اخر الاخبار

قبل أيام، اشتكى مجلس محافظة بغداد من وجود كميات كبيرة من البيض التالف والفاسد المستورد في الأسواق المحلية، موسوم بأختام تُنسب إلى الإنتاج العراقي. وكالعادة، فإن العديد من الصناعات العراقية التي حققت الاكتفاء الذاتي تعرضت لانتكاسات نتيجة الاستيراد غير المنظم من قبل بعض التجار والمتنفذين، مثل صناعات الألبان والتمور والطماطم وغيرها، مما أثر عليها سلبًا وأدى إلى توقف العديد من المشاريع، وتكبيد المنتجين العراقيين خسائر كبيرة، فضلًا عن زيادة معدلات البطالة بسبب خروج العملة الصعبة العراقية إلى الخارج. ولم يكن ذلك بسبب عدم تطبيق قانون حماية المنتج العراقي فحسب، بل لعوامل أخرى سنأتي على ذكرها لاحقًا.

وفي هذا السياق، لا بد من إلقاء نظرة على صناعة الدواجن في العراق، سواء في مجال دجاج اللحم، أو إنتاج بيض المائدة، أو بيض التفقيس.

يوجد في العراق ما يقارب 7000 مشروع دواجن لإنتاج دجاج اللحم، منها حوالي 3000 مشروع متوقف عن العمل. كما يوجد ما بين 400-500 مشروع لإنتاج بيض المائدة، تنتج ما يقارب 7-8 مليارات بيضة سنويًا، ويسهم هذان القطاعان في تحقيق ما يقارب 80 بالمائة من الاكتفاء الذاتي، وأحيانًا يصل الإنتاج إلى مستوى يسد الحاجة المحلية بالكامل. كذلك، يوجد أكثر من 261 مفقسا، تنتج أكثر من 1.3 مليار فرخة سنويًا.

ورغم ترابط حلقات الإنتاج، فإن إنتاج أمهات بيض المائدة واللحم يبقى الحلقة الأضعف، حيث إن 95 بالمائة من بيض التفقيس يتم استيراده من الخارج، بسبب تدمير البنى التحتية، مثل حقول الأمهات في سامراء وغيرها، على يد تنظيم داعش. وبشكل عام، فإن هذه المشاريع، سواء الكبيرة أو المتوسطة أو الصغيرة، توفّر فرص عمل لما يقارب مليون عامل، وفقًا لتصريحات مدير عام الثروة الحيوانية.

التحديات التي تواجه صناعة الدواجن في العراق

يشكو أصحاب المشاريع من إدخال البضائع المستوردة خلال فترات فائض الإنتاج المحلي، مما يؤدي إلى خسائر كبيرة. كما يعانون من ارتفاع أسعار الأعلاف بسبب ارتفاع سعر الدولار، حيث بلغ سعر الطن الواحد من كسبة فول الصويا حوالي مليون دينار عراقي، إلى جانب ارتفاع أسعار البروتين الحيواني والإضافات العلفية.

كما تشكّل ندرة اللقاحات والأدوية البيطرية في المستشفيات والمستوصفات البيطرية تحديًا كبيرًا، بالإضافة إلى مشكلة توفير الطاقة الكهربائية وارتفاع أسعار الوقود. كذلك، هناك ضعف في الدعم الحكومي، سواء في توفير المستلزمات التي ذُكرت أعلاه، أو في منح القروض لإنشاء المشاريع أو تشغيلها، مما أدى إلى توقف العديد من المشاريع، مثلما حدث في محافظة واسط، حيث توقف أكثر من 50 مشروعًا لإنتاج بيض المائدة عن العمل.

ومن المشكلات الأخرى، وجود أكثر من 2400 مشروع دواجن تعمل بشكل غير مجاز، وتعاني من تعثر شديد. كل هذه العوامل تستوجب البحث عن حلول جذرية لمعالجة العراقيل التي تحدّ من نمو صناعة الدواجن، نظرًا لأهميتها في تحقيق الأمن الغذائي، ودعم الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص عمل واسعة.

الإجراءات المطلوبة لدعم قطاع الدواجن

  1. تطبيق قانون حماية المنتج المحلي، من خلال وضع آليات فعالة لتنفيذه، ومراقبة الأسواق المحلية لمنع دخول المنتجات الأجنبية، خصوصًا من دول الجوار، وإنزال أشد العقوبات بالمستوردين غير القانونيين، مع إتلاف البضائع الفاسدة والتالفة، وإيقاف الاستيراد نهائيًا خلال فترات ذروة الإنتاج المحلي.
  2. معالجة مشكلة مشاريع إنتاج الأمهات، عبر إعادة تأهيل المشاريع التي تعرضت للتخريب، وتوفير التسهيلات اللازمة للاستثمار في هذا المجال، مثل تخصيص الأراضي، وتقديم القروض، ومنح إجازات استيراد التجهيزات الضرورية.
  3. توفير الطاقة الكهربائية لمشاريع الدواجن بنوعيها اللحم والبيض، نظرًا لحاجتها الكبيرة إلى التكييف، خاصة في ظل الظروف الجوية الحارة في العراق.
  4. توفير الوقود لأصحاب المشاريع لتعويض انقطاعات الكهرباء، بما يضمن تشغيل المولدات الخاصة بأسعار مدعومة، مع منحهم الأولوية في تزويد الوقود.
  5. منح القروض المصرفية لمشاريع الدواجن من خلال المصرف الزراعي، لتوفير السيولة المالية اللازمة لإنشاء المشاريع أو تطويرها.
  6. توفير اللقاحات والعلاجات البيطرية من أحدث المناشئ العالمية الموثوقة، والعمل على تطوير إنتاجها محليًا لضمان توفرها.
  7. توفير الأعلاف لمربي الدواجن بجميع أنواعها بأسعار مدروسة، بحيث تتناسب مع أسعار منتجات الدواجن في الأسواق، وتحقق توازنًا اقتصاديًا للمنتجين.
  8. تنظيم دورات إرشادية لمربي الدواجن والعاملين في القطاع، تشمل الإدارة الحديثة، وأساليب الحماية البيطرية، وأفضل الممارسات في تربية الدواجن.
  9. معالجة مشكلة المشاريع غير المجازة، من خلال تقديم التسهيلات الإدارية والمالية لها، بما يتيح لها الاستفادة من الدعم الحكومي، كونها تساهم في تحقيق الأمن الغذائي الوطني.

إن صناعة الدواجن في العراق تعدّ من القطاعات الحيوية التي يمكن أن تسهم بشكل مباشر في دعم الأمن الغذائي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتوفير فرص عمل كبيرة. لذا، فإن اتخاذ إجراءات حقيقية وفعالة لدعم هذا القطاع سيعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني، ويحقق استقرارًا أكبر للأسواق المحلية.

ــــــــــــــــــــــــــ

*مهندس زراعي استشاري