اخر الاخبار

أزمة مفتعلة في ظل أوضاع معيشية وصحية صعبة

بعد مشاورات مع الاطراف البرلمانية أجراها الرئيس الإيطالي سيرجو ماتّاريلاّ، غداة استقالة رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبّي كونتي، في 26 كانون الثاني المنصرم، أعلن عن تكليف رئيس مجلس النواب، القيادي في حركة «خمس نجوم» والمعبر عن توجهات اليسار فيها، روبيرتو فيكو، بإجراء مشاورات للتوصل الى اتفاق بين قوى تدعم رئيس الوزراء المستقيل، وفي مقدمتها الحزب الديمقراطي الإيطالي (يسار الوسط)، وحركة خمس نجوم المتأرجحة بين يمين الوسط و»اليسار» من جهة، وزعيم حزب «إيطاليا فيفا»، ماتّيو رينزي من جهةٍ ثانية.

ورينزي هو رئيس الوزراء السابق وسكرتير الحزب الديمقراطي سابقاُ، وكان قد انشق عن الحزب المذكور، انطلاقا من رغبته المعهودة في  تصدر الساحة والتخلص من الزعماء السابقين للحزب واليسار الإيطالي. ثم شارك على رأس حزبه الجديد «إيطاليا فيفا» في حكومة كونتي بوزيرين مع ما يقرب من 40 عضواً في مجلسي البرلمان. وبعد فترةٍ من العمل في الحكومة اعلن الشهر الماضي عن  استقالة الوزيرين وفك الارتباط بالأغلبية الحاكمة.  وقد اثارت هذه الخطوة انتقادات حادة في اوساط الرأي العام من الوسط واليسار، التي اعتبرتها خطرة في ظل الأوضاع التي تمر بها إيطاليا، سواء على الصعيد الصحي او على المستوى الاقتصادي

وادعى رينزي وحزبه «إيطاليا فيفا» أن موقفه الجديد يأتي عن قناعته بضرورة المشاركة الجماعية، والموافقة على بعض شروطه للاتفاق على المشروع الهادف للتنمية وعملية الإصلاح المستدامتين.

ويعول رئيس جمهورية إيطاليا على محاولات رئيس البرلمان روبيرتو فيكو المتعلقة بتأمين أغلبية برلمانية تدعم تشكيل حكومة جديدة من قبل رئيس الوزراء المستقيل كونتي نفسه. ومن المقرر ان يتخذ غدا الثلاثاء قرارا يحسم الموقف. فأما اعادة تكليف كونتي وفي ذلك استثمار للوقت والجهد، وإما حل البرلمان والذهاب لانتخابات جديدة، الأمر الذي تطالب به قوى يمين الوسط، بزعامة حزب رابطة الشمال (ليغا) المعادي للمهاجرين. وربما يتم تكليف شخصية غير حزبية لتشكيل حكومة دستورية تنهي الدورة التشريعية، وتعالج الأوضاع الصحية والاقتصادية في البلاد.

ويجدر بالذكر أن رينزي بتشكيله لحزبه الجديد، كان يرغب في اجتذاب أصوات حزب رئيس الوزراء الأسبق المليونير اليميني سيلفيو بيرلسكوني. وقد قال مرةً أنه يعتبر الليبرالية مبدأ أساسيا لليسار، مقتديا في ذلك بنموذج البريطاني توني بلير. وحينها وبعد أمسية عشاء له مع بيرلسكوني، قال الأخير أن رينزي «يحمل نفس أفكارنا ولكن تحت علامة الحزب الديمقراطي».

المواطنون الإيطاليون الذين يعيشون أوضاعاً حياتية صعبة، في مجالات الحياة المختلفة وتحاصرهم إجراءات الحجر الصحي، يعبرون عن غضبهم واشمئزازهم من الأزمة المفتعلة الجديدة، وينتظرون ما ستنجم عنه المشاورات الأخيرة ويتطلعون إلى زمنٍ يخرجون فيه من مآزق كورونا، ومن مناورات الجشع السياسي على حساب عيشهم الطبيعي. خاصة وأن الكثير من أصحاب المحلات والمطاعم والمصانع الصغيرة فقدوا قدرتهم على المواصلة، ولا غير ازدياد البطالة وتردي الأوضاع المعاشية.

وتعيد هذه الأزمة المواطنين إلى ذكريات أزمات سابقة افتُعلت أيضاً، تنفيساً لمصالح شخصية وذاتية ضيقة، وخسر الشعب الإيطالي بسببها الكثير من الوقت والجهود.

 وهي تؤكد حقيقة تعمق أزمة النظام السياسي، باعتباره أحد نماذج التطور المشوه للرأسمالية ومعبرا عن أمراض سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية. في وقتٍ ما تزال فيه قوى اليسار مشتتة، وتبحث عن موطئ قدمٍ لها بعد سنواتٍ من الأزماتٍ التي سببتها شخصيات يعرفها الايطاليون جيدا.

عرض مقالات: