اخر الاخبار

ما أجملَ المطرَ وما أنحسَ حظّنا.. تمطرُ في بلادِنا غيماتٌ متفرقاتٌ، يوماً أو يومين، فتتحوّلُ مواقعٌ التواصلِ إلى معرضٍ للصورِ والفيديوهاتِ الغرائبيةِ، لا بل المألوفة: أزقّةٌ تغرقُ، بيوتٌ يغزوها الماءُ من الأبوابِ والنوافذِ أيضاً، شوارعُ رئيسةٌ تُقفلُ وكأنها أنهت دوامَها الرسميَ. مشاهدُ لا تُثيرُ الدهشةَ بقدرِ ما تُحيي السؤالَ المتكررَ: هل نحن أمامَ أمطارٍ أم أمامَ دولةٍ ورقيةٍ تتفككُ بالبللِ؟!

كالعادةٍ، تطلُّ علينا بياناتُ الاستنفارِ: استعداداتٌ مبكرةٌ، خططُ طوارئ، تنسيقٌ مشتركٌ، جهوزيةٌ كاملةٌ... شعاراتٌ محفوظةٌ، كأنها نسخٌ ولصقٌ من مواسمَ الشتاءِ الماضيةِ، لا يتغيّرُ فيها إلا التاريخُ والعَددُ! 

دوائرُ الكهرباءِ هي الأخرى تدخلُ على خطِ الضحكِ على ذقونِنا، تتعهدُ بتوفيرِ التيارِ لضمانِ عملِ مضخاتِ سحبِ المياهِ، ثم بلا مقدماتٍ، تسقطُ الشبكةٌ. ينطفئ كلُ شيءٍ، وتنامُ المضخاتُ!

يومٌ مطريٌ كفيلٌ بكشفِ طبقاتِ من الوهمِ، وما أكثرَ ما كشفناها: شبكاتُ تصريفٍ لا تُصرِّف، طرقٌ بلا بنيةٍ تحتيةٍ، مضخاتٌ بلا كهرباء، خدماتُ طوارئٍ تحتاجُ هي نفسُها إلى مُغيثٍ، مواطنون يخوضون في مياه عجزت الحكومةُ عن تأمينِها شهورَ الأزمةِ المائيةِ!

ومثل كلِ عامٍ، يطلُّ علينا مسؤولٌ يحملُ مظلةً ويقفُ على حافةِ بركةِ ماءٍ متراميةٍ، ليقولَ بصوتٍ واثقٍ: الأمورُ تحت السيطرةِ. بينما يقفُ هو أصلاً وسطَ الكارثةِ!

الناسُ لم يعودوا مندهشين، صار الغرقُ موسماً وطنياً، جزءاً من الفولكلورِ الشتويِ. سكانُ المناطقِ الشعبيةِ يشاهدون الماءَ يتسرّبَ إلى داخلِ بيوتِهم البائسةِ، في حين تُهرِّبُ الكهرباءُ نفسَها من الخدمةِ كي لا تُبلّلها الأمطارُ.

القصةُ ليست مطراً.. القصة دولةٌ تُثبتُ كلَ سنةٍ أنها غيرُ قابلةٍ للصمودِ أمامَ أبسطِ اختبارٍ مناخيٍ.

يا أيها الناسُ، لم يضربْنا تسونامي، ولا سيلٌ جارفٌ، انها قطراتٌ.. قطراتٌ تكفّلت وتتكفلُ سنوياً، بفضحِ وهمِ استعداداتِ حكومةٍ ورقيةٍ!

في المختصرِ.. نحن مهما أغرَقَنا المطرُ، تُغرِقُنا الأكاذيبُ أكثرَ!