في منتصف عام 2024، اجتمع الفريق المكلف بإنشاء المدن الجديدة في العراق، وخرج بتوصيات "مهمة"، في مقدمتها اعتماد منظومة التجميع الهوائي التلقائي للنفايات في المدن الجديدة والمجمعات السكنية واعتبارها من ضمن منظومة البنى التحتية، مع إلزام الشركات الاستثمارية بان تشمل إدارة النفايات خدمات "التجميع والنقل والفرز والمعالجة".
زائدة عن الحاجة!
بعد أكثر من عام على هذه التوصيات، يكشف مصدر مطلّع لـ"طريق الشعب" ان الشركات الاستثمارية لم تلتزم بهذه التوصيات، رغم أهميتها، واعتبرت إضافة منظومة التجميع الهوائي للمجمعات السكنية، نوعا من "الترفيه" الزائد عن الحاجة.
ويرى المصدر، ان عدم متابعة هذا الملف، وغياب الرقابة والمحاسبة، دفع بالمستثمرين إلى تجاهل قرارات مجلس الوزراء، وتوصيات الفريق، التي كان من شأنها تحسين الواقع البيئي، والاستفادة القصوى من النفايات ومعالجتها واستخدامها في التسميد العضوي للزراعة، أو إنتاج الطاقة "تحويلها إلى وقود"، ما يقلل التلوث ويوفر الموارد الطبيعية.
ودعا المصدر إلى تشكيل لجنة عليا لمتابعة تنفيذ هذا المعيار على المدن الجديدة والمطور العقاري والمشاريع السكنية العمودية والأفقية.
البرلمان لا يعرف أزمة المناخ!
من جانبه، يرى الخبير البيئي خالد سليمان، ان العراق يعاني من مشكلة بيئية كبيرة جدا تتمثل في عدم وجود استراتيجية بيئية واضحة.
وفي حديث لـ "طريق الشعب" اشار سليمان الى ان "قانون حماية وتحسين البيئة لعام 2008، من القوانين القديمة جدا، ولا يعالج الازمات البيئية الموجودة في العراق. ولليوم لم يتم تحديثه".
وذكر سليمان انه أعد دراسة معمقة للوضع البيئي، وقام بإجراء لقاءات واتصالات مع اربعة اعضاء في مجلس النواب، ومن دورات مختلفة، وبحث معهم الملفات المتعلقة باللازمة المناخية في العراق"، مبينا ان "النواب الاربعة، اكدوا انه خلال الدورات المتتالية لمجلس لم يتم تحديث او نقاش او تخصيص جلسة واحدة تتعلق المناخ، في وقت يحتاج فيه العراق، ليس الى قانون حماية وتحسين البيئة، وانما الى اصدار تشريعات جديدة".
إجراءات وقتية وتقارير "تلميعية"
وأكد ان "البلد يعاني من ازمة مناخية متمثلة بارتفاع درجات الحرارة وتواتر العواصف الغبارية، وتراجع سقوط الامطار، وبالإضافة الى هذه الاثار المناخية، هناك اثار اخرى تتمثل في التدهور البيئي جراء النشاطات الداخلية".
وبين سليمان ان "النشاطات الوطنية، ساهمت بالتدهور البيئي، بما في ذلك النقل والصناعة وتجريف البساتين لصالح التوسع العمراني، ناهيك عن ارتفاع النسبة السكانية في العراق".
وانتقد الخبير البيئي الاجراءات الحكومية، ووصفها بالوقتية واليومية، موضحا ان "الوزارات الحكومية تصدر تقارير "تلميعية" ان صح الاستخدام، بينما يتحدثون في المؤتمرات المتعلقة بالمناخ وتحديدا القمة المناخية عن ان العراق خطى خطوة كبيرة باتجاه التحسين المناخي، ولكن هذا الحديث غير دقيق، مشيرا الى انه "على مستوى الواقع، لم تخض جميع الوزارات بما فيها وزارة البيئة، محاولة واحدة للتحول نحو الطاقة المتجددة".
وثيقة بيئية اخلاقية
ونوه الى انه "على الحكومة ان تفرض على الشركات الخاصة وعلى القطاع الخاص اصدار تعليمات بيئية خاصة بها، كون هذه الشركات بما فيها الشركات النفطية تستخدم الموارد الطبيعية المتجددة وغير المتجددة"، متسائلا "كيف تعمل كل هذه الشركات في بلد يعاني من ازمة مناخية وليس لهذه الشركات لا قانون بيئي، ولا وثيقة بيئية اخلاقية؟".
ولفت الخبير الى انه "باستثناء مدينة السليمانية، لا توجد أي مدينة في العراق تعالج النفايات، حيث استطاعت السليمانية توفير الوقود لمعامل الاسمنت عن طريق معالجة النفايات، وهذا الأمر وفرّ على الدولة حرق الوقود في هذه المعامل".
الرقابة بحاجة إلى أدوات
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة البيئة، لؤي المختار، إن "هناك تحديات كبيرة تواجه عمل الوزارة في متابعة المخالفات البيئية على مستوى البلاد"، مؤكداً أن فرق الوزارة تعمل ضمن إمكانات مالية محدودة، لكنها تقوم بزيارات دورية وتفرض غرامات على الجهات غير الملتزمة بشروط حماية البيئة".
وأضاف المختار، أن "مديريات البيئة المنتشرة في جميع المحافظات تتابع ما يقرب من عشرة آلاف نشاط في بغداد وحدها"، مبيناً أن "هذه المديريات ترفع كتباً رسمية إلى الجهات الحكومية ومجلس الوزراء بشأن المخالفات التي لا تستجيب لإجراءات التصحيح".
وذكر المختار، أن "ضعف التخصيصات المالية يمثل أحد أكبر المعوقات، إذ لا توجد موازنة تغطي متطلبات الجولات التفتيشية، من وقود للسيارات إلى تكاليف الواجبات الميدانية"، لافتاً إلى أن "الوزارة تعتمد أحياناً على التمويل الذاتي لتغطية بعض الأنشطة الضرورية".
وعن إجراءات الغلق، بين المختار أن "القرار قد لا يكون قابلاً للتطبيق في بعض القطاعات الحساسة مثل محطات الصرف الصحي، لكنه يُنفذ في قطاعات أخرى"، كاشفا عن "غلق 18 معملاً للطابوق خلال الشهر الماضي بقرار من الوزير، لمدة ثلاثين يوماً قابلة للتجديد، إضافة إلى فرض غرامات حتى إزالة المخالفات".
وأنهى المختار حديثه بالقول: ان "ملاحقة المخالفات الحكومية قضائياً تواجه عقبات قانونية، إذ ترّد المحاكم الدعاوى لكونها تتعلق بجهات رسمية لا يشملها الحكم الجزائي، بينما يكون التعامل مع القطاع الخاص أكثر مرونة"، مشيرا الى أن "الحملة البيئية في بغداد باتت ضرورة ملحّة، خاصة مع تفاقم مستويات تلوث الهواء".
فريق بيئي
أعلن عضو فريق "شبكة المدافعين عن البيئة"، حيدر سعدي، عن انبثاق تشكيل جديد يُعنى بحماية البيئة والدفاع عن حقوق السكان المحليين في المناطق التي تضررت جراء التغيرات المناخية عبر منظومة عمل علمية ورصينة تعتمد الشفافية واحترام القوانين والتشريعات النافذة، مؤكداً أن الفريق بدأ بالفعل طرح قضايا بيئية "مهمة" تستند إلى معلومات دقيقة وموثّقة.
وقال سعدي، في تصريح صحفي، إنّ "فريق حماية المدافعين عن البيئة يضم خبراء وشخصيات حكومية ومختصين وناشطين في المجال البيئي، وقد بلغ عدد أعضائه حتى الآن 100 عضو موزعين على جميع أقضية ونواحي محافظة ذي قار، بما يمنح التشكيل قوة تأثير كبيرة على المستوى المحلي".
وأوضح، أن "عمل الفريق يسير بالتوازي مع الخطط الحكومية، من خلال نقل معاناة المواطنين البيئية، وطرح حلول واقعية والتوعية باستخدام التقنيات الحديثة في إدارة الموارد وحماية البيئة، إضافة إلى تعزيز الوعي المجتمعي تجاه المخاطر البيئية المتزايدة".
وأشار إلى أن "هذا التشكيل يسعى ليكون منصة تستقبل الشكاوى وتنتج مبادرات بيئية فاعلة، عبر عمل منظم ومتكامل يجمع بين الجهد الشعبي والدعم المؤسسي، بهدف خلق بيئة صحية وآمنة في عموم المحافظة".