اخر الاخبار

بعد ما يقرب من اسبوع، وتحديدا منذ اليوم الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني، المنقضي، بعد سبع جلسات تصويت لمن يطلق عليهم بالعرف السياسي والدستوري الإيطالي، بـ”الناخبين الكبار”. وهم أعضاء مجلسي النواب والشيوخ للبرلمان الإيطالي (945 عضوا)، وأعضاء مجلس الشيوخ لمدى الحياة (6 أعضاء) وثم ممثلون عن مجالس المقاطعات الإيطالية، وعددها 19 مقاطعة (58 ممثلا)، والذين شكلوا 1009 أعضاء.

وبعد مناورات ومفاوضات وأخذ ورد على أسماء مقترحة، بين قوى الأغلبية الحاكمة، وهي قوى تمتد أو تتسع بين قوى وسط اليمين ووسط اليسار (وربما الاسلم تسميتها قوى يسار الوسط أو يمين اليسار، ويمين الوسط أو اليمين الخالص). بعد كل ذلك ـ والمواطنون يراقبون بلا حول ولا قوة في التأثير المباشر ـ عاد “الناخبون الكبار” لرجاء رئيس الجمهورية سيرجو ماتّاريلاّ، المنتهية ولايته في السادس من شهر شباط الجاري، بالعودة عن قراره بعدم تجديد ولايته والموافقة على ترشيحه، الأمر الذي أدى في ثامن جلسة للتصويت مساء يوم التاسع والعشرين من شهر كانون الثاني المنقضي، إلى انتخابه بنيله 759 صوتاً من أصل 1009.

لقد طرحت خلال ايام أزمة انتخاب الرئيس أسماء متنوعة من بين شخصيات معروفة في ميادين القضاء والفلسفة والسياسة. وحاول البعض وخاصة زعيم حزب “رابطة الشمال” اليميني ماتّيو سالفيني، تسمية امرأة للمنصب بالاتفاق مع قوى ما يطلق عليها “وسط اليسار”، وفي مقدمتهم الحزب الديمقراطي، وحركة “5 نجوم”. ولكن الحسابات الحزبية الضيقة، وبذرائع متباينة واللجوء إلى نهج التكتيكات السياسية، في نظرة مستقبلية نحو أقرب انتخابات قادمة، لم تؤد إلى تحقيق ذلك. 

انتخابات الرئاسة الإيطالية أفصحت، بل أكدت مرةً أخرى على واقع اللوحة السياسية في بلد صار يعاني ومنذ أكثر من عقدٍ من السنين من أزمة بنيوية تتأسس على قوى تجاوزها الزمن ولكنها باقية تصارع من أجل بقائها والحفاظ على سلطاتها، بعيداً عن مصالح البلاد وأوسع الجماهير المكتوية بمخاطر الكوفيد – 19، وبضيق مستوى المعيشة مع استفحال اسعار المواد والخدمات. كما أن هذه الانتخابات أشرت غياب تأثير قوى اليسار الحقيقية، وخاصة قوى الشيوعيين المفتتة لأحزاب صغيرة لم تعد تحقق في أفضل الحالات في السنوات الأخيرة، أرقاماً تتناسب وتأريخهم سواء في الانتخابات السياسية أو الإدارية. 

انها أزمة نهج وممارسات قوى اللبرالية الجديدة، والممثلة بكل الأحوال لمصالح رؤوس الأموال المرتبطة بمصالخ الشركات والمؤسسات العابرة للجنسيات. فالكل يتحدثون عن مصالح الوطن ولكن الجميع يغوصون في المناورات والتكتيكات حتى اللاأخلاقية من أجل تحقيق مكاسب ومغانم سياسية لقواهم. 

لقد خرج الإيطاليون إذاً من أزمة انتخاب رئيس الجمهورية بإعادة انتخابهم للرئيس سيرجو ماتّاريلاّ، وعادوا إلى نفس مصاعب يومهم وأزمات حياتهم في ظل حقائق اتساع الفقر والفقراء وغلاء الأسعار في إيطاليا، وأمام مخاطر زيادات حادة في فاتورات الكهرباء والغاز. 

والرهان ينصب على قدرات وملكات رئيس الوزراء الإيطالي، الخبير الإقتصادي، ورئيس البنك المركزي الأوروبي إلى وقتٍ ليس بالعبد، ماريو دراغي، في تحقيق استقرار مالي واقتصادي مرتجى، وقبل ذلك وذاك الاستقرار السياسي حتى موعد الانتخابات القادمة. 

فمنذ شهر أيّار أمّن العام المنصرم، تمكن دراغي من لم شمل قوى متباينة ومتصارعة وتشكيل حكومة أغلبية عجيبة غريبة. ويبدو أن الأزمة البنيوية الإقتصادية وطابع النظام السياسي الذي صار العفن يناله منذ سنواتٍ، وثم الخوف من صناديق الإقتراع، أجبرت كل هذه القوى المتصارعة على الخضوع لتوجهات اللجوء إلى مثل هذه الحكومة الغريبة في التأريخ السياسي الإيطالي. 

والأنظار تترقب ما يمكن تحققه في المستقبل القريب من قرارات حكومية وخاصة في مواصلة إدارة ازمة الكوفيد، وأولا وبشكل خاص مواجهة الغلاء ومضاعفة تكاليف صرفيات الطاقة للمواطنين في ظل نسبة بطالة كبيرة وخاصة بين الشباب. 

إيطاليا تجدد آمالها وتوقعاتها “بتفاؤل” مما ستؤول إليه الأمور بعد ضمان عودة رئيس للجمهورية متفق عليه، وبقاء رئيس الوزراء المعول على قدراته، وفي الأفق مواعيد انتخابات قادمة. وفي مقدمتها انتخابات مجلسي النواب والشيوخ العام القادم. فهل يستمر استقرار حكومة الأغلبية العجيبة، أم أن حسابات نيل المكاسب ستؤدي إلى اختلالات تهدد تشكيلة الحكومة وصولاً إلى انتخابات مبكرة، كما يخطط البعض!

عرض مقالات: