداد البيان الأول للثورة حتى كانت شوارع العاصمة بغداد وساحاتها وعموم العراق قد امتلأت بأبناء وبنات الشعب العراقي ثائرين ومساندين انتفاضة الجيش وانقلابه على الطغمة الفاسدة عملاء الاستعمار والرجعية معبرين عن طموحاتهم والأهداف التي يريدون تحقيقها. لقد تحول الشعب الثائر في سويعات قليلة إلى ثورة شعبية جذرية عارمة، اذ بدأت الثورة مباشرة وبسرعة بتنفيذ ما التزمت به من أهداف أساسية فكانت منجزاتها الثورية الأولى منجزات لا تتحقق إلا في اللحظات الثورية واستنادا إلى مزاج ثوري وشعبي شامل. وليس خافيا على المطلعين على تاريخ العراق الحديث ان الشعب العراقي بكافة انتماءاته القومية تمرس في النضال وتاريخه مليء بالدروس النضالية وقد قدم الكثير من التضحيات وحقق الانتصارات في أشرس معاركه ضد الحكومات المتغطرسة العميلة، وأن هذه التجارب النضالية تجعل الشعب العراقي قادرا ومتمكنا من مواصلة النضال بلا هوادة لتحقيق أهدافه النبيلة وطموحاته في الحياة الحرة الكريمة، وهذا الصباح الذي أصبح عيدا وطنيا شاملا يحتفل به كافة ابناء الطيف العراقي كل عام لأنه كان يوما يختلف عن باقي الأيام حيث انبثق نوره مع بزوغ الشمس.
لقد احتلت ثورة (14 من تموز) مكانة مهمة في التاريخ السياسي المعاصر بغض النظر عن مدى تطابق ذلك مع نظرتنا الفلسفية والفكرية، فهي واحدة من أهم معلمين من معالم العراق الحديث فاذا كان المعلم الاول متمثلا بتأسيس الدولة العراقية قد نقل العراق من المجتمع الزراعي المتشظي إلى المركزية الحديثة، فإن المعلم الثاني المتمحور حول تأسيس النظام الجمهوري في ذلك اليوم الأغر أرسى الأسس المادية لنهضة حضارية ومشروع حداثوي وضع العراق على سكتها بما يتلاءم وواقع التطور لقواه المنتجة آنذاك.
وفي كل عام وفي مثل هذه الايام التموزية ورغم حرارة الصيف اللاهب ونقص حاد في تجهيز التيار الكهربائي للمواطنين. يحتفل الشعب العراقي بكافة تلاوينه احتفالا حارا وكبيرا يليق بالحدث الجلل، ويقف أبناء هذا الشعب النبيل ليستعيدوا ذكريات نضالهم الشاق الطويل وتضحياتهم الجسام وانتصار الحق على الباطل، لقد كان الشعب قبل الثورة تحكمه شلة فاسدة من الشيوخ والاقطاع والمستغلين من عملاء الاستعمار والرجعية، تحتقر الانسان العراقي ولا تؤمن باي حق من حقوقه، ولا يهمها سوى استغلاله واذلاله وامتصاص دماء الأبرياء من أبنائه، وجني أكثر ما يمكن من الأرباح على حساب دمه وتعب السنين، وكان معظم أبناء الشعب من الفقراء يعيشون على الكفاف وفي أسوأ الظروف المادية ويخضعون لعملية ترويض عنيفة تستهدف حريتهم وكرامتهم بالكامل وحقوقهم الأساسية، وكان أبناء الشعب غرباء في وطنهم فيما عدا الطبقة الحاكمة المرفهة، يعيشون ويعانون مختلف انواع القهر الاقتصادي والاجتماعي والفكري ويقاسون ذل الفاقة والحرمان والاستبداد وعليهم كل الواجبات وليست لهم حقوق يتمتعون بها، وأجهزة الدولة بكل مفاصلها ليست سوى أجهزة قمع واضطهاد وترهيب.
لقد سجل الأسلوب الذي مارسته الحكومة من قمع للانتفاضات العمالية والفلاحية في عموم البلاد انعطافا في سياسة الحكم في العراق اذ لم يعد يكفيها ما كانت تمارسه من أساليب دكتاتورية استبدادية تحت ستار نظام برلماني مزيف شوهت فيه جميع مفاهيم الحكم الدستوري الديمقراطي المقرر نظاما للحكم في العراق بعد أحداث ثورة العشرين، فأخذت تمارس الاستبداد السافر في ظل الأحكام العرفية وحالة الطوارئ وسياسة اصدار المراسيم، ومرد ذلك تصاعد الوعي الطبقي والوطني ونمو الحركة الوطنية المنظمة وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي والقوى الوطنية التقدمية، وهو ما كانت تفتقر اليه حركة شعبنا في عهد الاحتلال والانتداب، فمستوى تطور وعي وتنظيم حركتنا الوطنية لم يعد يسمح بالتردد في النضال والمهادنة مع المحتل .
كانت البلاد خاضعة للاحتلال الاجنبي، والمحتل وجلاوزته يتصرفون ويقررون مصير الشعب ويفرضون عليه احكاما جائرة ويستغلون خيراته ويقيمون القواعد العسكرية متى ما يشاؤون وأين ما يريدون على أراضينا ويكبلون شعبنا بمختلف الأصفاد والقيود والأغلال والمعاهدات رغم إرادتنا.
وأمام كل هذه الظروف القاسية والتهميش كان الشعب العراقي يتحرك نحو كسر قيوده وينتفض كلما سنحت له الفرصة، مرات ومرات.. حتى جاء ذلك اليوم الموعود وإذا بالقيود تتكسر والأصفاد تتحطم وتتناثر. واذا بالصرح العتيد الذي بناه الاحتلال والرجعية على الظلم والجور يتهاوى تحت أقدام الجماهير الثائرة تاركا خلفه أسوأ الذكريات ومؤكدا حقيقة طالما اكدتها احداث التاريخ وهي ان لا حياة إلا للشعوب الثائرة المنتفضة التواقة إلى الحرية والأمان والعيش الرغيد ..وكان للحزب الشيوعي العراقي دور كبير في مجريات أحداث الثورة وعلى دراية تامة بموعد وانطلاق القطعات العسكرية للقيام بالحدث الأكبر، وبذلك عبأ كوادره وجماهيره حتى انطلقت الجماهير الغفيرة كالإعصار صبيحة هذا اليوم الاغر، من كافة الأعمار والفئات إلى الشوارع في بغداد والمحافظات وتحولت إلى ثورة شعبية هائلة قضت على رموز النظام الملكي البائد والمحتل وأذلت الاقطاع وقصمت ظهر الاحتلال والرجعية.
ونحن نستعرض هذه الاحداث من ثورة (14) تموز نجد ان ما تحقق رغم جسامته لا يمكن ان يأخذ معناه الحقيقي الكامل الا إذا نجحنا في خلق الانسان المواطن الثوري الجديد جسميا وفكريا، وخلق مثل هذا الانسان لن يكون بالموعظة والارشاد وحسب وانما بتهيئة أكثر ما يمكن من ظروف مادية واقتصادية واجتماعية سليمة وأجواء فكرية ونفسية نقية تجعل هذا الانسان العراقي قادرا على فهم دوره وانتمائه في معترك الحياة الجديدة وإدراك مسؤولياته الضخمة والقيام بواجباته تجاه وطنه وشعبه.
وأخيرا، إن القرار الذي اتخذه البرلمان وصوت عليه بشطب الرابع عشر من تموز من قانون العطل الرسمية هو هجمة دنيئة شرسة تضافرت عليه القوى الرجعية وأيتام النظام البائد، ونجد من يحاول في مناسبة وأخرى النيل من أعظم ثورة حققها العراقيون في تاريخهم الحديث وهي ثورة الرابع عشر من تموز مع الجماهير المنتفضة من خلال الطعن بأحداثها ورجالاتها من جهة، وبتمجيد النظام الملكي العميل وأزلامه وتنزيههم من جهة أحرى.
إن يوم الرابع عشر من تموز محتسبا عيدا وطنيا بكل المقاييس يحتفل به أبناء الشعب من أقصاه إلى أقصاه بكافة انتماءاتهم العرقية والقومية، وإن الغاءه قرار مجحف بحق الثورة وتاريخ الشعب العراقي، وحقيقة ثورة الرابع عشر من تموز ستبقى، والاحتفال بذكراها واجب وطني مقدس ودين كبير في الأعناق وأنشودة يتغنى بها الشعب العراقي كل عام.
ص6
الفلاح والريف في ظل الثورة
عبد الكريم عبد الله بلال
يقول الدكتور حنا بطاطو في رسالة الدكتوراه المقدمة إلى جامعة هارفرد في الولايات المتحدة الامريكية في العام ١٩٦٠ والمعنونة الشيخ والفلاح ١٩١٧-١٩٥٨ عن الفلاحين العراقيين، إن الغالبية العظمى منهم ينتمون إلى تلك الطبقة الفقيرة من المزارعين في العراق والتي تعرف باسم )الطوايف(فهم العمود الفقري للبلاد لكنهم يكدحون وبالكاد يعيشون، ودشاديشهم الممزقة هي الملبس الوحيد الذي يمتلكونه، ويتكدسون في أكواخ من الحصائر والطين سوية مع جواميسهم أو أبقارهم، وغذائهم عبارة عن قليل من التمر والعدس يضاف إليه الشعير أو الرز وأشياء قليلة أخرى، ورفيق الفلاحين الدائم هو دودة الانكلستوما التي يقول عنها الأطباء انها تؤدي إلى فقر الدم الحاد وتقلل من القدرة على العمل.
السؤال الذي يطرح، كيف وصل الفلاح العراقي إلى هذا الحال؟ وهنا يمكن أن نتتبع مسألة الأرض ومن يتحكم فيها في العهد الملكي، فبموجب القوانين المتحكمة بمسألة الأرض ومنها قانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٣٢ قانون تسوية حقوق الأراضي الذي أعطى الحكومة الحق لتسوية صنف الأراضي إلى الأراضي المملوكة والأراضي الموقوفة والأراضي الأميرية وهي أربعة أصناف اما مفوضة بالطابو أو ممنوحة باللزمة أو أميرية صرفة وكذلك الأراضي المتروكة، وقد حددت آليات تسجيلها في الدوائر الحكومية فمن يجلب الشهود أنه كان يستغل الأرض الممنوحة باللزمة لمدة عشر سنوات سابقة تسجل باسمه، وأكيد أن شيوخ العشائر قاموا بجلب الشهود مع فساد الموظفين وتفشي المحسوبية والمنسوبية وسجلت بأسمائهم زوراً والذي قام أيضاً باستغلال الأرض المفوضة بالطابو مدة خمسة عشر عاما سابقة لصدور قانون التسوية أيضاً تسجل باسمه، وهكذا استولى الشيوخ والإقطاعيون على الأراضي الممنوحة باللزمة وهي أصلا مقررة لكامل القبيلة أو العشيرة سكناً وزراعة )حسب نظام الديرة) منذ العهد العثماني، ومن خلال هذا القانون والقانون الذي سبقه والداعم له قانون نظام دعاوي العشائر المدنية والجزائية وتعديلاته الصادر عام ١٩١٨ تم الاستيلاء على الأراضي الزراعية بالمجمل فأصبحت مجموعة من السكان لا تتجاوز نسبتها من عدد السكان ١ بالمائة تستولي على ٧٥ بالمائة من الأراضي الزراعية، ومثال ذلك في العمارة ١٨١ ملاكا يسيطرون على ٣٦٤٧٧٩٣ ثلاثة ملاين وستمائة وسبع واربعين ألف وسبعمائة وسبعة وثلاثين دونما، وكذلك في قضائي الشامية وأبو صخير يسيطر عليها فقط ١١٥ من الملاك، في حين أن عدد العاملين في القطاع الزراعي حسب الإحصاء الزراعي للعام ١٩٥٢-١٩٥٣ يبلغ ١٤٠٠٨٥٢، يلاحظ من ذلك الفرق الشاسع في العدد أنهم يعملون لدى الملاك والإقطاعيين الذين يقبضون على الأرض بأيد غير منتجة و حسب نظام المحاصصة ووفق نظامين الأول وفق نسبة الثلث في حالة أن الفلاح يتحمل التكاليف مثل البذور وغيرها وكذلك نسبة الربع في حالة عدم تحمل التكاليف، وفي الحالتين هناك استقطاعات لصالح الملاك والاقطاعيين مثل حصة المضيف والسركال والحراسة وغيرها، وفي النتيجة لن يحصل الفلاح إلا على الفتات المتبقي في الأرض وكما يقولون ) المسطاحة ( ويبقى مديونا لصالح المالك والاقطاعي، واذا حاول ترك الأرض يسجن بموجب قانون دعاوي العشائر يضاف لهذا عمل السخرة في كري الأنهر والمبازل وما يحتاجه الاقطاعي من أعمال أخرى مع البناء في المعسكرات الانكليزية ودون اي مقابل او مردود مع عدم توفر الخدمات اللازمة في الريف من طرق وجسور ومستوصفات ومدارس وغيرها.
هذه الصورة المظلمة والواقع المزري الذي يعيشه الفلاح وعموم الريف العراقي هي من دفع الفلاحين في صبيحة يوم ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ إلى الوقوف معها صفاً واحداً ومؤازرتها، وقد أوفت الثورة وقادتها بالوقوف مع الفلاحين، وحيث كان لحزبنا الشيوعي العراقي وتنظيماته المنتشرة في عموم العراق الدور المشرف في تحقيق الكثير من الانجازات ومنها في يوم ٢٧ تموز ١٩٥٨ حيث صدر الدستور المؤقت وقد نصت المادة ١٤ منه على أن الملكية الزراعية تحدد وتنظم بقانون وفي اليوم التالي اي يوم ٢٨ تموز اي بعد مرور ١٤ يوما فقط على انبثاق الثورة أصدر مجلس الوزراء قراراً واستناداً إلى المادة ٩ من الدستور المؤقت والتي تنص على أن المواطنين سواسية أمام القانون في الحقوق والواجبات، و قرر الغاء قانون نظام دعاوي العشائر المدنية والجزائية وتعديلاته وذيوله. وهنا لابد من الاشارة إلى القرار الذي أصدره في ذات الوقت السيد وزير الزراعة الاستاذ هديب الحاج حمود بأن تكون قسمة الحاصل مناصفة عدا الحالات التي تكون فيها للفلاح حصة أكثر فأنه يأخذها ووفق المرسوم رقم ١ لسنة ١٩٥٤. وليستمر العمل على تغيير واقع الريف والفلاح العراقي فقد شكل مجلس الوزراء لجنة برئاسة السيد وزير الزراعة الاستاذ هديب الحاج حمود ومجموعة كبيرة من ذوي الاختصاص لإعداد قانون للإصلاح الزراعي وقد عملت اللجنة على ذلك وكان ذلك لأسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية.
ففي الجوانب الاجتماعية ينظر في تحقيق المساواة وازالة اللامساواة والغاء السخرة والتخلص من الظلم الاجتماعي وسوء توزيع الدخل بسبب سوء توزيع الملكية، وكذلك القضاء على النظم والأعراف والارتباطات القبلية والعشائرية.
اما في الجوانب الاقتصادية فهو يهدف إلى إضعاف تعلق فئة كبار الملاكين بالأرض الزراعية الملكية بشكل عام وتمركزها وتخصيص الجزء الأكبر من دخولهم لامتلاك أراض جديدة إلى القطاعات الانتاجية القومية الاخرى وهذا يعني العمل على كبح جماح رأس المال في شكل ملكية عقارية، إضافة إلى تحسين دخل المنتجين ورفع قدرتهم الشرائية وزيادة ميلهم الادخاري الذي يسهم بشكل او بآخر في تطوير الانتاج.
أما من الناحية السياسية فأن غاية القانون في هذا الجانب هي السعي إلى تجريد الإقطاع من نفوذه الواسع والحد من سلطته وتقليص امكانياته المادية والقضاء على الصراعات الطبقية الناجمة من العلاقات الاستغلالية التي تدعم أنظمة الحكم الاستعمارية، كما يساعد في تعبئة الفلاحين سياسياً وجماهيرياً.
لذلك كله انجزت اللجنة عملها وصدر القانون رقم ٣٠ في الأول من أيلول من عام ١٩٥٨ بإعلان ذلك من قبل رئيس الوزراء الشهيد عبد الكريم قاسم وكان له صداه في الريف والمدينة حيث بلغ عدد المستفيدين من القانون وممن حصلوا على قطعة ارض أكثر من ٤٠٠ ألف عائلة فلاحية ولم تستثن المرأة منها في التوزيع.
واستمرت الثورة وقيادتها في دعم الفلاح والريف من خلال تطوير الديمقراطية وهنا وقبل صدور قانون الجمعيات الفلاحية كان لرفاقنا الشيوعيين دور متميز من خلال الفرق التي شكلت برئاسة سكرتاريي المحليات والكوادر المتقدمة في الحزب حيث انتقلوا إلى الريف يجوبون القرى من شمال العراق إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه حيث شكلت ثلاثة آلاف جمعية فلاحية وقد توج ذلك بصدور قانون الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية المرقم ٧٩ لسنة ١٩٥٩، وعلى الرغم من العراقيل التي واجهته فقد عمل الاتحاد ولازال يعمل حتى يومنا هذا كواجهة للفلاحين وللمطالبة بحقوقهم.
لم تكتف الثورة الخالدة بإصدار القوانين والنظم والقرارات والتعليمات التي تعيد للفلاحين حقوقهم المهضومة وأخذ دورهم في تطوير المجتمع بل عملت على تطوير البنى التحتية في الريف العراقي والتي تعمل على تطوير الاقتصاد الزراعي والفلاح العراقي وذلك من خلال بناء أربعة سدود هي دوكان ودربندخان واسكي في الموصل وأعالي الفرات كذلك قامت ببناء معملين أحدهما معمل الآلات والمعدات الزراعية والآخر مصنع الاسكندرية للجرارات الزراعية كما عملت على تطوير الصناعات التحويلية فقامت ببناء ٢٥ معملا للطحين و ١٤ معملا لكبس التمور ومعمل دباغة الجلود والسكائر في السليمانية والأسمدة الكيمياوية والورق في البصرة ومعمل ألبان أبوغريب مع آلاف المستوصفات والمدارس في أرجاء الريف مع تبليط آلاف الكيلومترات من الطرق الريفية واقامة القناطر عليها إضافة لمراكز النشأ الريفي ودعم المرأة الريفية في عموم الريف.
الفلاح وثورة ١٤ تموز
ماجدة الجبوري
لا زلت أتذكر حين كنت صغيرة، وأنا أشاهد والدتي وزوجات أعمامي ونساء القرية وهنّ يجمعن سنابل الحنطة والشعير لسدّ رمق أطفالهن، بل كنا نحن الأطفال نتسابق معهنّ في جمعها بخفّه وحيوية طفولية ونشعر بالسعادة والقوة حينها.
ثم تجلس أمي ليلاً وتفرك بيديها تلك السنابل، بعدها تصفّيها بطبق خاص نسجته من حشائش الحلفا وخوص النخيل، وبعد تصفيته من الشوائب تضعه في «الرحّى» وهي آلة يدوية ثقيلة الوزن عبارة عن حجرين يشكلان دائرة مفترقتين من الوسط، توضع الأولى على الثانية بشكل متواز ويتم إنزال المادة المراد طحنها من ثقب صغير وسطهما ويتم تحريكها باليد، وتطحنه عدة مرات ليصبح ناعماً.
تلك السنابل التي تجمعها نساء القرية هي ما تبقّى من فتات بعد الحصاد وأخذ المحصول من قبل المالك « الاقطاعي» وإعطاء الفلاح جزءا بسيط لا يكفي سد رمق عائلته.
وهنا لابد ان نذكر أن الفلاح لا يعمل وحده، بل يجنّد عائلته في زراعة الارض، يحرث وينظّف، ويسقي الأرض بطريقة بدائية متعبه ومهلكه، وبالتالي لا يحصل الاّ على القليل من ذلك المحصول، ليذهب إلى جيب الملاّك وعائلته.
أما العلاقة بين الإقطاعي والفلاح فهي معاملة تشبه معاملة السيد للعبد الذي يجب أن يكون مطيعاً ولا يتذمر يخدم الملاّك في أرضه وبيته ويعتني بحلالِه بسكوت وخنوع وإلا سوف تدور العصى على جسده النحيل.
لكن بعد ثورة ١٤ تموز تنفس الفلاح الصعداء، وصدر قرار أولي يقضي بإعطائه نصف المحصول، ثم تشكيل لجنة متخصصة لكتابة قانون الإصلاح الزراعي ليزيل حالة اللامساواة والتخلص من الظلم الجائر عليه.
وكانت الفرحة الكبرى للفلاحين يوم إعلان وولادة ذلك القانون، الذي يهدف إلى تحقيق الإصلاح الاجتماعي ويضمن العدالة، وتحرير أبنائه من الفقر وتخليصهم من الخوف والعبودية وإلغاء حكم العشائر الجائر.
ووفقاً للقانون امتلك الفلاح قطعة أرض زراعية بعقد رسمي ليعيش حراً ويجني ثمرة تعبه من أرضه الخاصة، كما تأسست جمعيات فلاحية مهمتها الدفاع عن حقوق الفلاحين وتحمي مصالحهم، وتساعدهم في تسيير أمورهم الزراعية وتقديم الخدمات لهم ليسهموا في رفع الإنتاج وتحسين الدخل الوطني للبلاد.
تبقى ثورة ١٤ تموز شعلة متوهجة في تاريخ العراق الحديث على مر السنين غيّرت مجرى تأريخه بتأسيس جمهورية العراق، وقضت على الملكية والتبعية للأجنبي.
تبقى ثورة ١٤ تموز ثورة وإرادة شعب متوهجة رغم أنف الطغاة والطائفيين وممن يحاول طمس هويتها.
سفرطاس أبو اِدعيّر
اهداء الى الزعيم عبد الكريم قاسم لمناسبة ثورة 14 تموز المجيدة
حسين جهيد الحافظ
عشگ مامر على اِبنادم
عبر عشگ المطر للگاع
أبو اِدعيّر نبي الطيبات
صاري...... وللسفينه اِشراع
بيرغ بيد الاِمهوسين
عالي ......وللطلب فزّاع
لا وأكثر بعد...
.وايزود مقياسك
يالساسك ذهب تيزاب
ما مر الدغش فد يوم يم ساسك
احساسك اعراق
اِمن الجبل للهور
يالغافي العراق اِبلبة اِحساسك
وهواسك محنه .
.ابكل ثنايا الروح وهواسك
صح مالك گبر ينزار فوك الگاع
بس گبرك چبير
اِبنص گلب ناسك
لحد هذا الوكت ...
والناس تحلم بيك
واِتعطر هواهه ابِريحة أنفاسك
وبعدهي وثوب عرسك طيف
تتباهه الزلم بعگال نوماسك
وبعدهي اِرموش أهلنه
اِبطيب ينگل طيب حرّاسك
سفرطاسك كرم
وانته البتت جوعان
لكن ناس ياما ناس
شبعت من سفرطاسك
كريم انته وكريم اِسمك
فرحان الكرم چي صار نبراسك
أبو اِدعيّر حلم كحل اعيون الطيف
هنياله الجفن لو بالحلم باسك
يالراسك علم ما طخ أبد فد يوم
لاگه الموت عالي ومرتفع راسك
لأن باسك أصيل وساعة المركاض
زينات الأصايل ما تصل باسك
صفرطاسك كرم
وانته البتت جوعان
وأطفال العراق أطفال..
رضعت من سفرطاسك
كرم والناس فرحه الناس
شبعت من سفرطاااااســـــــــــك
ص7
بضع وقفـات عند مسيرة
العميـد وصفي طاهـر ودوره واستشهاده
رواء الجصاني
تحدثت العشرات من الكتب والدراسات والوثائق، وماتزال، بهذه التفصيلات أو تلك، عن مواقف وأدوار وصفي طاهر، أحد أبرز قادة ثورة الرابع عشر من تموز (يوليو) العراقية عام 1958.. وقبل إيراد بعض الجديد عن الرجل، ينبغي القول على ما نعتقد، بان كثيراً مما احتوته الكتب والدراسات والوثائق المنشورة عنه بحاجة إلى تمحيص وتدقيق حريصين. وفي عودة للجديد الموعود عن الرجل نقول بأنه من مواليد 10 تموز 1918 ببغداد، من عشيرة البياتي العراقية العريقة في تاريخها وأصولها. فوالده، وجده من المساهمين والمؤسسين لطلائع جيش البلاد أوائل القرن الماضي.. وقد حاول وهو ابن السادسة عشرة أو السابعة عشرة التطوع مع مئات الشبان، وغيرهم، من بلدان العالم المختلفة، لمقاتلة الفاشية الإسبانية في الثلاثينيات الماضية. وقد استطاع ضغط العائلة في الساعات الأخيرة في منعه من تحقيق ما عزم عليه. تخرج الرجل من الكلية العسكرية ببغداد عام 1939 برتبة ملازم، ليتنقل، وينقل بعدها إلى مدن وبلدات في مختلف أرجاء البلاد، وتدرج في مهماته العسكرية حتى رتبة عقيد عند قيام الجمهورية، وليستشهد وهو برتبة عميد (زعيـم) في التاسع من شباط (فبراير) عام 1963. وقد رفض التمتع بأي قِدم إضافي في ترقياته، حينما كان مسؤولا ومقرراً ومعنياً بشكل كبيرعن تلك الترقيات للفترة 1958-1963..
* محطات من سجله العسكري
ويقول التسلسل الزمني لحياته العسكرية إن وصفي طاهر شارك في أحداث عام 1941 المعروفة بحركة رشيد عالي الكيلاني، ضمن القوات العراقية التي تشابكت مع القوات البريطانية في سن الذبان / الحبانية، وقد استطاع مع تشكيله العسكري التابع له، الانسحاب الناجح، والنجاة من الأسر الذي شمل الكثير من القطعات العراقية بعد خسارتها للمواجهات والمعارك التي دارت حينذاك. كما كان متحمسا للمشاركة في الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1948. وقد تم نقله، بناء على طلبه، إلى إحدى الوحدات الفعالة في فلسطين اعتباراً من 12/7/1948 ليعين آمراً لحامية «طوباز» بعد أقل من شهر على ذلك التاريخ. ثم شغل آمر سرية فوج «الشعراوية» وبعد ذلك مسؤولية السرية الثالثة لفوج «خالد ابن الوليد» وليتولى بعدها آمرية حراسة مقر القيادة العسكرية العراقية في تلك الحرب. وقد شارك، ضمن مختلف مشاركاته الفعلية الأخرى في الحرب، في تشكيل أول فصيل للمقاتلين الفلسطينيين خلف خطوط القوات المعادية. وكان حينها آمراً لرتل «فرعون» وساهم في معركة «الأشرفية» و»فرونة» بتاريخ 1/8/1948 وكذلك في معركة «جنين» الشهيرة... وقد كان معه في تلك الفترة الملازم (الشهيد في عام 1963) فاضل البياتي، وقد أصدرت القوات الإسرائيلية أمرا لعملائها باغتيال وصفي بعد العمليات الجريئة والمفاجئة ضدهم.. يعود الرجل إلى بلاده من الأردن وفلسطين بعد معايشة للأحداث والوقائع ومشاركته الفعلية فيها، ليحمل المزيد من الإصرار الثوري، والقناعة في ضرورة التغيير، وليبدأ هذه المرة بتحركات عملية في سياق النضال التحرري وذلك منذ عام 1950 حين انطلق في اتصالات عديدة، وليكون أحد ستة مؤسسين لحركة تنظيم الضباط الأحرار في العراق، والهيئة العليا لها بعد ذلك. وقد صرح لزوجته (بلقيس عبد الرحمن) وهي أمينة سره منذ ارتباطهما عام 1943 بأنه شخصيا من زكّى الزعيم (اللواء لاحقا) عبد الكريم قاسم أمام مسؤولي التنظيم، وقد أصبح لاحقاً رئيساً له، كما هو معروف. ووفقاً لشهادات وكتابات العديد من رفاقه، ومن مختلف الاتجاهات، كان وصفي طاهر لولب التنظيم ومحوره الفاعل طيلة سنوات. وقد قبل مهمة المرافق الأقدم لرئيس الوزراء عام 1953 وذلك لحساسية ذلك الموقع وفائدته لنشاطات تنظيم «الضباط الاحرار» في التهيئة العسكرية ضد النظام الملكي السائد آنذاك، ونجحت في 14 تموز (يوليو) 1958 من الاطاحة به.
* شهادات عن التمهيد لقيام الجمهورية
استمرت جهود وصفي طاهر بشكل مضاعف خلال السنوات الثلاث الأخيرة التي سبقت قيام إسقاط العهد الملكي، وخلال الفترة 1956-1958 تحديدا، ويعلمنا شهود عيان من أهل البيت، وخاصة من خلال ما سجلته بلقيس عبد الرحمن، أرملة الرجل، التي رافقت مسيرته تلك، أن قيادات الضـباط الأحـرار كانت تجتمع في دار العـائلة بمنطقة الصليخ في بغداد عامي 1957-1958، وكانت هي – بلقيس- بالذات من تعنى بمراقبة الأجواء الخارجية، وشهدت أحياناً ولعدة مرات، انعقاد اجتماعين في آن واحد، في غرفتين منفصلتين، أحدهما لعسكريين، والآخرى لمدنيين، ثم علمت من زوجها لاحقاً، أنهما كانا لقيادات من الضباط الأحرار، ولمسؤولين شيوعييـن، وكل على انفراد، وقد كان وصفي طاهر يتردد بين غرفتي الاجتماع في البيت، لنقل ومناقشة الآراء والملاحظات المتبادلة بين الجانبين اللذين لم يتفقا على عقد اجتماع مشترك لأسباب صيانية من جهة، وسياسية من جهة أخرى. ولم يكن يعرف تلك التفاصيل من الضباط، غير عبد الكريم قاسم ومحي عبد الحميد. وفي فترة التمهيد للثورة وقيامها في تموز 1958 تتحدث لنا المعلومات العائلية عن محاولة سبقت ذلك الموعد بشهرين، ولكنها لم تنفذ، وقد قام وصفي طاهر ليلتها بتوديع زوجته وتوصيتها بأن تفتح المذياع عند الساعة السادسة صباحاً، ولكن الرجل عاد بعد ساعات ليبلغها بتأجيل موعد الحركة. ثم عاد ليكرر الموقف ذاته ليلة الرابع عشر من تموز، وليبث راديو بغداد في الصباح الباكر البيان الأول... ثم يعود وصفي طاهر مساء ذلك اليوم ليبقى نصف ساعة فقط لطمأنة العائلة، والتوجه ثانية إلى وزارة الدفاع حيث تجتمع قيادة العهد الجديد وزعيمها عبد الكريم قاسم.
* عن مصرع نوري السعيد
ووفقاً لشهادات المصادر نفسها، ونقلاً عن وصفي طاهر شخصياً، انه كان مكلفاً باعتقال نوري سعيد، الذي نجح بالهرب من البيت، فجر 14/7/1958 بعد أن علم بتحركات عسكرية «مريبة». وفي اليوم التالي، وعند ورود خبر إلى القيادة بمقتل ذلك السياسي الملكي الأهم، في منطقة «البتاوين» ببغداد، ذهب وصفي إلى موقع الحدث ليجده قد فارق الحياة فأوعز بنقله ودفنه في مقبرة باب المعظم، ومن دون أن يطلق أية رصاصة، خلاف ما ذكر في مصادر مختلفة «مطلعة» أو مدعية. ثم جرى ما جرى بعد ذلك من إخراج الجثمان، والتمثيل به في ظل هياج شعبي غير مسيطر عليه، وذلك ما استثار غضب عبد الكريم قاسم، ووصفي طاهر، وعدد آخر من قيادات الثورة، مثلما استثارهم أيضاً إطلاق الرصاص على العائلة المالكة، وتصفيتها في قصر الرحاب، اذ كان من المتفق عليه بين قيادة تنظيم الضباط الأحرار تسفيرها إلى خارج العراق.. وهكذا تستمر الأحداث، ويبقى وصفي طاهر ملازماً لصديقه الشخصي، الزعيم عبد الكريم قاسم، مساعداً أول له، ومسؤولاً عن إدارة المقر الرئيس لقيادة الثورة، ولنحو عامين، ليبدأ بعدها العد التنازلي، ليس في علاقة الرجلين وحسب، بل وفي مجريات ومسيرة البلاد عموماً، إذ بدأت الدسائس تفعل فعلها، وبشكل محبوك من جانب المناوئين، والانتهازيين، وركاب الموجة، وفقاً لتقييمات وصفي، والذي أبلغ ذلك إلى قاسم صراحة، وبأمثلة ووقائع ملموسة، ولكن الأخير لم يعد ذلك الذي كان، وقد بات يحسب حساباته الخاصة، متفرداً في قراراته وإجراءاته دون استشارة احــد.
* مساع لمنع حدوث الكارثة
وفي موقف للتأثير في تلك الاحداث، حاول وصفي طاهر أن يعرب عن احتجاجه، وان يضغط بأساليب مختلفة لإصلاح الأمور، ومن بين ذلك انقطاعه عن التواصل مع زعيم الثورة، والاكتفاء بقضاء ساعات قليلة فقط، في المقر الرئيس بوزارة الدفاع، ليعود إلى البيت، متأثراً وعصبي المزاج مؤكداً أن ما يجري لا ينسجم مطلقاً مع ما اتفق عليه، وخاصة التفرد في القرارات، وعدم تسليم السلطة لمدنيين عبر انتخابات برلمانية. ولكن كل ذلك لم يمنعه من الاستمرار في «مهمته» الرسمية، وفي محاولات التأثير على عبد الكريم قاسم وتنبيهه لمكامن الخطر المحيق، ليس به وحده، وانما بمصير الشعب والبلاد عامة، ومن دون جدوى، فيستمر الحال على وضعه بل ويزداد تدهوراً، وحتى الأيام الأخيرة التي سبقت وقوع الانقلاب الفاشي في الثامن من شباط 1963.. وقبل يومين من ذلك التاريخ، يتصل عبد الكريم قاسم هاتفياً بوصفي طاهر في البيت، ليطلب منه الحضور العاجل، فيقوم الرجل بالذهاب مباشرة إلى المقر الرئيس بوزارة الدفاع، وليطلع على قائمة بأسماء الذين يهيئون لانقلاب عسكري والإجراءات الحاسمة المقررة تجاههم يوم السبت، التاسع من شباط 1963 ... غير أن الانقلابيين استطاعوا كما هو معروف استباق الأمر، والقيام بحركتهم الفاشية قبل ذلك بأربع وعشرين ساعة فقط..
* في يوم 8 شباط المشؤوم
وارتباطاً مع بعض تفاصيل الحدث الأبشع في تاريخ البلاد الحديث، وبعد ورود أخبار أولية صبيحة الجمعة الثامن من شباط عن تحركات الانقلابيين، انتقل وصفي طاهر على الفور إلى بيت عبد الكريم قاسم، لقيادة الموقف المقابل، وقد اتصل بعد ذلك من وزارة الدفاع ليطلب من زوجته أن تنتقل مع بناتهما الاربع إلى أحد بيوت الأقارب لمزيد من الأمان، بعد ان هاجمت فرق من المسلحين الفاشيين بيوت بعض القيادات العسكرية المؤثرة، ومنهم الشهيدان جلال الأوقاتي وفاضل عباس المهداوي.
وفي آخر اتصال هاتفي قال وصفي لزوجته إنهم يحاولون السيطرة على الموقف، ودعاها إلى الشجاعة والصبر، وكان ذلك عند الساعة الثامنة والنصف من مساء اليوم المشؤوم: الجمعة 8 شباط (فبراير) 1963. وفي حديث تلفزيوني عُرض عام 2007 بمناسبة الذكرى السنوية السوداء للانقلاب الفاشي، أكد أحد آخر عسكريين اثنين بقيا مع وصفي طاهر حتى اللحظات الأخيرة، وهو مرافقه الشخصي، نعيم سعيد، أن وصفي طلب منه، وكذلك من سائقه فيصل عذاب، وكانوا جميعا في مقرات وزارة الدفاع يقاومون الانقلابيين، طلب منهما ان يسلما نفسيهما، بعد وضوح النتيجة ونفاذ الذخيرة، ولأنه هو المطلوب أساسا. وحينما استدارا بعد ذلك بلحظات، سمعا صوت طلقة نارية أنهى بها وصفي طاهر حياته، كما كان قد قرر وأفصح عن ذلك، أمام زوجته، وأمام عبد الكريم قاسم بالذات، في أوقات سابقة، من أنه سيقاوم أية محاولة لاسقاط الثورة وسيحتفظ بآخر طلقة لنفسه. ويضيف المتحدث «نعيم» أنه و»عذاب» مددا وصفي طاهر، وأغمضا عينيه، وقاما بتسليم نفسيهما للانقلابيين. ومن المعروف كيف عرضت العصابة الانقلابية الفاشية الجثمان عبر التلفزيون لاحقاً لا لشيء إلا لإحباط عزائم المواطنين، المقاومين في حينها، وكذلك لطمأنة أنفسهم من الرعب الذي كان يحيط بهم من قيادات الجمهورية الاولى..
* سمات ووقائع شخصية نافذة
وأخيرا، وقبل نهاية هذا التوثيق الموجز، لمسيرة «رجل من العراق» حافلة بعطائها، وبإجماع حتى العديد من مناوئيه، لابد من التطرق إلى بعض سمات وصفي طاهر الشخصية، وقد عمدنا ان يكون الحديث عن هذا الأمر في ختام هذه السطور لكي لا تؤثر في موضوعية ودقة المعلومات، والسيرة، ليطلع عليها القراء والمتابعون. ومنها أن وصفي طاهر كان ذا شخصية نافذة ومتميزة بين عائلته، وأصدقائه ومعارفه، وقد غلبّ الشأن الوطني والعام دائماً أمام الذاتي والخاص، وقد كان برغم جديته، ومبدأيته، انساناً متواضعاً في حياته العائلية والشخصية، مثقفاً من طراز استثنائي، يحب الموسيقى العالمية، وشغوفاً بالقراءة، والشعر، وكانت لديه مكتبة عامرة يكفي القول بأنها شكلت مصدراً تمولت منه عائلته بعد استشهاده لفترة من الوقت. كما تجدر الاشارة إلى أن ثمة تميزاً فريداً في صداقاته وارتباطاته الاجتماعية لعل من مؤشراته، العلاقات الوطيدة التي ربطته مع الجواهري، وزكي خيري ورفعت الحاج سري وثابت حبيب العاني وشخصيات نافذة أخرى، من مختلف المشارب والاتجاهات، وفي ذلك بحد ذاته ما يومئ إلى دلالات ومؤشرات إضافية عديدة، توضح شيئاً من صورة ذلك الرجل العراقي الذي نسجل لبعض سيرته التاريخية...
ـــــــــــــــــــــــــ
* هوامش واحالات:
- لكل الأحداث أعلاه، شواهد ووقائع عديدة، ربما تسنح فرص قادمة لتوثيق المزيد عنها..
- جميع ما تمت الإشارة إليه يستند إلى معايشات ومعلومات عائلة وصفي طاهر، وبخاصة كتابات أولية لزوجة الرجل، وقد كانت تسعى لإعدادها لاحقاً على شكل مذكرات وذكريات... ولكنها توفيت في مغتربها بالعاصمة التشيكية، براغ بتاريخ 19/3/2001 قبل ان تتمكن من اتمام الأمر..
- جرى حذف العديد من الأسماء والشهادات الأخرى احترازا من الشخصنة، وابتعادا عن إشاعة الثارات في العراق المبتلي بها.
الغاء العيد الوطني.. ماذا تبقى من مبدأ المواطنة في العراق؟
برلين ـ طريق الشعب
أصدر «تجمع نحو عراق جديد» في المانيا، بياناً ندّد فيه بعدم اعتبار يوم 14 تموز عطلة وطنية ضمن قانون العطل الرسمية الذي شرعه البرلمان في الآونة الأخيرة.
وجاء في بيان التجمع الذي حصلت «طريق الشعب» على نسخة منه، «اننا نعيش هذه الأيام الذكرى 66 لثورة 14 تموز، وتعتبر هذه الثورة من أهم الأحداث التي غيرت التاريخ العراقي الحديث على جميع المستويات، برغم ما أصابها من نكسات عبر العقود الأخيرة».
وأضاف البيان: أن «ثورة 14 تموز تفجرت لأسباب موضوعية وتراكمات تاريخية، فقد واجه النظام الملكي في سنواته الأخيرة رفضا شعبيا بسبب الوضع المعيشي لغالبية الشعب العراقي وتحالف النظام مع الإقطاع والارتباط المباشر بالاستعمار، المتمثل بالمعاهدات، التي كبلت العراق ببنود هيمنة جائرة على سيادته وموارده وقراره السياسي. وكان لإخفاق الحكومات العربية في حرب فلسطين عام 1948 والموقف الغربي من قضية فلسطين أثرا واضحا على وعي الجماهير. ورافقت هذه الأزمات مظاهر عديدة لاضطهاد الشعب العراقي والدفاع الواضح عن مصالح الاستعمار الإنكليزي، التي منها إجهاض حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 ضد الاستعمار البريطاني وإعدام قادتها، وملاحقة المعارضة، مثل زج آلاف المعارضين في السجون وإعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي.»
وتابع، «حققت ثورة 14 تموز الكثير من المكاسب على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مثل الخروج من حلف بغداد ومنطقة الجنيه الإسترليني واتباع سياسة اقتصادية مستقلة وإصدار قانون الإصلاح الزراعي وتعديل الكثير من القوانين، التي كان هدفها إعطاء المرأة والطفل حقوقا أكبر».
وعرج التجمع في بيانه على السلبيات التي رافقت احداث الثورة والصراعات التي جرت بين تياراتها المختلفة والتي أدت في النهاية الى انقلاب 1963 الدموي.
وعن التطورات السياسية التي يعيشها الشعب العراقي بعد 2003، ذكر التجمع «اليوم ونحن نحتفل بالذكرى السادسة والستين لثورة تموز، ما تزال بلادنا تعاني من وطأة الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، حيث تم تفكيك مؤسسات الدولة العراقية من جيش وشرطة وحرس حدود إلخ. وأسس الحاكم الأمريكي بريمر بالتعاون مع الأحزاب الطائفية والاثنية نظام المحاصصة التوافقي، وألغى بهذا مبدأ المواطنة، ليحل محله مبدأ الانتماء الطائفي والاثني، وعمل على تدمير الإنتاج المحلي الزراعي والصناعي، وفتح أبواب الاستيراد غير المحدود، وألغى العديد من القوانين، التي تراعي حقوق المواطنين، وعوض عنها بقوانين جديدة تضمن مصالح الفئات الحاكمة وتتعارض مع المصالح العامة».
وتابع البيان، ان التدخلات الأجنبية أدت الى زيادة معاناة الشعب العراقي ـ وبشكل مكثف ـ من الفساد الإداري وسرقة الأموال العامة وسيطرة المليشيات المسلحة. وكانت نتيجة ذلك افتقاد أبناء الشعب العراقي حياة كريمة وأبسط مقومات الحياة في بلد غني بالموارد، مثل توفير المياه الصالحة للشرب والكهرباء والرعاية الصحية إلخ. وجاءت انتفاضة تشرين 2019، معبرة عن غضب الجماهير، لما وصل إليه العراق، وهادفة للتغيير الجذري، والتي خُنقت بمشاركة القوى المهيمنة والمليشيات المسلحة، بعد أن قدم المنتفضون أكثر من 800 شهيد و25000 جريح. ولكن أهداف الانتفاضة لا زالت حية في ذاكرة الشعب العراقي».
وذكر، ان الممارسات القمعية اشتدت في السنوات الأخيرة ضد الجماهير المطالبة بحقوقها؛ فقد تم إصدار العديد من القوانين، التي تستهدف تقليص الحريات العامة، كحرية إبداء الرأي وحرية الصحافة، وصارت ملاحقة الصحفيين وأصحاب الرأي، الذين ينتقدون الأوضاع المزرية في العراق، أمرا معتادا ويوميا.
وندّد البيان بـ»الممارسات السياسية الضيقة، وما حصل في مجلس النواب من تشريع لقانون العطل الرسمية الذي الغى العطلة الوطنية الوحيدة للعراقيين، عطلة 14 تموز، وعوض عنها بعطل غير جامعة للعراقيين، ما يؤدي الى اثارة النعرات الطائفية».
وختم البيان بالقول: ستبقى ذكرى ثورة 14 تموز في قلوبنا حية بكل دروسها...
ص8
ملوك الطوائف وذاكرة الشعب
عبد جعفر
كرس النظام السابق، كل المناسبات ووسائل إعلامه، ومطبليه في الثقافة والفنون، لتمجيد الدكتاتور، وحين فارقنا بدون رجعة، بدأت القوى المتنفذة الجديدة، تكريس نهجها الطائفي، ضمن سياسة فرض الواقع، وعبر تشريعاتها التعسفية، لتعيد إنتاج نفسها وهيمنتها وبقائها.
ومن ضمن أساليبها الملتوية، هي بعث الروح بكل القيم المتخلفة التي عفا عنها الزمن، وتكريس الهويات الفرعية بدلا من المواطنة، ويأتي هذا بالتزامن مع زيادة الأمية الأبجدية والثقافية وإنهاء دور المكتبات العامة ودور السينما والمسارح، وكذلك تخريب التعليم وانحطاطه، أي صرف مبالغ باهظة الثمن من أجل تكريس التجهيل، على حد تعبير أحد الكتاب العرب في وصفه التعليم في بلاده، والذي لا يفترق كثيرا عن الحالة العراقية.
وأعداد الأمية مخيفة في البلد، وكذلك نسبة التسرب من المدارس وقلتها، في الوقت الذي تعيش فيه الأسرة التعليمية في حالة مزرية، ناهيك عن حالة المتعاقدين بدون أجور.
ولا يقتصر الأمر على هذا الوضع، بل يمتد إلى إلغاء الذاكرة الجمعية، والعمل بكل السبل لقطع الشعب عن جذوره وقيمه، وعلى سبيل المثال جعل الأفعال المسيئة، جزءًا من الفلكلور الشعبي، من فساد، وسرقة ورشى، وقتل، والجريمة المنظمة، وانتشار الإدمان على المخدرات، وزيادة نسب التلوث البيئي، وضعف الخدمات من مستشفيات وماء وكهرباء وغيرها، كل ذلك لتحطيم ما تبقى من روح المواطنة، وإلغاء وعي الناس وبث اليأس في نفوسهم، وجعلهم يتشبثون بأي شيء ينقذهم، مادامت احتجاجاتهم تقمع دمويا، كل يوم، ولا يجدون آذانا صاغية من المسؤولين.
وضمن هذا النهج التخريبي، إلغاء الاحتفال بثورة 14 تموز 1958، كعيد وطني، لجعل الشعب مقطوعا، عن أهم حدث سياسي في تاريخ العراق المعاصر.
فالثورة، كانت ثمرة لنضالات الشعب العراقي ووثباته المجيدة التي دفع ثمنها غاليا من دماء مناضليه، وتحمل معتقلات العهد الملكي وسجونه، والمنافي بعد أن أسقطت الجنسية العراقية عن البعض. ولسنا هنا بصدد ذكر إنجازات 14 تموز، ولكن نشير إلى التآمر الواسع ضدها من القوى المعادية الشعب من الاقطاعيين وفلولهم إلى القوى الاستعمارية وخصوصا المخابرات البريطانية والأمريكية، والتي انتهت بإجهاض الثورة وقتل قادتها، بانقلاب دموي، جيء برجاله، بقطار أمريكي كما اعترفوا بذلك.
وما أشبه الليلة بالبارحة، أن يكرس فاسدون، لا يمتلكون الشرعية، هذا الخطأ في التآمر على 14 تموز، ولكن هذه المرة هي محوها من الذاكرة، وهم يريدون أبعد من ذلك، قتل روحها الثورية، وقطع أي صلة للمواطن بتاريخه، وإعادة كتابته على طريقة الدكتاتور السابق، بجعل تاريخ العراق يبدأ وينتهي به.
إن كلمة ثورة، تشكل عظمة أو شوكة سمك في حلوق الفاسدين، ولهذا يعملون على محو كل ما تعنيه 14 تموز، من منجزات تقدمية، ورفاهية الناس، وتقديم خدمات للشعب، وإزالة امتيازات المستغلين، واحتكارات الشركات الأجنبية، والحفاظ على القرار العراقي المستقل، وحماية أراضيه والدفاع عنها، وغيرها من المفردات الوطنية.
وتبقى 14 تموز، تؤرق منام الفاسدين، فكيف لملوك الطوائف وأمرائها من الدولة العميقة، ينسجمون مع جمهورية كنست امتيازاتهم؟! لقد أصبحوا مثل حكاية السلحفاة التي سقطت على ظهرها وأخذت تقرأ الأشياء بالمقلوب، بدون أن يعرفوا أن تموز قادر أن يلد 14 تموز أخرى، فهو (إله الخصب والحب والجمال) المتجدد، ونبوءته أنه لم تعد (دار السيد مأمونة)، مازالت عالقة في ذاكرة، من أوهموا أنفسهم أن سواتر مناطقهم المحصنة، تحميهم من الطوفان، حين تزلزل الأرض زلزالها.
في ذكرى ثورة 14تموز1958
ذياب فهد الطائي
بعد إيام قلائل تطل علينا ذكرى ثورة تموز المجيدة يوم أطاح الجيش والشعب العراقي بالنظام الملكي الذي صنعته بريطانيا في العراق، وقد جاءت الثورة تتويجا لنضال العراقيين منذ ثورة العشرين مرورا بانتفاضات متكررة ومتلاحقة أبرزها انتفاضة الشعب العراقي ضد معاهدة بورتسموث ، وهذا في دلالاته يعني أن الثورة كانت حصيلة نضال دام ومرير خاضه الشعب العراقي ضد الاحتلال البريطاني، من هنا فهي تحركُ فرضته مجمل التطورات المشار إليها والثورة تعني تغيير النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، عكس الانقلاب الذي يهدف إلى تغيير وجوه السلطة السياسية، والثورة محددة بتلك الأهداف حتى إذا لم تنجح (كثورة العشرين مثلا )، وقد كانت ثورة تموز عام 1958 ملتزمة بكل تلك التغييرات كمعايير ثابتة، فقد قامت من أجل ذلك بما يلي - تغيير النظام السياسي في العراق من الملكي إلى الجمهوري - فك ارتباط العملة العراقية بالكتلة الاسترلينية * الغاء كافة المعاهدات التي فرضها المحتل البريطاني لتامين مصالحه على حساب المصالح العراقية، بما فيها الخروج من حلف بغداد، تشريع قانون الاصلاح الزراعي رقم30 لسنة 58 الذي أنهى نظام الاقطاع في العراق، تشريع القانون رقم 80 لسنة 58 الذي تم بموجبه تحرير أكثر من 95 بالمائة من الأراضي التي كانت تحت سيطرة الشركات النفطية الاحتكارية، بناء مئات المدارس وعشرات المستشفيات والمدن السكنية، التوسع في قبول الطلبة في جامعة بغداد، إصدار القانون رقم 188 لسنة 1959 والذي جاء باعتباره أول قانون مدني ينصف المرأة ويساويها بالرجل في الميراث وينظم العلاقات العائلية. لقد كانت ثورة 14 تموز مسلحة بسبب أن العراق لم يكن بلدا ديمقراطيا يتم فيه تداول السلطة وفق الاشتراطات الديمقراطية، وهنا لابد من التساؤل: ما هو موقف الحزب الشيوعي من الثورة، إن الجواب يمكن ان تكشف عنه المداخلة التالية، لقد كانت إسهامات الحزب الشيوعي للتمهيد لثورة 14 تموز قبل عام 1958 حيث سعى الحزب إلى توحيد قوى المعارضة للنظام الملكي عبر تحالف وطني واسع في جبهة وطنية، والتي قامت بإعلان لجنتها الوطنية العليا وبيانها التأسيسي في 9/3/1957. وعزّزت الجبهة اتصالها بالقوى الوطنية العربية من جهة، وبمنظمة الضباط الأحرار، مطلع عام 1958، من جهة أخرى. وكان لهذا التعاون والتحالف أثره في تهيئة الأجواء المناسبة للثورة -كانت قيادة الحزب على اتصال بالزعيم عبد الكريم قاسم قبل الثورة عن طريق العقيد وصفي طاھر، ورشيد مطلك، وكذلك مع الأحزاب القومية عن طريق فائق السامرائي، وصديق شنشل. حين حاول قائد الفرقة الاولى عمر علي التحرك إلى بغداد، بادر الضباط والجنود المرتبطون بالحزب الشيوعي إلى اعتقاله، وبالتالي القضاء على احتمالية أن تجري معارك في بغداد قد يفلح معها قادة النظام الملكي من العودة إلى السلطة- قيام العقيد إبراهيم كاظم الموسوي (شيوعي) بقيادة مدرعة من معسكر الوشاش واتجه بها إلى قصر الرحاب وأطلق على القصر عدة قذائف أدت إلى استسلام الحرس الملكي. تحملت تنظيمات الحزب الشيوعي مهام حماية الثورة من العناصر الرجعية وأعداء الثورة حيث ألفت (لجان صيانة الجمهورية) ومن ثم المقاومة الشعبية، لقد عمل الحزب على تعبئة الجماهير للوقوف بحزم مع الثورة وبهذا سد الطريق أمام أعدائها كما أسهم ذلك في تعزيز الثقة لدى العسكر الثائر. إن ثورة 14 تموز المجيدة بكل ما فيها وما عليها جزء مهم من تاريخ الشعب العراقي كما أنها مصدر للاعتزاز بها وبقادتها الشجعان، كما أننا بحاجة إلى استذكارها للاستفادة مما حصل في تلك الأيام فهي غنية بتجاربها على كافة الصعد.
سلامة موسى
وكتاب الثورات
مجيد إبراهيم خليل
شهد تاريخ الإنسانية، وعلى مدى رقعة جغرافية واسعة ثورات عديدة، عكست توق الإنسان إلى الحرية ورفض الظلم والاستغلال والعبودية. وكانت هذه الثورات مدار اهتمام الأدباء والمفكرين؛ فكتبوا عنها، وأحد هؤلاء الكتّاب، المفكر المصري الليبرالي الراحل سلامة موسى (1887-1958) الذي ألّف «كتاب الثورات» وقد صدرت طبعته الأولى عام 1954 وطبعته الثانية 2015 وقد بيّن في هذا الكتاب أسباب الثورات وطرزها، وسرد نماذج عديدة لبعض الثورات قديما وحديثا، مثل ثورة العبيد في روما، وثورة الزنج في البصرة في العصر العباسي، والثورة الفرنسية 1789 والثورة الروسية 1917 وغيرها من الثورات في عدة بلدان. وتوقف سلامة بتفصيل عند الثورات المصرية بدءا من ثورة أحمد عرابي1919 وصولا إلى ثورة 23 تموز 1952.
يوضح موسى أسباب ثورة 1952 فيشير إلى استبداد الملك فاروق وفساده، وإلى فشل ثورة 1919 التي لم تنجح في انتزاع استقلال مصر عن انجلترا، وكانت معاهدة 1936 مع المحتل الإنجليزي سارية المفعول، وكان يجري اعتقال الأحرار وتعطيل الصحف وضرب الحياة النيابية. و»أصبح كل من ينشد العدالة الاجتماعية أو القليل منها بكلمات هزيلة مترددة يعد شيوعيا ويطارد حتى لا يجد لقمة العيش» ص129* وعّمم فاروق الرعب في البلاد في السنوات الأخيرة من توليه العرش، كما عمّم السرقة والجشع بين الكثير من الوزراء وكبار الموظفين «حتى أصبح الكلام عن بؤس الفقراء ضربا من الشيوعية!» وهذه إشارة صريحة من المؤلف إلى نضال الشيوعيين المصريين من أجل العدالة الاجتماعية، ورفضهم للظلم وتوقهم إلى رفع المعاناة المادية والروحية عن شعبهم. ونستدل على هذه المعاناة بمثال من حياة الكاتب نفسه، يكشف التفاوت الطبقي الحاد في البلاد، فقد داخله الخوف بسبب الكتابة، فالنيابة تتساءل عن مقصده بالقول: « في مصر من يعيش بألف جنيه في اليوم، ومن يعيش بثلاثة قروش، وأحيانا لا يجد حتى هذا المبلغ التافه» ص132* (ملاحظة: الجنيه يساوي 100 قرش) وتكاد بعض الأسباب أن تتماثل مع أسباب ثورة 14 تموز العراقية، فقد كانت البلاد تخضع للنفوذ الإنجليزي، ويطارد الأحرار ويزج بهم في السجون، بل ويعدمون، حيث نفّذ النظام الملكي الإعدام بحق قادة الحزب الشيوعي العراقي، وتصادر حرية الرأي والتعبير، وتعطل الصحف.
وعن دور المثقفين وموقفهم من الثورة يستشهد المؤلف بقول الفيلسوف الفرنسي سارتر «أينما حلّ الظلم فنحن الكتّاب مسؤولون عنه» ص19*ويرى أن مهمة الكاتب أن يعين الشعب على الفهم حتى يستمسك بالمبادئ. ويعلي من قيمة الأدباء بالقول» وربما كان الأدباء أقرب الناس إلى الأنبياء من حيث أن لهم رسالة يؤدونها للخير العام» ص21*وأن أعظم ما يخدم به الأديب نهضة الشعب أو ثورته أن يخلق له الكلمات التي تلهمه الكفاح والحركة والتفاؤل والإنسانية، وفي حديثه عن التنوير في أوربا يستشهد بكتابات فولتير، روسو، ديدرو باعتبارهم مصابيح تنير الظلام في الثورة الفرنسية الكبرى. وقد كان للمثقفين والطليعة الواعية من الشعب العراقي دور مؤثر أيضا في التمهيد لثورة 14 تموز.
وفي معرض تحليل المؤلف لأسباب الثورات، ربما تصبح كلمات المؤلف استشرافا لأوضاع بلدنا أو نبوءة لما يحصل حاليا، حيث تحكم البلاد طبقة طفيلية بيروقراطية، بالقول «إننا نجد على الدوام في تاريخ الثورات أن هناك طبقة تسيطر على المجتمع وتتسلط على الحكم ولكنها غير منتجة؛ وهي لأنها غير منتجة لا تحس المسؤوليات الاجتماعية، فتنحل أخلاقها ويتزعزع تماسكها، وهي تسرف وتبتذخ لأنها تستهلك ولا تنتج» ص15*
رحل موسى عن دنيانا بعد ثلاثة أسابيع من حدوث ثورة 14 تموز، ومن حق هذه الثورة الخالدة أن تـأخذ مكانها في كتاب الثورات. ثورة ظافرة غيّرت نظاما ومجتمعا، وأحدثت أثرا سياسيا هائلا محليا وعالميا. وقد كتبت وما يزال يكتب لحد الآن عشرات الكتب ومئات المقالات والدراسات عنها نظرا لأهميتها ودورها في صنع تاريخ البلاد. ومازال هذا الحدث الجليل يشغل عقول وقلوب الملايين من أبناء الشعب. وستبقى ذكراه ماثلة أبدا في الوجدان.
* أرقام الصفحات من: كتاب الثورات، سلامة موسى، مؤسسة هنداوي، لندن، 2015.
عن تموز وحصان جواد سليم!
يوسف أبو الفوز
لم يكن مفاجئا ــ على الأقل لجماهير القوى المدنية ــ إقدام القوى السياسية المتنفذة في البرلمان العراقي على إلغاء يوم الرابع عشر من تموز، كيوم وطني للاحتفاء بانطلاقة الثورة التي أطاحت بالنظام الملكي، رغم كل جبروت قوى (حلف بغداد). فهذا الاجراء يتوافق منطقيا مع طبيعة القوى التي تقود البلاد وتعتقد ان (دارها مأمونة)، مثلما كان الطاغية نوري السعيد يردد عشية إقدام الضباط الاحرار الشجعان، بقيادة الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم، بحركتهم، التي مهدوا لها بالاتصال بالقوى السياسية التي تنشد التغيير، مما جعلها، من الساعات الأولى ، تحظى بدعم شعبي حولها إلى ثورة حقيقية تعززت بإعلان النظام الجمهوري، وتحقيق إنجازات مهمة خلال سنوات قصيرة من عمر الثورة، منها الخروج من منطقة الإسترليني، قانون شركة النفط الوطنية، قانون الإصلاح الزراعي، قانون الأحوال الشخصية، وغيرها من القوانين التي عززت استقلال العراق السياسي والاقتصادي.
حين أقدمت قوى المحاصصة الطائفية والاثنية، على خطوتها، التي لاقت اعتراضا من شريحة كبيرة من أبناء شعبنا، ولأجل خلق فتنة اجتماعية وطائفية، فهل يظنون ان الأمور تدوم لهم و(الدار مأمونة)؟ هل يتناسون بأن الجمر تحت الرماد وان كل أسباب اندلاع انتفاضة تشرين الباسلة عام 2019 ما تزال قائمة، بل واضيفت لها أسباب جديدة؟ هل يظنون حقا أن يوما تاريخيا تجذر في ذاكرة أجيال عديدة، بكل المعاني المشرقة التي يحملها يمكن محوه بقرار من قوى محدودة، لا تمثل كل الشعب، وان امتلكت زمام قرار التشريع في غفلة عن التأريخ ووصلت إلى سدة الحكم والبرلمان وفق قوانين الانتخابات المجحفة التي سنوها بأنفسهم لإدامة وجودهم؟
يخبرنا تأريخ العراق، الحديث، ولا زال طريا في ذاكرة أجيال عاصرته، من ان المشير عبد السلام عارف، هاوي الانقلابات حاول الترويج كثيرا لما سمي بـ (عيد الشجرة)، الذي سن أيام النظام الملكي، كمحاولة للتغطية على عيد النوروز، الذي يحتفل به أبناء شعبنا الكردي، يوما قوميا، والذي يسميه أبناء شعبنا في مدن الجنوب (يوم دخول السنة)، ولن ننسى امهاتنا وهنّ يملأن البيوت بالزرع واغصان الأس، ومن لا ترد في باله الآن قصيدة مظفر النواب ... (يا دخول السنة بملگاك ...)؟!
وحاول الجنرال المزيف ابن العوجة، صدام التكريتي، الغاء صفة (العامل) عن آلاف العمال في المؤسسات الحكومية، وذلك بإصداره قرارا عام 1987، قضى فيه بتسميتهم (موظفون)، كمناورة لمنعهم من تشكيل أية نقابات عمالية، قد تطالب بحقوقهم وتثير مشاكل ما لنظامه.
أليس معروفا مصير مساع المشير والمجرم صدام واجراءاتهما القرقوشية؟ فما الذي يعتقده سياسيو المحاصصة الطائفية والاثنية، بقرار إلغاء الاحتفاء بثورة 14 تموز بوصفها عيداً وطنياً؟ هل يمكنهم اقتلاعه من ذاكرة أجيال من أبناء العراق؟
في أساطير وادي الرافدين، يهاجم خنزير بري، تموز أثناء وجوده في رحلة صيد، ويقتله، لكن قدر تموز أن يعود للحياة وينهض من موته كل عام، في أيام الربيع الأولى، وبهذا أصبح رمزا للخصب فأمتلك محبة قلوب العراقيين من عهد سومر وأكد وآشور وبابل. في الرسوم البابلية نجد تموز يقف وخلفه وعلان يتعاركان بحماس وفحولة وثمة نخلة سامقة تعبيرا عن الخضرة وبهاء الحياة، فمن آلاف السنين عاش تموز مع العراقيين معادلا لخصب لحياة وبهائها، فهو المخلص الذي ينتظرونه كل ربيع، فدخل اعتقاداتهم الروحية ونصوصهم الأدبية من اساطير واغان وملاحم.
هل ثمت حاجة للهمس بأن الربيع قادم رغم كآبة الخريف وقسوة الشتاء، وان حصان جواد سليم لابد ان يترجل عن جداريته ليملأ العراق صهيلا، من أجل نهوض تموز، من أجل بهاء الأرض وإحياء الكائنات والطبيعة!
ص9
الثورة حلقة مفصلية في تاريخ العراق الحديث
محمـد الكحط
كيف يمكن إنكار ومحو أهم حدث في تاريخ العراق المعاصر، ثورة أنهت الوجود الاستعماري وحررت الوطن من دسائس ومخططات بريطانيا العظمى حينها، ثورة أنهت الحكم الملكي المرتبط بالعربة البريطانية وبحضانة الإقطاع والقوى الرجعية في العراق والمنطقة، وحاولت بناء عراق جمهوري جديد، وقدمت إنجازات لصالح الطبقات المسحوقة والمعدمة وبنت المدارس والمستشفيات ووزعت الأراضي على المواطنين وأنهت ارتباط العراق بالأحلاف العسكرية، وحاربت الفقر والأمية والتخلف، وأنعشت الثقافة ونشرت الوعي، فتطورت الفنون بأنواعها وشجعت على الإبداع، وكانت فترة ذهبية لترسيخ المبادئ والروح الوطنية، وبدأت بخطوات من أجل تأسيس دولة المؤسسات لولا استمرار الدسائس من عدة جهات لإجهاض وتخريب مسيرة الثورة وحرفها عن مسارها وبرنامجها المرسوم، فخلقت العراقيل وحاكت المؤامرات، ولم تكن بريطانيا وحدها في هذا المضمار بل كانت جميع دول الجوار وحكامها في المنطقة التي تضررت مصالحها، والقوى الاقطاعية والرجعية في الداخل، ولم تسلم الثورة من المندسين والمنحرفين والذين ساروا في صفوفها لمصالح ذاتية سرعان ما أداروا وجوههم وتنكروا للثورة وعملوا ضدها، بل كانوا حجر عثرة في استمرار المنجزات، وحاول بعضهم اغتيال قائد الثورة الزعيم عبد الكريم قاسم، والبعض الآخر ضغط عليه ليغير علاقاته مع القوى الوطنية التي تقف مع خط الثورة.
إن حدثا كبيرا في تاريخ العراق كثورة 14 تموز لا يمكن ان يمحا من الذاكرة مهما حاولت قوى الظلام، فقد حفرت تأثيرها بجدار التاريخ وستظل شعلتها مستدامة، خصوصا بعدما عاد العراق بحضن الاحتلال والاستعمار وهيمنة طغمة الفساد التي ارتبطت مصالحها مع القوى الأجنبية، فنرى التزاحم على المناصب والصراع على مراكز الدولة المهمة لا من أجل خدمة البلد بل من أجل فرص أكبر للنهب والسرقة، فنرى هذه القوى تغذي الميليشيات والروح الطائفية وتغرس التخلف والشقاق من أجل تشديد قبضتها على المجتمع وسهولة قيادته.
لكن مهما حاولت قوى الظلام لا يمكنها حجب الشمس بغربال التخلف، فمبادئ ثورة 14 تموز خالدة، فهي الثورة التي حولت العراق إلى الحكم الجمهوري.
والغريب أنه منذ سقوط النظام الدكتاتوري في 2003 تثار هنا وهناك جدالات ونقاشات ومقارنات بين النظام الملكي والنظام الجمهوري في العراق ويتم التبجيل بإيجابيات النظام الملكي دون ذكر سلبياته الكثيرة، وهذه النظرة من جانب واحد للأمور تعدم المصداقية، فالظروف السياسية خلال الحكم الملكي كانت أكثر من سيئة، والوضع الاجتماعي معروف فالشعب كان يعاني من الفقر المدقع وارتفاع نسبة الأمية، ورغم أن العراق كان بلدا زراعيا لكن الإقطاعيين المتحالفين مع الحكم الملكي كانوا هم المستفيدون من خيرات البلد.
أما من يدعي وجود نظام برلماني فالكل يعرف انه كان برلمانا شكليا، وكان مجلس النواب ضعيفا ولا يستطيع الوقوف أمام السلطة التنفيذية الطاغية، فمجلس النواب كان تحت هيمنة وسلطة الحكومة والحكومة تحت سلطة وهيمنة الملك، والملك تحت سلطة المخططات البريطانية، فكل قرارات الحكومة تخضع لمصادقة الملك الذي من حقه الغاء القرارات أو تعديلها، فلا استقلالية للسلطات ولا فصل بين السلطات.
وكان العراق مرتبطا بالتحالفات والأحلاف العديدة في المنطقة منها تحالفات عسكرية عدوانية، من أجل حماية الأنظمة الرجعية من جانب ولحماية مصالح الاحتكارات الرأسمالية في المنطقة من الجانب الآخر، خصوصا بعد اكتشاف النفط فيها.
ولم تتوقف بريطانيا من ربط العراق بالمعاهدات والاتفاقيات الاستعمارية، منها محاولة ربط العراق بمشروع الدفاع عن الشرق الأوسط وهي مشاريع استعمارية، كما احتكر العديد من شركات النفط الأجنبية التنقيب عن النفط مع امتيازات كبيرة بالضد من مصالح الشعب، وتلاعبت بثروات البلد، بالإضافة إلى تدخلها في شؤونه السياسية.
أما السجون فكانت مليئة بالسياسيين والمناضلين من كافة القوى والأحزاب العراقية، والوثائق البريطانية التي نشرت لاحقا كشفت كم كان التدخل السياسي في شؤون العراق، فلم يكن العهد الملكي يلبي مصالح الشعب العراقي.
أما ثورة 14 تموز فقد نجحت في تحقيق مصالح الشعب في جوانب عديدة، لكن الأعداء لم يسمحوا لها المضي في مشروعها الوطني الديمقراطي. وحاولت قوى عديدة ولا زالت الصاق العديد من التهم بها، ومحاولة تشويه نهجها، والتذكير ببعض الحوادث والجرائم، متناسية أن ردة فعل الشعب العراقي ضد ما تعرض له من ظلم وطغيان هو الذي كان سبب بعض السلوكيات الخاطئة.
ودائما ما تثار تلك المواضيع أما الجرائم التي ارتكبها أعداء الثورة التي تمكنت بالتنسيق مع قوى أجنبية بالقيام بانقلاب 8 شباط 1963، حيث تم خلالها ارتكاب جرائم بشعة يندى لها جبين البشرية دون سبب وراح ضحية ذلك المئات من المناضلين الوطنيين الشرفاء، فلا أحد يثيرها، مما يعني أنهم يكيلون بمكيالين، وغرضهم النيل من الثورة.
إن ثورة 14 تموز المجيدة تبقى خالدة فها هي جدارية الحرية لجواد سليم تحكي قصتها وتحتها كان ثوار تشرين يستمدون عزمهم من مبادئها لمواصلة النضال من أجل الشعب، وهل ينسى أهالي مدينة الثورة وغيره من أهالي المدن الأخرى فضل الثورة عليهم حيث وفرت لهم السكن اللائق بعد ان كانوا يعيشون في بيوت الطين والصرائف.
المجد كل المجد للثورة التي عبرت بصدق عن تلاحم الشعب والجيش العراقي مع القوى الوطنية المتحدة آنذاك.
ثورة الشعب
ماجد مصطفى عثمان
تطل علينا الذكرى السادسة والستين لقيام ثورة 14 تموز عام 1958.. تلك الثورة الوطنية والتحررية والتي كانت استكمالا لثورة العشرين وما اعقبها من نضالات وطنية موجهه ضد الاستعمار واعوانه والتي أنهت حكم النظام الملكي الرجعي وخلصت الشعب العراقي من تسلط هذه السلطة المستبدة وسيطرة الاستعمار الغربي على العراق ونهبت خيارته.
إن هذه الثورة الخالدة كانت انعطافة تاريخية في حياة شعبنا وثمرة كفاحه المرير على مدى عقود طويلة من الزمن بعد أن عانى شعبنا من الظلم والتسلط والحرمان وسلب الحريات العامة وتكميم الأفواه الوطنية التي كانت تطالب بحقوق شعبنا وعلى مختلف الأصعدة إضافة إلى استعادة شعبنا لسيادته الكاملة على أرضه وثرواته بعد نجاح هذه الثورة الخالدة إضافة إلى الإنجازات والمكاسب التي حققتها ومنها إسقاط النظام الرجعي الموالي للاستعمار وإقامة نظام وطني واستبدال النظام الملكي الرجعي بنظام جمهوري إضافة إلى فك ارتباط العراق مع التحالف الامبريالي الرجعي وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وتشريع قانون لتوزيع الاراضي على الفلاحين إضافة إلى القوانين والتشريعات الأخرى التي ضمنت حقوق العمال والموظفين وبقية فئات وشرائح المجتمع العراقي بأجمعه التي طالما ناضلوا من أجل تحقيقها وتحملوا شتى المخاطر والاعتقالات والسجون .. الخ.
إن ثوره 14 تموز كانت منعطفا تاريخيا بين مرحلتين.. مرحلة الاستعمار والعبودية الأسود ومرحلة الاستقلال والتحرر وبناء المجتمع العراقي الجديد المبني على المساواة واحترام إرادة الشعب العراقي والحفاظ على سيادته الوطنية ومنح الحريات السياسية والفكرية.. ولم يكن سرا بأن معظم التظاهرات والانتفاضات الشعبية اندلعت إبان الحكم الملكي الرجعي كانت بقيادة الحزب الشيوعي العراقي ولم يقتصر الأمر آنذاك على السجن والأبعاد وملاحقة آلاف الشيوعيين العراقيين بل أعدم النظام الملكي الرجعي العديد من قادة حزبنا وفي مقدمتهم الرفاق فهد وحازم وصارم في شباط عام 1949 انتقاما لدور الشيوعيين في وثبة كانون عام 1948 التي وجهت ضربة قاضية التسلط البريطاني في العراق.. علما بأن السلطة الملكية الرجعية كانت ديمقراطية في المظهر ودكتاتورية في الجوهر وبواجهة برلمانية مزيفة إضافة إلى أنها كانت تعيش حالة عزله خانقة بسبب اضطهادها الجماهير الشعبية والأحزاب الوطنية وفي مقدمتها حزبنا الشيوعي العراقي.. وقد ساهم الشيوعيون العراقيون في الإعداد لهذه الثورة بصورة مباشرة من خلال رفاقه في حركة الضباط الأحرار وبصورة غير مباشرة بمشاركته في جبهة الاتحاد الوطني قبل قيام الثورة ومثل ما ساند قيامها في استقبال ودعم مطلقي.. كان حزبنا المبادر الأول قبل غيره لتثبيت اساساتها وتنفيذ منجزاتها حيث قامت جميع منظمات الحزب وامتداداته الداخلية والأممية لتعضيد هذه الثورة المباركة.
واليوم بعد مضي 66 عاما على قيام هذه الثورة المجيدة لم يتحقق للأسف الشديد لأبناء شعبنا ولو جزء بسيط من ما تحقق خلال فترة هذه الثورة ولنترك الآن الفترة المظلمة التي عاشها شعبنا العراقي وعلى مدى ثلاثة عقود ونيف تحت سيطرة النظام الدكتاتوري الفاشي لأنها معروفة للقاصي والداني ونتكلم عن ما بعد تغير هذا النظام الدكتاتوري والذي لم يكن على يد الشعب العراقي ومن خلال الاحتلال الأجنبي وتسلم مقاليد الحكم من قبل جهات غيبت آمال وتطلعات شعبنا العراقي وأصبحت المعادلة عكسية بالضبط، فعلى مدى واحد وعشرين عاما من سقوط النظام السابق ساءت أوضاع البلد يوما بعد يوم ودخل شعبنا في صراع مستميت من أجل البقاء حيث ثرواته وأمواله سلبت أمام عينه في وقت النهار وبدلا من تضحية هؤلاء المتنفذين بالحكم من أجل الشعب وكرامته وحريته بات الجميع في صراع من أجل البقاء على الكراسي والمغانم املأ منهم في الحصول على المزيد من أموال شعبنا الذي التف حوله الفقر و الحرمان والمرض وقله الخدمات والبطالة.. وأصبح هذا الشعب يصنف ضمن الشعوب الفقيرة والشعوب البلدان المجهولة المهجورة علما بأن بلدنا هو من أغنى بلدان وشعوب المنطقة.
المجد لثورة 14 تموز الخالدة في ذكراها السادسة والستين
الرحمة لكل شهيد من أبناء شعبنا سقط دفاعا عن تلك الثورة الخالدة وعن الوطن والشعب.
الى تموز الخير والعطاء ..
الى ثورة 14 تموز المجيدة
لفته عبد النبي الخزرجي
تموز يا ريحة وطن .....ومعطر بدجلة وفرات
تموز يا ساحة شعب ...مرفوعة بيها الـــرايات
........
تمـــــــوز يا سلة ورد ...منها العطر فاح الوان
نزلت علينه وي الفجر ...وكان الزعيم العنوان
........
تمـــــوز يا شهر الكرم ...يـــوم الســــيادة والنور
شفنه الوطن بيرغ يرف ....والشعب باسم مسرور
،،،،،،،،،
تمــــوز يا ثــورة شعب,,, ..يا نـــور اشرق بالبلد
تمـــــــــوز غيمة وماطره .....تـــزخر برايات السعد
،،،،،،،،
تمـــــوز شهر المرجلة .... والقادة من رحم الشعب
ثـــــــورة وطن ضد الظلم ... ثـــــورة الاكراد وعرب
14 تموز.. يوم خالد في تأريخ العراق
عادل كنيهر حافظ
كلما أوغل التأريخ بيوم الرابع عشر من تموز عام 1958 كلما تجلت الأهمية التاريخية للفعل الثوري الذي نفذته كوكبة من ضباط ومراتب الجيش العراقي، بمساندة الشعب وقواه الوطنية وفي مقدمتهم الحزب الشيوعي العراقي الذي شكل الجيش السياسي للثورة، حيث تمكن أولئك الأشاوس وعلى رأسهم ابن الشعب البار عبد الكريم قاسم وفاضل عباس المهداوي ووصفي طاهر وعبد الكريم الجدة وجلال الأوقاتي وماجد محمد أمين وداود الجنابي وغيرهم، تمكنوا من اسقاط النظام التابع للإمبراطورية البريطانية، وحولوا العراق من مستعمرة بريطانية يديرها المندوب السامي، إلى جمهورية مستقلة وذات سيادة، ثم واصلوا تحرير العراق من حلف بغداد ومن الارتباط بالنقد الاسترليني ومنع شركات النفط من التنقيب في حوالي 98 بالمائة من أرض العراق، وسن قانون الإصلاح الزراعي وتوزيع آلاف الأراضي على الفلاحين وانهاء دور الاقطاع وظلمهم، وبناء مئات المستشفيات والمدارس وتوزيع آلاف الدور وقطع الأراضي، وسن جملة من القوانين الوطنية مثل قانون الأحوال الشخصية، وكانت قيادة الثورة تحضر لأجراء انتخابات لمجلس وطني، بغية التحول إلى الحياة المدنية وحل مجلس السيادة، ولو قدر لحكومة 14 تموز البقاء والاستمرار في مسعاها لبناء العراق لجعلت منه بلداً يثير الفخر والاعتزاز، بيد أن مؤامرات الاستخبارات الأمريكية والانكليزية وبقايا الإقطاع وبعض رجال الدين الكبار وحزب البعث الفاشي، تمكن هذا الحلف القذر من وأد ثورة الشعب وقائدها وأنصارها.
بيد أن الثورة تركت لنا دروسا بليغة من أهمها:
1- أهمية الاتفاق والتنسيق بين الجيش الجماهيري وقسم من طلائع الجيش الوطنية، الأمر الذي يسهل عملية تحقيق الانتصار على قوى النظام، كون انحياز قسم من الجيش مع المنتفضين، سيعطيهم زخما معنويا وقوة على الاستمرار حتى النصر.
2- استمرار الثورة في تحصين ذاتها والقضاء على إمكانية الانتكاس والردة، وهذا ما تلكأت به ثورة تموز ويجب أن لا يغيب عن البال في ثورة الشعب التي تطرق الأبواب.
3- الاعتماد على الشعب والثقة به في الدفاع عن الدولة والثورة، هذا ما لم يعمل به زعيم الثورة لشديد الأسف رغم حبه المعروف للشعب والوطن، ولم يعط السلاح للجماهير التي تهتف في باب وزارة الدفاع وتريد السلاح للدفاع عن الثورة، وهذا من دروس 14 تموز ما يفيد الثوار في الاعتماد المطلق على الشعب أولاً.
4- عدم التهاون في عقاب من يتطاول على ثورة الشعب، واعتماد مبدأ عفا الله عمى سلف كان ضاراً، واستثمره أعداء الثورة وخصوصاً البعثيين، الذين لم يجر عقابهم كما ينبغي، وهذا الدرس يجب وضعه في الاعتبار في أيام الثورة القادمة.
5- عدم السماح للتدخل الخارجي في شؤون العراق، كان من المبادئ الرئيسية لحكومة 14 تموز وكان خلاف الزعيم قاسم مع عبد السلام عارف والبعثيين هو حول تدخل جمال عبد الناصر، ولم يترك المجال لشاه إيران يكون وصياً على شيعة العراق، لذلك أصبح هدفاً لهذه الجهات، وهذا الدرس من حكومة تموز يجب ان يكون في الاعتبار لأهميته، لأننا قطفنا الثمر المرّ من تدخل إيران وغيرها لاسيما ونحن في وضع مخاض ينذر بولادة نظام جديد.
6- الموقف الواضح من القوى السياسية والأحزاب الفاعلة في ساحة البلاد، والموقف الواضح من القوى الديموقراطية واليسارية عموماً ضروري في تحديد السياسة الداخلي للبلاد لأنه يتجلى في السياسة الخارجية للدولة، مع الأسف لم يكن موقف قيادة الدولة منحازاً لقوى معينه بل كانت التوفيقية ومحاولة كسب رضا الجميع أو مداراة جانب على حساب الجانب الآخر مما أربك الرؤى في العلاقات السياسية، وفسح المجال لأعداء الثورة للنيل منها، وهذا الدرس من حكومة ثورة تموز يضع على عاتق القوى المتصدية للتغيير الشامل بالعراق ان تأخذه بكامل الاعتبار .
ص10
قبل 3 أشهر من الثورة كتب السفير البريطاني في بغداد:
لا وضع ثوري و «دار السيد مامونة»!
.. لكن افق النظام قاتم، ولا بديل عن نظام أكثر استبداداً
الوضع الدستوري في العراق يشبه كثيراً ما كان عليه في المملكة المتحدة عند ارتقاء جورج الثالث العرش. فالسلطة السياسية تكمن في البلاط.. ويتعين على البلاط أن يمارس دوره عبر سياسيين محترفين لا ينتظمون في أحزاب سياسية، بل يتمحورون بالأحرى حول عدد ضئيل من الزعماء أو الزعماء المحتملين. ويعتبر نوري السعيد بارزاً بينهم. والولاءات التي تضمن تماسك هذه الجماعات هي تلك القائمة على الصداقة الشخصية والرابطة العائلية بدلا من الالتزام المعتاد بعقيدة سياسية، باستثناء التزام ذي طبيعة عامة تماماً. ويتوقف كل شيء على تأييد البلاط لنيل المنصب. فالملك يعيّن ويقيل رؤساء الوزراء ولا يحتاج إلى أن يولي اهتماماً يذكر لمجلس البرلمان. فأعضاء مجلس الأعيان معينون من قبله والنواب.. يتم اختيارهم عبر عملية يلعب فيها نفوذ النظام درواً كبيراً لدرجة أن قلة من الانتخابات في الريف تشهد تنافساً، فيما تكون فرص انتخاب معارضي النظام في المدن ضئيلة جداً. هكذا، فان اختيار البلاط لرئيس الحكومة وزملائه من الوزراء لا تقرره بشكل مباشر أحداث في مجلس النواب (على سبيل المثال، لم تسقط أي حكومة إطلاقاً كنتيجة لتصويت مناوئ في المجلس) او اعتبارات تتعلق بقوة الأحزاب. إنه يتقرر بالأحرى استجابة لأعم الاعتبارات السياسية، بما في ذلك سلامة النظام ذاته، والتي لا تلعب فيها آراء الجزء المتطور من السكان إلا دوراً ضئيلاً. وفي الواقع العملي، كان ما حدث في السنوات الأخيرة تعاقباً لحكومات شكلت من سياسيين محترفين، ينتمون بشكل أساسي إلى الطبقة العليا من ملاكي الأرض، ولكن بينهم بعض الرجال العصاميين، خصوصاً من الجزء الأكبر الشمالي الأكثر نشاطاً من البلاد، حيث يهيمن الأكراد. وفي الفترات الهادئة، كان الزعماء شخصيات تتمتع باحترام بهذا القدر او ذاك لكنها غير كفوءة، مثل جميل المدفعي وعلي جودت الأيوبي، أو في الفترة الأخيرة عبد الوهاب مرجان، ممن يحملون آراء محافظة أساساً ويمكن الاعتماد عليهم لمواصلة السياسات القائمة. وفي بعض الأحيان، وكتنازل لمشاعر أكثر ليبرالية، جرى اللجوء إلى شخصية مثل الدكتور الجمالي، وهو مناهض للشيوعية بقوة ويعتبر في الشؤون الداخلية مصلحاً حسن النية ولكن غير عملي إلى حد ما. وفي فترات التوتر، أو عندما يتعين اتخاذ قرارات بعيدة المدى على صعيد السياسة، أو عندما تنفذ في مواجهة معارضة، يتم استدعاء نوري السعيد لتوفير قيادة حازمة أو، إذا اقتضى الأمر، لإعادة النظام.
سياسات نوري السعيد
إن السياسات التي جرى تكويرها او اطلاقها خلال حكومات نوري السعيد هي التي حددت المسار الذي اتبعه العراق في السنوات الأخيرة. لقد هيأت الخلفية لبرنامج الإعمار، ولعضوية العراق في حلف بغداد، ولسياسة داخلية أبوية حازمة تستند على الاعتقاد أن لن يكون بالإمكان إعطاء حريات سياسية أكبر وتطوير بنية سياسية أكثر عصرية لتحل مكان النظام الاقطاعي القائم الذي يستند بشكل أساسي على العشائر والجيش ونظام ملكي قوي، إلا عندما يكون استثمار نفط العراق قد أحدث تحولاً في الأوضاع المعيشية والفرص الاقتصادية للشعب. هذه الفكرة الأساسية تحظى بتأييد البلاط ونوري وغالبية من السياسيين النشطاء وكبار المسؤولين، وربما بجزء كبير من المتعلمين من الجيل الأكبر سناً. ومع ذلك، لم يبق نوري في السلطة لفترات طويلة عادة (كانت الحكومة التي ظلت قائمة حوالي ثلاث سنوات وانتهت في حزيران 1957 استثناء)، لأن الوصي لا يعتقد بإبقاء أي شخص في المنصب لمدة أطول مما يقتضيه وضع معين. والهدف السياسي للبلاط هو في الواقع الحفاظ على مكانة ونفوذ العائلة الهاشمية وضمان أن تعتمد الحكومات على رعايتها لا على رعاية البرلمان أو الأحزاب السياسية. لذا يتم إجراء تغييرات بانتظام بما يضمن ألا تحتكر أي جماعة السلطة وتتمكن من أن تبني لها موقعاً يمكنها فيه أن تتحدى امتيازات البلاط ذاته. ويثير هذا الوضع استياء معظم السياسيين المحترفين تقريباً.
«المعارضون أحرار.. في مجالسهم الخاصة»!
المعارضة تشبه كتلة الجليد العائمة. وذلك الجزء الذي يظهر منها فوق سطح الحياة السياسية ليس كبيراً. انه يضم بضع شخصيات بارزة، وليس قادة حقيقيين. والشخصيات الرئيسية هم محمد صديق شنشل وفائق السامرائي ومحمد مهدي كبة، بالإضافة إلى كامل الجادرجي الذي لا يزال في السجن. ولا يؤلف هؤلاء الرجال ورفاقهم «زمرة رثة» فرخاؤهم المادي متميز. وهم ينتمون إلى الطبقة الوسطى المدنية، وفي الغالب محامون ورجال أعمال وأساتذة جامعيون ومدرسون. وكانوا في السابق أعضاء في حزب الاستقلال والحزب الوطني الديمقراطي المنحلين حالياً. لكن رغم أنهم لا يملكون الآن آلية حزبية لطرح آرائهم ويقاطعون عادة، كما في الوقت الحاضر، الانتخابات إلى مجلس النواب، فإنهم لا يلزمون الصمت او يختفون. قد لا يعقدون اجتماعات عامة او يعبّرون عن معارضتهم النظام ذاته في الصحافة، لكنهم يتحدثون بحرية في لقاءات خاصة وقد تمكنوا في العادة حتى الآن، على صعيد أي قضية معينة، من العثور على نواب يحملون آراء قريبة تماماً من آرائهم ليتكلموا جهاراً في البرلمان حيث لا توجد قيود كثيرة على حرية الكلام عدا التحريض على الفتنة. (سيكون هذا الاحتمال أضعف في البرلمان الذي سينتخب في 5 أيار لأن الحكومة قررت، مع توقع قيام «الاتحاد العربي» فوراً، أن يجب الا يكون هناك خطر سماع أصوات معارضة، وبالتالي أصبحت أكثر انتقائية من المعتاد في تقديم الدعم للمرشحين). وحقيقة أن المعارضة تعبّر تجاه قضايا كثيرة عن آراء تحظى بتأييد أناس كثيرين، خصوصا من الجيل الأصغر سناً، وتمتاز بجاذبية عاطفية بالنسبة إلى معظم الناس، انما تمنحهم نوعاً من الثقة والقوة رغم أنهم لا يستطيعون أن ينشطوا سياسياً.
ماذا تريد المعارضة؟
إن النقاط الرئيسية التي تطرحها المعارضة هي الليبرالية والإصلاح في الداخل والحياد في الخارج. على صعيد النقطة الأولى، يشددون المطالبة بحريات كاملة في التعبير والتنظيم والانتخابات، وأن ينبغي للعراق أن يملك الشكل بنفسه من الديمقراطية كما لدينا في المملكة المتحدة. وهم يرون أنه إذا جرى السماح بحرية سياسية أكبر فانه سيحدث هيجان في البداية لكن سرعان ما سيهدأ. ويدعون (الأرجح الا يكون صدقاً في كل الحالات) انهم لا يعارضون الحكم الملكي بل يعارضون فقط احتفاظه بسلطة مفرطة. ويقولون إنهم يرغبون في الاحتفاظ بملكية دستورية، لكن يعبرون في الوقت نفسه عن شكوكهم في ما إذا كان البلاط سيوافق على مثل هذا الحد من نفوذه. ويبدي الأكثر تعقلاً بينهم استعداده للاعتراف بأن إلغاء كل القيود بشل مفاجئ سيكون طائشاً وان التوجه إلى النمط البريطاني للديمقراطية يجب أن يكون تدريجياً.
وكخطوات فورية يطالبون بالسماح بتشكيل أحزاب والسماح للمعارضة بالعمل في مجلس النواب. بخلاف ذلك، يطالبون بتحديث أسرع للنظام الاقطاعي لملكية الأرض في مناطق العشائر ولهيكلية الضرائب، وبإصلاح الإدارة.. إنهم يدعون أن هدفهم الرئيس هو توزيع الأرباح من استخراج النفط بشكل أوسع على الشعب لكن يميلون إلى تجاهل المصاعب المتأصلة التي تنجم عن التسريع بذلك.
وفي المجال الخارجي
على صعيد الشؤون الخارجية.. ينظر هؤلاء إلى مصر وجمال عبد الناصر بوصفه زعيمهم. انهم يرغبون في انضمام العراق إلى الجمهورية العربية المتحدة، لكن يبدو أنهم يفتقرون إلى الوضوح في قرارة أنفسهم في شأن المدى الذي يريدون للعراق أن يطمس خصوصيته في قضية الوحدة العربية أو أن يتخلى عن عائدات النفط لصالح المعدمين. وهم يزعمون أن بالإمكان الاستفادة من الاتحاد السوفيتي وصداقته من دون تعريض العالم العربي إلى الهيمنة الشيوعية في النهاية، ويشيرون إلى قمع الشيوعيين في مصر وسوريا كمؤشر على ذلك. ويدعون أنهم ليسوا معادين للغرب، بل يؤكدون فعلاً بصدق واضح أنهم يرغبون في إقامة علاقات ودية مع الغرب الذي سيستمرون في التجارة معه وبيع نفطهم له. ويفسرون تقارب مصر مع الاتحاد السوفيتي بالأخطاء التي يعتقدون أن الغرب ارتكبها في ما يتعلق بإسرائيل والسويس والجزائر. ويعتقدون انهم سيتمكنون، إذا ما كانوا في السلطة، من الحفاظ على علاقات جيدة مع كل القوى العظمى ويطالبون بألا يرتبط العراق بمعاهدات بأي منها. ويعتبر حلف بغداد، بالطبع، أحد أهدافهم الرئيسية. وهم يرون أنه فرض على البلاد من قبل البلاط ونوري بهدف تقسيم العالم العربي والحد من أهمية ناصر. وموقفهم تجاه المملكة المتحدة ليس معادٍ في الجوهر، لكن يزعمون أن لبريطانياً يداً في معظم القرارات التي يرفضونها، وبشكل خاص في استمرار سلطة ونفوذ الوصي ونوري، لذا يميل موقفهم السياسي إلى العداء تجاه بريطانيا. وهم يتبعون أساساً بالطبع نهج الرئيس عبد الناصر القومي المناهض للغرب والمعادي بقوة لإسرائيل.
«النزعة الجمهورية ليست محلية»!
إذا أمكن للعراق ان يبقى اساساً في منآى عن تأثير العالم الخارجي، فسأكون مطمئناً إلى أن النظام سيتمكن من الحفاظ على استقراره في مواجهة ضغوط المعارضة التي تعززها ضغوط الطبقة الوسطى المحبطة، وسأتوقع للبلاد ان تستمر في مسارها الحالي إلى أمد غير محدد بهذا القدر أو ذاك. والواقع انه لم يتوفر للعراق الوقت بعد في حياته القصيرة لتكوين مجتمع موحد. هناك دائماً حساسية كامنة بين الشيعة والسنة، ورغم أن وضع الأكراد يميل إلى الاستقرار بشكل جيد فان مخاوفهم من هيمنة العرب ليس بعيدة تحت السطح. بالإضافة إلى ذلك، يجري استغلال الفجوة الواسعة بين الحكومة والشعب، الناجمة عن قرون من الاحتلال العثماني والتي يجري ردمها ببطء فحسب، بشكل فاعل من قبل أجهزة الدعاية المصرية، مما يؤدي إلى أن تلقى الإجراءات غالباً معارضة من جانب أبناء الطبقة الوسطى الأصغر سناً والأكثر راديكالية بالإضافة إلى الناس العاديين، وذلك لمجرد انها تتخذ من قبل الحكومة. ورغم ذلك، هناك عوامل قوية تدعم الاستقرار في البلاد، فالنظام العشائري، رغم أنه يحتضر لم يمت بعد وزعماء العشائر يدعمون بقوة الحكم الملكي الهاشمي. ويبدي الأكراد، رغم إحساسهم بالقلق في شأن وضعهم، مناعة تامة تجاه الدعاية القومية العربية. ولأنهم يساهمون في «المؤسسة الحاكمة» بحصة كبيرة لا تتناسب مع عددهم فانهم يؤدون دور وسيط نافع. ورغم ان الجيش اقتحم الحياة السياسية في السابق فانه لا يظهر في الوقت الحاضر أي مؤشرات على القيام بذلك، وإذا استمر في الحصول على قيادة جيدة وإذا استمرت مراعاة مصالح الضباط ونواب الضباط فإن من المحتمل ان يستمر دعم النظام. ويمتاز الوسط التجاري بأنه محافظ عموماً، ويتجلى هذا بشكل خاص في مدينة البصرة التي نادراً ما تسمح لنفسها بالانجرار وراء النزعة القومية العربية. ولم يتسن للملكية ان تمد جذورها بعمق، لكن معظم الأشخاص الواعين يدركون أن العراق بدونها سيتفكك على الأرجح، وهم بالتالي يدعمونها باعتبارها الشكل الممكن الوحيد للحكم. فالنزعة الجمهورية في العراق هي الآن إحدى مظاهر الناصرية وليست حركة محلية.
عبد الناصر هو السبب؟
لكن العراق بأي حال لن يترك لحاله في قبل الرئيس ناصر (...) ويتمثل الخطر الذي سينشأ في أن تأثير عبد الناصر على المشاعر القومية في العراق سيكون قوياً لدرجة تكفي لزيادة تذمر العراقيين من النظام إلى حد الإطاحة به. وستكتسب المعارضة أهمية في مثل هذا السياق بالذات أو في وضع آخر حرج على مستوى مماثل من الخطورة. لكن كما هو الحال في معظم الأوضاع التي يوجد فيها رتل خامس محتمل، يلعب قادة المعارضة دوراً أهم كناطقين بلسان جماعات أكثر من كونهم قادة فعليين. وبالفعل، إذا نشأ لسبب أو لآخر وضع ثوري في العراق، فان من المستبعد إلى أبعد حد أن يلعب أي من الراديكاليين الأثرياء الموجودين على قمة كتلة الجليد الطافية أي دور مهم. الاحتمال الأكبر بكثير هو ان يخرج زعيم من بين المثقفين او ضباط الجيش الأصغر سناً، والأرجح من المرتبة الأدنى للطبقة الوسطى. ولأن مثل هؤلاء الزعماء يميلون بحكم طبيعة الأشياء، إلى الظهور فقط في وضع ثوري فان من المستحيل القول ما إذا يوجد بالفعل زعيم ثوري محتمل.
لا وضع ثوري!
فمن المؤكد تماماً انه لا يوجد، في الوقت الحاضر، وضع ثوري. فرغم أن عبد الناصر بعد سنة أمضاها في استعادة عافيته بعد (قضية) السويس، بدا التحرك مجدداً في تشرين الأول الماضي بنقل قوات إلى سوريا وعزز التهديد حالياً عبر قدرته على الظهور بشكل مثير في أعالي نهر الفرات، ما يكسب دعايته قوة أكبر بكثير في العراق. لكن الوضع الأمني الداخلي حالياً تحت السيطرة بشكل محكم تماماً. وليس هذا مجرد نتيجة لإجراءات قمعية. فما عدا التشويش بشكل متقطع على إذاعة القاهرة ودمشق في المدن الرئيسية الثلاث، لم تكن هناك ضرورة لاتخاذ أي اجراء أمني ذي شأن.
والهياج الذي شهدته بضع كليات ومدارس عقب اعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة لم تتفاقم إطلاقاً، ولم تظهر حتى الآن أي من المشاعر العميقة التي كانت واضحة خلال أزمة السويس (والتي ستظهر حالاً مرة أخرى إذا أقدمت إسرائيل على خطوة متطرفة ضد أي من البلدان العربية). بالإضافة إلى ذلك، تزايدت بشكل ملموس كفاءة جهاز الأمن العراقي خلال السنة الماضية، ويرجع الفضل في ذلك بشكل أساسي إلى المساعدة البريطانية بالتدريب والمعدات، في الوقت الذي أضعف فيه لدرجة كبيرة الأساس التنظيمي لمعارضة فاعلة ضد النظام عبر ضربات قوية وجهت إلى الحزب الشيوعي السري ويقظة أكبر تجاه تنظيم البعث السري وسفارة الجمهورية العربية المتحدة في بغداد. ومع ذلك فان الهدوء مضلل بعض الشيء. فقد تمكن عبد الناصر بإنشاء الجمهورية العربية المتحدة من تحريك القومية العربية وإثارة شهية كل العراقيين تقريباً إلى المزيد. واستجاب الرد السريع بإنشاء « الاتحاد العربي» للحاجة الملحة للوضع، لكن جاذبية عبد الناصر وحيويته لا تزال قائمة، بينما لا يتضمن دستور «الاتحاد العربي» مثل كل الوثائق المماثلة إلا المزايا العادية، ولا يرى معظم العراقيين سوى أعباء «الاتحاد» ولا شيء من منافعه.
«الخطر من الخارج»!
بما ان الخطر الحقيقي على النظام، ممثلا بشكل رمزي في المعارضة لحالية، يأتي من خارج البلاد، فان هناك حدوداً لما يمكن لأي حكومة عراقية أن تفعله عبر إجراءات فاعلة داخل البلاد للتقليل منه. فهم (الحكومة) يدركون ان التطور الاقتصادي ساهم بالفعل في تحقيق الاستقرار وأن عليهم أن يمضوا قدماً ويمدوه على نطاق أوسع وسط السكان ككل. ويرى كثيرون منهم أن هناك ايضاً أفقاً كبيراً لإجراءات اجتماعية واقتصادية تقدمية وهم مستعدون للشروع بها. ومع ذلك لا توجد مؤشرات كثيرة على أن هذا سيحدث بالسرعة التي يقتضيها الوضع. فالسياسة الاجتماعية للبلاط ولنوري هي سياسية.. تستند على حقيقة ان زعماء العشائر وملاك الأرض الآخرين يشكلون القوة الباعثة على الاستقرار الأكثر أهمية في البلاد، وهي قوة سيكون من الخطورة استبعادها قبل ان يكون الاقتصاد والمجتمع العراقي قد أصبحا أكثر تنوعاً وأكثر عصرية مما هما عليه الآن (...).
رغم ذلك لا اعتقد أن الفقر او انعدام الفرص الاقتصادية بحد ذاته سيؤدي طالما يتدفق النفط، إلى نشوء وضع متفجر. الخطر الأكبر يكمن في الميدان السياسي وفي تلاعب ناصر بمشاعر الإحباط الناجمة عن انعدام منافذ للتعبير الحر وللنشاط السياسي. إن الاستياء من حجب الحريات السياسية يقف بلا شك وراء الكثير من عدم شعبية النظام وشعبية عبد الناصر. لذا فإن إحدى المسائل المهمة هي ما إذا يمكن تخفيف بعض الضغوط على النظام بإعطاء مزيد من الحرية السياسية، أي بالاستجابة للمطلب الرئيسي للمعارضة.
«بعض التنفس ممكن ومطلوب»
إن تخفيفاً كلياً للقيود الحالية على حرية التعبير بالاقتران مع انتخابات حرة بشكل كامل سيؤدي خلال فترة قصيرة جداً إلى فوضى وربما ثورة. ومع ذلك، فان كل خطوة صغيرة في هذا الاتجاه لن تؤدي إلا إلى زيادة الضغوط نحوه، لذلك يمكن تفهم التردد الذي أبداه البلاط والحكومات المتعاقبة. ان الخطوة التي يحتمل بدرجة أكبر أن تشيع احساساً بالرضا على الفور والتي يمكن، إذا كانت ناجحة، أن تفضي إلى تخفيف تدريجي (للقيود) هي تشكيل أحزاب سياسية. لكن هذا لن يكون تصوراً يحظى بترحيب كبير من قبل البلاط ويجب الاعتراف انه ستكون لدى البلاط مبررات جيدة للاعتقاد بأن النتائج العملية (لهذه الخطوة) لن تكون مفيدة، اذ سيكون من المشكوك فيه أن تؤدي إلى استقرار سياسي أكبر مما عندما جرى الترخيص للأحزاب في السابق.. إن الوضع الحالي في العراق سيؤدي لا محالة إلى ما سيكون عملياً حزبين فقط، أولئك الذين يقفون مع النظام وسياساته الحالية وأولئك الذين يؤيدون الرئيس عبد الناصر. وبما أن الأخير سيجنح نحو الانحراف إلى إثارة الفتنة او على الأقل إطلاق تصريحات تثير الفتنة، فان حزبهم قد يقمع خلال فترة قصيرة جداً ولن يجنى من ذلك شيء سوى زيادة في الإحساس بالمرارة ضد الحكومة. لكن، مع ذلك، يجادل كثير من العراقيين المعتدلين بأن بعض التنفيس ممكن ومرغوب فيه على السواء، وانه سيكون بالإمكان إبقاء المعارضة ضمن حدود السيطرة. وأنا أميل إلى وجهة النظر بأن هذا ربما يستحق تجريبه. ورغم أن المخاطر واضحة، أعتقد أنها أقل من تلك التي ستنجم عن استمرار قمع سياسي كامل. والحقيقة انه لو تمكن واحد او أكثر من الأحزاب اليمينية أن ينشئ قادة يتصفون بجاذبية لدى الجزء الواعي سياسياً بين السكان، فأنها قد تتمكن من امتصاص بعض مساوئ نظام الحكم وتخفف عن البلاط الكراهية الناجمة عن الإبقاء على الإجراءات القمعية. لقد جرّب نوري هذا النهج في الماضي لكنه فشل في ظل ظروف سياسية ربما كانت أقل صعوبة، لأن الرئيس عبد الناصر لم يقف حينها في أعالي الفرات. وليس مستبعداً ان يتمكن رجل أصغر سناً ويملك قوة الشخصية وسعة الأفق نفسها، ولكن مع جاذبية مباشرة أكثر لدى الجمهور، أن ينجح في المستقبل. وكل ما يمكن للمرء أن يقوله هو أن مثل هذا الشخص لم يظهر بعد. هناك بضعة رجال في الحياة السياسية ممن يملكون بعض الخصال المطلوبة، مثل خليل كنه، الرئيس السابق لمجلس النواب، وسعيد قزاز وزير الداخلية. لكن الأول.. يستفز الناس بطموحه الواضح تماماً لخلافة نوري. اما الثاني فانه كردي لا يستطيع ان يستجيب لعواطف النزعة العروبية.. أما بالنسبة إلى الدكتور فاضل الجمالي فهو رغم ما يتصف به من شجاعة ونزاهة تثير الاعجاب، ليس رجلاً كبير الشأن لدرجة كافية او كفوءاً لدرجة تمكنه ان يقود هذا البلد المضطرب من دون ان تسنده خبرة نوري.
في الأفق استبداد أشد
الحقيقة هي أنه ليس هناك أي خلف واضح لنوري ولا توجد إمكانية لشغل موقعه من قبل حزب سياسي. ويبدو الأفق بالنسبة إلى النظام السياسي في العراق قاتماً بعض الشيء فعلاً، لأن من الصعب أن نرى كيف يمكن جعله أكثر مرونة وقدرة على البقاء. وبالفعل، عندما يحين الوقت ليغادر نوري المسرح السياسي، قد لا يكون هناك أي بديل لنظام أكثر استبداداً يستند إلى الجيش مع ضابط يكون الرجل القوي وراء رئيس صوري مدني. ولا يمثل ذلك أفقاً جذاباً نظرا لخطر عدم الاستقرار الذي سينجم عن بروز ناصر عراقي أو عبر التنافس بين ضباط الجيش على السلطة. وسيوفر، بالطبع، هدفاً سهلاً لهجمات المعارضة وناصر، وسيكون بغيضاً إلى نفوس أولئك الذين يتذكرون فترة 1936- 1941 التي هيمن عليها الجيش. لكنه ربما يكون أحسن ما نستطيع ان نأمل فيه. وبشرط ان يكون مستنداً على الحكم الملكي الهاشمي فالأرجح ان يبقي على الارتباط بالغرب وقد يحتفظ بمواقعه لبعض الوقت.
النفط.. النفط!
هل هناك ما نستطيع والأميركيون أن نفعله لمساعدة العراقيين على الانتقال بهدوء إلى الوضع الجديد الذي سيواجهونه عندما لا يعود نوري موجوداً، ولإبقاء الضغوط من المعارضة في مستوى يمكن احتماله؟ إن المجال أمامنا محدود في الحياة السياسية الداخلية. ولا شك اننا نستطيع عبر المشورة والتشجيع أن نساعدهم على بناء مؤسسات حديثة سليمة (...) يجب ان نقف إلى جانب العراق، بالطبع، إذا حدث أي شيء يعيق تدفق النفط إلى البحر الأبيض المتوسط لكن هناك حداً للنفوذ الذي يمكن أن نمارسه بشكل فاعل لتأمين تبني ميول اكثر ليبرالية في الحياة السياسية، وهذا، كما لمحت أعلاه، هو المجال الذي يتفشى فيه التذمر (...) اذا كان الرئيس ناصر هو الرجل الذي سيتعاون بإخلاص مع الغرب ومع العراق، متجنباً أي طموح للسيطرة على النفط العراقي وزعزعة النظام في العراق واتخاذ موقف ممالئ للشيوعيين او محايد، فان هذا سيكون شيئاً آخر. وفي غياب هذا الاحتمال، يجب أن يمارس العراق عملية استعداد طويلة الأمد ويجب على بريطانيا والولايات المتحدة ان تكونا مستعدتين للوقوف إلى جانبه ومساعدته.
العيد الوطني وترسيخ هوية الشعوب
نجم حيدر
تَميز الانسان عن غيره من الكائنات، بصناعة خصوصيات تٌشكل تسامي يَفتخر به، بدأ مع تكوين التجمعات البشرية المتنامية وصولاً الى دويلات المدن وما بعدها من امبراطوريات كبرى، هذهِ الخصوصيات تنامت و تعددت صورها، اذ تعد الاعياد اهمها، بوصفها اشارة الى هويةِ الجماعة وصورةِ افتخارها .
فيما تقدم السرديات التاريخية قراءات لـ(صناعة اعياد ) تناغمت مع الواقع الحياتي بما يَحمل من مراكزِ قوى وهيمنة لسلطات متنوعة عبر التاريخ، تميزت ب (برجماتية ازلية) بين (كهنة الدين و السلطات الحاكمة) انطلاقاً من المعبد الى تحولاته التطورية في الاديان المتعددة التي يصل عددها الى الاف منها ما تكنى بالسماوية، هذه العلاقة ذات الصفات(البرجماتية) تنظم المصالح مع (سلطات الحكم الاستبدادي) من الاباطرة و السلاطين و الملوك ودكتاتوريات بعناوين مختلفة، بتناغمية تعتمد تبادل المصالح، وهي مستمرة بلا توقف، الى ان استطاعت صور السلطة باسم المقدس الديني المتنوع ان تستحوذ على المراكز السياسية، كما هو حال سلطة الكنيسة التي انتهت (بثورة التنوير) التي قادها (مارتن لوثر) .
هذا بأجمعه اسس لأعياد تحقق (نظم تأطير) للجماعات السكانية و الدينية، بامتلاكها مكانة قيمية مفعمة بروحانيات حققت افتخار مجتمعي يناغي (السيكولوجية الاجتماعية ) لتنظم حدود الجماعة . و الامر ضمن سياقات منطق التطور يتناغم مع طبيعة وعي الانسان التواق الى الفرح و تأمل مستقبل يتخطى وجوده الفيزيائي يحقق به شعور برفاه دائم .
الا ان المتحولات في الفكر الانساني، ولاسيما ما تتابع منذ القرن الثاني الهجري مع رؤية (المعتزلة ) (بترجيح احكام العقل على النقل و القياس المتزمت بقوانين السلف)، فضلا عن التحديثات التنويرية ذات الطابع الفلسفي بما قدم لها الفيلسوف العربي المسلم (ابن رشد) و (ابن الراوندي) يعد صورة تحدي بدعوات تحررية اساسها (تسامي مركزية الانسان و تمظهر قيم الانسانية) كوجود واقعي دون هيمنة المقدسات الروحية التي يتكئ عليها مستغلون يلعبون بعقول البسطاء و عواطفهم.
انه حراك تنويري عبر تاريخ طويل، حقق تحولات دراماتيكية من ثورة (مارتن لوثر) مرورا بقراءات
(ايمانؤيل كانت) في مقالته المهمة (ما التنوير) الى ما اسست له (الثورة الفرنسية ) و قراءات (جان جاك روسو)، هذا بأجمعه وضع الانسان خارج هيمنة المقدسات الروحانية الميتافيزيقية، الى ما يؤسسا لشخصيته الوطنية المؤطرة بانتمائه الوطني، فكانت اعيادا ذات طابع (وطني)، تمركزت في هوية معاصرة تعمل على توحيد الشعوب بمنطق الوطنية الجامعة الرافضة (للعنصرية والعرقية والطائفية) و النظم التقسيمية ذات المنحى التناحري .
وما يتعلق الامر بنا في العراق يتميز بما يعد ثراءً حضارياً متنوعاً، في احدى صورها أعياد تمتلك تقدماً حضارياً عبر تاريخ البلد العميق، لكن صورة المكابدات و الالام من ضواغط قوى استعمارية و استبدادية لم تكن خفية عن المجتمع العراقي عبر عصور تاريخه طويلة، الى ان تفجرت (ثورة 14 تموز)، المتفق عليها من كل القوى الوطنية المنسجمة و المختلفة بوصفها انتفاضة خلاص من ظلم طال ازمنة متعاقبة ابتداءً من سقوط الدولة العباسية مروراً بالعثمانيين و الاستعمار الانكليزي المختفي وراء السلطة الملكية التي حكمت من عشرينيات القرن الماضي، بإيهام دستوري مخادع . هذه السلطة الملكية انتجت تمايزاً طبقياً حاداً ومقيتاً يتسم بفقر محدق لشرائح واسعة من الشعب العراقي .
نعم قد تتصف فترة حكم الملوك الثلاث من فيصل الاول الى الثاني ببعض من صفات اقل شدة في الضغط على الشعب من بعض الفترات التي تبعتها، او ما تحقق من بناء ايجابي نسبي، الا ان انسحاق طبقة العمال و الفلاحين و الكسبة تحت وطأة الفقر والتخلف مع ما رافقتها من ممارسات قمع امر لا يمكن محوه من الذاكرة العراقية . الى ان جائت (ثورة 14 من تموز) بوصفها ثورة وطنية اتفقت كل التنوعات الثقافية و القوميات و شرائح المجتمع في انها تمتلك نقاء و اخلاصاً تجاه الشعب العراقي المتنوع، وكأنها صورة توافق نادر بين القوى و الشرائح المتنوعة بل حتى المتناحرة .
الا ما يعمل عليه الان في الغرف السياسية المعتمدة على (الخطاب الطائفي) بحجج (التمركز الديني) يمحي الانتماء الى الوطن و تغييب الوطنية واشاعة الانتماء الديني بمنطق المذهبية الضيقة، اساسه تأطير لقيادة جموع موجهة بآفاق ضيقة و محدودة، ليتسنى لهذه القوة الفاسدة ان تستمر في الهيمنة لتخفي السرقات التي وصفت بالكونية او سرقات القرن، و ليبق الشعب في جو من التنازع الطائفي و القومي بل حتى الفئوي، بوسائل وادوات اعتمدت محوا وما هو مشترك و متوافق عليه، اهمه حذف العيد الوطني (14 تموز) و احلال اعياد تتسم ب (الطائفية واشاعة الاختلاف الطائفي والعرقي) .
بينما العالم المتحضر يتجه نحوا البناء و التصنيع و العمل على تنامي اقتصادي بوسائط العلم والتحضر و بترسيخ التوحد والتوافق و المسامحة و الحب بين كل شرائح المجتمع، و ترك ما يمزق الوحدة الوطنية و الشعبية، ليتوجه الشعب الى البناء و مواكبة التحولات العالمية الكبرى، هذا الذي يحتم على كل مثقف وطني يؤمن بالحرية و التقدم و النمو الحضاري او يعلن بكل ما يمتلك من ادوات ان العيد اوطني الموحد للشعب العراقي (14 توز) عيد وطني لا يمكن محوه و تجاوزه .
ص12
شعارات الذكرى ٦٦
لثورة ١٤ تموز المجيدة
- ١٤ تموز يوم تأسيس جمهورية العراق
لا يمكن تجاوزه.
- نضال الشعب العراقي وانتصاره
في ١٤ تموز سيبقى خالدا.
- ١٤ تموز يوم انتصار إرادة الشعب.
- ١٤ تموز يوم الجمهورية العراقية.
- ١٤ تموز يوم تأسيس الجمهورية..
يوم الخلاص من الاستعمار وذيوله.
- سيبقى يوم ١٤ تموز ١٩٥٨
رمزا وطنيا خالدا.
- ١٤ تموز الخالد يوم عيدنا الوطني.
اللجنة الوطنية
لتخليد ثورة ١٤ تموز
يوميات
- يقيم المنتدى العراقي في الجمهورية التشيكية، الخميس المقبل 18 تموز، أمسية ثقافية في مناسبة الذكرى الـ 66 لثورة 14 تموز المجيدة.
يتضمن برنامج الأمسية كلمات في المناسبة، وعرض أفلام وفقرات اخرى.
تبدأ الأمسية في الساعة 5 عصرا على قاعة «بيت الأقليات» في العاصمة براغ.
في مدينة الثورة
ندوة نسوية للاحتفاء بذكرى 14 تموز وإنجازاتها الخالدة
بغداد ـ طريق الشعب
أقامت اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في مدينة الثورة، أمس الخميس، ندوة في مناسبة حلول الذكرى السادسة والستين لثورة 14 تموز 1958 المجيدة، حضرها جمع من نساء المدينة.
وخلال الندوة التي أدارتها عضو المحلية الرفيقة إخلاص حميد، قدّم عضو المكتب السياسي للحزب الرفيق عزت أبو التمن، عرضا تفصيليا حول ظروف الثورة ومنجزاتها العظيمة، وما حققته من نتائج خالدة بعد سنوات مريرة عاشها الشعب تحت ظلم النظام الملكي. وتحدث عضو مكتب المحلية الرفيق هادي؟؟؟؟ حول منجزات الثورة في ما يخص حقوق المرأة وتشريع قانون الأحوال الشخصية الذي يعتبر من أهم القوانين وأكثرها تقدما في دول المنطقة. وفي الختام، أبدت النساء الحاضرات اعتزازهن بثورة الشعب العراقي، مؤكداتٍ أنها محطة مشرفة في تاريخ الحركة الوطنية والنضالية.
عناوين 14 تموز
الأكثر جذبا في المتنبي
متابعة – طريق الشعب
قال ناشرون وأصحاب مكتبات في شارع المتنبي، أول أمس الجمعة، أن العناوين التي حققت مبيعات جيدة خلال هذا الأسبوع، تصدرها كتاب الناقد الراحل باسم عبد الحميد حمودي «ميريل ستريب وشخصيات سينمائية أخرى»، فضلا عن الكتب التي تتطرق إلى ثورة 14 تموز، معتقدين أن كتب الثورة راجت أكثر بعد عدم إدراج يوم الثورة عيدا وطنيا، في مشروع قانون العطل الرسمية الذي صوّت عليه البرلمان أخيرا.
وفي حديث صحفي قال كريم حنش، صاحب «مكتبة حنش» في المتنبي، أن من الكتب الأكثر مبيعا هو «ثورة 14 تموز بعد أربعة عقود»، للكاتبة والناشطة الشيوعية الراحلة د. سعاد خيري.
فيما لفت إلى أن الكتاب الآخر الذي يجذب القرّاء منذ أسابيع، هو «عقدك النفسية.. سجنك الأبدي»، للكاتب المصري يوسف الحسيني. من جانبها، قالت ممثلة مكتبة الاتحاد العام للأدباء والكتاب في المتنبي، رجاء الربيعي، أن من أكثر الكتب مبيعا هو مجموعة قصصية للأديب ياس السعدي، صادرة أخيرا ضمن منشورات الاتحاد، وعنوانها «الداخلون من أبواب متفرقة»،
تراجع حكومة إقليم كردستان
عن عطلة 14 تموز «قرار مؤسف»
من المؤسف تراجع حكومة إقليم كردستان عن اعتبار يوم ١٤ تموز عطلة رسمية في كردستان. فقد حققت ثورة ١٤ تموز إنجازا تاريخيا لصالح الشعب الكردي؛ إذ نصت المادة الثالثة من الدستور المؤقت، ولأول مرة في تاريخ الدولة العراقية، على ان العراق شراكة بين قوميتيه الرئيسيتين: العرب والكرد.
رائد فهمي
دعا إلى تعديل قانون العطل
النائب فاروق حنا عتو:
14 تموز يوم خالد في تأريخ العراق
بغداد ـ طريق الشعب
دعا النائب فاروق حنا عتو، أعضاء مجلس النواب والكتل البرلمانية، الى تعديل قانون العطل الرسمية، وتضمينه عطلة ليوم تأسيس الجمهورية العراقية في 14 تموز 1958.
وهنأ عتو في بيان ورد لـ»طريق الشعب»، الشعب العراقي «بمناسبة مرور الذكرى السادسة والستين لثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ يوم إلغاء النظام الملكي وإقامة النظام الجمهوري وتأسيس الجمهورية العراقية يوم استقلال العراق والسيادة الوطنية الكاملة»، معتبرا اياه «يوما خالدا في تأريخ العراق وفي ضمير الشعب العراقي».
وأحصى عتو في بيانه الانجازات الكبيرة التي حققتها ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨، والتي شملت:
- تأسيس الجمهورية العراقية المستقلة ذات سيادة كاملة.
- خروج العراق من حلف بغداد الاستعماري.
- تحرير النقد العراقي من كتلة الاسترليني.
- تحرير العراق من سيطرة شركات النفط العالمية.
- الانسحاب من سيطرة الأحلاف العسكرية.
- الغاء جميع المعاهدات الاستعمارية المخلة بالسيادة الوطنية.
- إصدار قانون الجمعيات وقانون الإصلاح الزراعي.
- إنجازات كبيرة في مجال الخدمات وتأمين السكن وبناء مؤسسات تعليمية وصحية وتمتين البنى التحتية.
وأكد أن «كل هذه الإنجازات، وبعد مرور ٦٦ عاما وحتى الآن ماثلة أمام الشعب الذي احتفل ويحتفل بهذه المناسبة، وبقي هذا اليوم عطلة رسمية منذ ١٤ تموز ١٩٥٨، إلا أن البرلمان العراقي لم يدرج يوم تأسيس الجمهورية والسيادة العراقية الكاملة في ١٤ تموز ضمن العطلات الرسمية في قانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٢٤، والذي دخل حيز التنفيذ في ٢٧ أيار ٢٠٢٤».
وتساءل النائب: «كيف وقع رئيس الجمهورية قانونا لم يدرج فيه تأريخ تأسيس الجمهورية كمناسبة وطنية أو كعيد وطني للعراق؟»، مشيرا الى انه «ورد في ديباجة الدستور العراقي لسنة ٢٠٠٥ ما نصه (نحن شعب العراق الناهض توا من كبوته والمتطلع بثقة إلى مستقبله من خلال نظام جمهوري اتحادي ديمقراطي تعددي)». كما اشار الى أن المادة ١ من الدستور تبدأ بـ(جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة. نظام الحكم فيها نيابي برلماني ديمقراطي)».
وتابع أن - المادة ١٢/ ثانيا تنظم بقانون الأوسمة والانواط والعطلات الرسمية والمناسبات الدينية والوطنية والتقويم الهجري والميلادي، لافتا الى ان «كلمة الجمهورية وردت في الدستور ٥٥ مرة بما فيها المواد التي تتعلق برئيس الجمهورية».
وكرر عتو تساؤله: «كيف يمكن تجاهل اليوم الذي تأسست فيه جمهورية العراق وعدم إدراجه ضمن العطلات الرسمية وكان من الأجدر أن يكون العيد الوطني العراقي».
ودعا النائب فاروق حنا عتو «السيدات والسادة أعضاء مجلس النواب العراقي والكتل البرلمانية الى إعادة النظر به وسرعة الشروع بتعديل هذا القانون».