اخر الاخبار

مع كلّ عام دراسي، يتكرر المشهد ذاته: صفوف بلا كتب، دروس تتأخر، وطلبة يحاولون متابعة منهج لم يصل بعد. وبرغم التصريحات الرسمية التي تتحدث عن طباعة وتوزيع قريب، تبقى الكتب متوفرة في الأسواق أكثر مما هي في المدارس ومخازن الوزارة، ما يثير تساؤلات واسعة حول مصير الميزانيات المخصصة للمناهج.

وكان المتحدث باسم وزارة التربية، كريم السيد، قال في وقت سابق إن "الوزارة أتمت رفع المنهاج الجديد للغة الإنكليزية لمرحلة السادس الابتدائي على منصة المديرية العامة للمناهج الدراسية، لضمان إتاحة جميع وحدات الكتاب للطلبة والمعلمين بشكلٍ كاملٍ، لحين إتمام توزيع النسخ الورقية".

وأضاف السيد، أنّ أسباب عدم توفر الكتب في بعض المدارس، مرتبطة بـ"مشكلات فنية" في الطبع والتأليف، مؤكداً أن "الفرق المختصة في الوزارة، تُواصل عملها من أجل تأمين وصول النسخ المطبوعة المعتمدة لهذا العام الدراسي، في أقرب وقت إلى مدارس بغداد والمحافظات كافة".

وبعد قرابة شهر، تعمل المدارس على تأدية امتحانات نصف السنة للعام الدراسي 2025 ـ 2026، بينما لم يتلق كثير من طلبة المرحلتين المتوسطة والإعدادية كتبا منهجية تخص المواد العلمية وغيرها، بخاصة طلبة الدور الثالث.

توجه نحو الملازم والكتب الإلكترونية

 من جهتها، عبرت الأستاذة هناء جبار عن قلقها من تراجع الاهتمام بالكتاب المدرسي وتنامي اعتماد المدارس الأهلية منها والحكومية على الملزمات المختصرة، معتبرة أن هذا التحوّل يشكّل مساسًا بحق أساسي من حقوق الطالب.

وتؤكد جبار لـ "طريق الشعب"، أن الكتاب المدرسي هو الركن الأهم في العملية التعليمية، وأن التخلي عنه أو استبداله بملزَمات مقتضبة تعد "تجاوزا على حق طبيعي للطالب".

وتشير إلى أن المشكلة بدأت تدريجياً مع نقص الكتب الذي تعاني منه المدارس. هذا النقص ـ كما تقول ـ دفع بعض المعلمين والمؤسسات التعليمية إلى تبني الملزمات كحل بديل، لكنها ترى في هذا الاتجاه خطورة تربوية، لأن الكتاب يحتوي على معلومات موسعة وإخراج علمي وفني مدروس، بينما تكتفي الملزَمات بتقديم "ما يكفي للامتحان فقط"، وهو ما يحدّ من القيمة التعليمية الحقيقية للمنهج.

وتضيف أن هذه الظاهرة لا تؤثر على المستوى العلمي فحسب، بل تفرض أيضاً عبئا ماديا على أولياء الأمور والطلبة الذين يضطرون لشراء ملزَمات متعددة بدل حصولهم على كتب منهجية متكاملة.

أما بشأن فكرة الكتب الإلكترونية، فترى جبار أنها خطوة غير محبذة في الوقت الراهن، لأن اعتماد الطالب على الهاتف أو الأجهزة الذكية بحجة الدراسة الإلكترونية قد يزيد انشغاله بمواقع التواصل، بينما تسعى الأسرة والمدرسة إلى تقليل هذا الانشغال لا تعزيزه. وتشدّد على أن التحول إلى الصيغة الإلكترونية يجب أن يكون للضرورات القصوى فقط، وليس بديلاً عن الكتاب الورقي طالما أن الدولة قادرة على توفيره.

وتختتم هناء حديثها بالتساؤل عن مصير الميزانيات المخصصة للكتب والمناهج، مؤكدة أن توفير الكتاب المدرسي هو أبسط حقوق الطالب. كما تدعو إلى تطوير المناهج بما يلائم حاجات المجتمع ومتغيراته، بدل اتخاذ قرارات تعيد التعليم "خطوات إلى الوراء" بدل المضي به نحو الحداثة والجودة.

 مبادرات تطوعية لتعويض النقص

بدورها، تؤكد نور عادل، ناشطة في مجال التعليم، أن المشكلة لا تكمن في الميزانيات التي تخصص سنوياً للمنهاج الدراسي، بل في غياب الإدارة الفعّالة التي تضمن تحويل هذه الأموال إلى خدمات تعليمية حقيقية.

 وتقول عادل لـ"طريق الشعب"، أن ما يصرف على تحديث المناهج، الطباعة، التجهيزات، وبقية المستلزمات يفترض أن يكفي لتغطية احتياجات المدارس: "لكننا في كل عام نواجه المشكلة نفسها: نقص في الكتب، تأخر في التوزيع، ونقص في المستلزمات الأساسية داخل الصفوف".

وتشير إلى أن تكرار هذا النقص يعكس خللاً عميقاً في التخطيط والمتابعة والرقابة، فالمعتمد على الورق لا يصل دائماً إلى الطالب، والموازنات لا تتحول إلى نتائج ملموسة داخل المدارس.

وتضيف أن غياب قواعد بيانات دقيقة بأعداد الطلبة، وضعف إجراءات التعاقد والطباعة والتجهيز، كلها عوامل تُعيد إنتاج الفوضى نفسها عند كل موسم دراسي.

وتلفت إلى أن هذا الواقع دفع المجتمع للتحرك ذاتياً، إذ ظهرت مبادرات تطوعية وتعليمية لتعويض النقص من خلال تبادل الكتب، وتجميع المستعمل الجيد، وإعادة توزيعه لطلاب المراحل المنتهية. وتعتبر أن هذه المبادرات تُظهر وعياً مجتمعياً كبيراً، لكنها "لا يجب أن تكون بديلاً عن مسؤوليات الدولة".

وتختتم بالقول: ان "الميزانيات تُعلن كل عام، لكن أثرها على مستوى الخدمات ما يزال محدوداً. نحن بحاجة إلى إدارة تعليمية أكثر فاعلية وشفافية تضمن أن تصل كل مادة تعليمية إلى الطالب في وقتها وبجودة تليق بحقه في التعليم".

 عرقلة التعليم

أما حنين عبدالجبار، مدرسة مادة الأحياء في احدى مدارس بغداد، فتشير الى أن نقص الكتب الدراسية أصبح واحداً من أبرز الأسباب التي تعرقل سير المنهج منذ الأسابيع الأولى، إذ يُجبر المعلم على إبطاء الخطة أو إعادة الشرح مراراً لأن بعض الطلبة لا يملكون كتاباً يتابعون الدراسة معه.

وتضيف ان هناك طلبة لا تسمح ظروفهم المادية بشراء كتب جديدة من السوق، وهذا ما يخلق فجوة داخل الصف بين من يمتلك كتاباً ومن لا يمتلك".

وتعبر حنين عن استغرابها من المفارقة الواضحة بقولها: ان المكاتب وأسواق المتنبي مليئة بالكتب وبطبعات جديدة، لكن المدرسة الحكومية تفتقر لها! كيف تصل الكتب للسوق قبل ان تصل الى الطالب؟ كيف تتوفر للبيع بينما المديريات تعاني نقصاً فيها؟

وتؤكد أن هذا الوضع لا يربك الطالب فقط، بل يعطل سير المنهج بالكامل، لأن المعلم يُجبر على تعديل الجداول والواجبات وتقليل العمليات التطبيقية بسبب غياب المادة الأساسية التي يقوم عليها الدرس.

وتتحدث أيضاً عن الحل البديل الذي تقدمه الوزارة، وهو الاعتماد على المناهج الإلكترونية، لكنها تقول إن هذا الخيار غير عملي مع أغلب الطلبة: "أغلب طلابنا ليس لديهم أجهزة مناسبة أو إنترنت مستقر. وحتى لو توفرت، فالقراءة عبر الجهاز اللوحي لا يساعدهم على الاستيعاب، خصوصاً مع المواد التي تحتاج لتركيز عال مثل الأحياء أو الرياضيات".

وترى حنين أن المناهج الإلكترونية لم تُهيئ بالشكل المناسب لجيل اعتاد على القراءة الورقية، ولم تُرافقها تدريبات أو تجهيزات داخل المدارس تعوّض غياب النسخ المطبوعة.