اخر الاخبار

الخطب والانفعالات والقرارات التي يطلقها الرئيس الأميركي المنتخب للجولة الثانية هي ليست بمفاجئة أو غريبة عن فكر حزبه الجمهوري الرأسمالي/ الإمبريالي.

والمتابع لكل تصريحاته ووعوده أثناء حملته الانتخابية يتأكد من أن الأطماع الرأسمالية البشعة لا تتوقف عند تهديداته لخصومه المحليين بل تعدت حدود الولايات المتحدة لتطالب من منطلقات استحواذيه بأراضٍ وممتلكات دول أخرى، ليس هذا فحسب بل وتعدى ذلك إلى الاستخدام السيئ لسلطته وقوة بلاده الاقتصادية والعسكرية في تهديد الاقتصاد العالمي وهو يسعى من منطلق الأفكار الرأسمالية ومن أوهامه المعقدة تجاه الصين، إلى السيطرة على حركة السوق العالمية وإرضاء لما تسيل اليه لعاب داعميه ومؤيديه بمن فيهم صهاينة تل أبيب.

وكان من بين قراراته التعيسة في أول يوم تسنمه منصبه والتي تنطلق من مبدأ (أذا لم استفد فلا أفيد) ما أتخذه من قرارين بائسين ستلقي بظلالهما السلبيين لاحقاً وهما الانسحاب من منظمة الصحة العالمية ومن اتفاقية باريس للمناخ.

انسحاب مشؤوم

منظمة الصحة العالمية (WHO)، تأسست عام 1948 وهي "وكالة الأمم المتّحدة التي تقيم روابط بين البلدان والشركاء والمجتمعات المحلّية لتعزيز الصحّة والحفاظ على سلامة العالم وخدمة المحتاجين حتى يتمكّن الجميع في كل مكان من التمتّع بأعلى مستوى من الصحّة يمكن بلوغه، كما أنها تراقب حركة الأمراض وانتشارها خصوصا المعدية منها، وتراقب كذلك تفاعلات وتطبيقات الأدوية واللقاحات في أنحاء العالم وفق التقارير التي تردها من فروعها وبالتعاون مع المؤسسات الصحية الحكومية في كل بلد. وتعمل المنظمة على الاقتراب من أسس الأمراض المزمنة والتي تحصد أرواح الناس بأعداد مهولة سنوياً من خلال البرامج التي تتبناها لأجل الحد من أضرارها". إن كل هذا العمل الجبار يتطلب مشاركة وتعاون كل بلدان العالم مع المنظمة والتي في المحصلة النهائية تقود الإستراتيج الصحي في كل أنحاء المعمورة.

المهام الملقاة على عاتق المنظمة جسيمة مما يتوجب الدعم المالي من الحكومات وخصوصاً البلدان المتقدمة والمتطورة. إن أحدث ميزانية للمنظمة لعامي 2024-2025 بلغت 6.8 مليار دولار وأن الولايات المتحدة تعد أكبر داعم للمنظمة بنسبة تبلغ 18% اي ما يعادل مليار و250 مليون دولار.

لم يكن قرار ترامب مفاجئا للمنظمة فقد سبق وأنه قرر الانسحاب إبَان ولايته الأولى – في تموز 2020- والذي جاء على خلفية قرار المنظمة أن كوفيد 19 جائحة حيث أبلغ المنظمة أن إدارته تخطط للانسحاب وتعليق التمويل، الاّ أن جو بايدن استعاد عضوية الولايات المتحدة مرة اخرى عام 2021 مع تطبيق التزاماتها.

قرر الرئيس الأميركي ترامب الانسحاب من المنظمة لاعتقاده أن بلاده تدفع مبالغ ضخمة جداً مقابل فشل المنظمة في أداء مهامها.. وأسباب الفشل كما يعتقد هي: ـ

  1. استجابة المنظمة للجائحة لم تكن بالمستوى الذي كان يجب أن تتحمله المنظمة.
  2. إدارتها للأمراض الأخرى غير صحيحة.
  3. إن بلاده تدفع أكثر بكثير مما تدفعه الصين.
  4. المنظمة لم تتصرف بمعزل عن التأثير السياسي.

تأثير هذا الانسحاب والذي يعني عملياً إيقاف التحويلات المالية الأميركية المستقبلية للمنظمة وكذلك استدعاء الموظفين الأمريكان والمتعاقدين الفيدراليين الذين يعملون مع المنظمة:

  1. ستجبر المنظمة على إجراء إعادة الهيكلة مما يؤدي إلى عرقلة عمل العديد من المبادرات الصحية العالمية.
  2. تراجع المكاسب التي تحققت على مدى عقود في مكافحة الأمراض المعدية كالإيدز والملاريا والتدرن.
  3. تلكؤ برامج طويلة الأمد كالتعامل مع الأمراض المزمنة (ارتفاع ضغط الدم والسكري وغيرهما)

** إذا اصرت الإدارة الأميركية على موقفها فالحل يكمن في أن تتحمل الدول وتحديدا ذات الاقتصاديات الجيدة مسؤوليتها وتعويض النقص الذي سيحصل علماً ان تنفيذ قرار انسحاب اي دولة يتم بعد عام من إشعار المنظمة بالقرار.

اتفاقية باريس للمناخ

لفت، العلماء خلال العقد الأول من بداية الألفية الثالثة انتباه الحكومات إلى الخطر المحدق بكوكبنا بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري والتي جاءت كنتيجة لانبعاث الغازات والأبخرة الصادرة عن حمى الصناعة والتصنيع.

وقد أشارت البحوث والدراسات التي قام بها العلماء إلى أن حرارة الأرض قد ارتفعت 1-2 درجة أي أعلى بحوالي 1.5- 2.5 درجة حرارية فوق مستوى ما قبل عصر الصناعة وعملياً فأن ذلك قد يتسبب في ذوبان جليد القطبين الشمالي والجنوبي وارتفاع منسوب المياه وبالتالي ستهدد بلداناً بأكملها بالغرق.

وقد تابعت التقارير أن كميات الغازات المنبعثة كانت نسبتها الأعلى في البلدان الصناعية مما عنها في البلدان النامية.

وعليه فقد التأمت وفود 195 أعضاء منظمة الأمم المتحدة يوم 12/12/2015 وصادقت على قرار مؤتمر المنظمة الذي عقد في باريس حيث أطلق عليه (المؤتمر 21 للتغير المناخي).

وتعمل هذه الاتفاقية على: ـ

  • مواجهة مشكلة انبعاث الغازات وكيفية أيجاد الحلول للتكيف معها والتخفيف من حدة اضرارها على البيئة.
  • النظر بجدية للآثار الواضحة للتغيرات المناخية.
  • الحد من ارتفاع الحرارة إلى أقل من درجتين مئويتين.

لقد تم الاعتراف بأن التغير المناخي يتطلب جهوداً استثنائية وتعاونا مشتركا من قبل جميع البلدان وضرورة التجاوب الفعال من قبلها على وفق المبادئ التالية:

  1. حق الأجيال القادمة في العيش في بيئة سليمة.
  2. البلدان المتقدمة تأخذ دور الصدارة في تنفيذ مشروح الإصلاح المناخي.
  3. وضع الاعتبار لظروف البلدان النامية الخاصة وأن البلدان المتقدمة تتحمل عبئا إضافيا في ذلك.
  4. على جميع الأطراف اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من تغيرات المناخ وتقلباته والتخفيف من آثارها مهما كانت التحديات.

الدعم المالي

في مؤتمر باريس تم التأكيد على ضرورة توفير 100 مليار دولار سنوياً لصالح قضايا المناخ وحتى عام 2020 والاستمرار حتى عام 2025 هذه المبالغ لمساعدة الدول النامية لمواجهة أعمال التأقلم مع التغيرات المناخية والتخفيف من تأثيراتها.

انسحاب الولايات المتحدة

في الأول من حزيران عام 2017 أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من أتفاق باريس إلاّ أن الموقف تبدل بمجيئ بايدن للبيت الأبيض.

وفي ولايته الثانية عام 2025 وقع ترامب أمراً تنفيذياً يقضي بالانسحاب من معاهدة باريس للمناخ وأوضح السبب بقوله: "سأنسحب على الفور من خدعة أتفاق باريس غير العادلة والمنحازة.. لن تخرّب الولايات المتحدة صناعتها بينما تطلق الصين التلوث مع الإفلات من العقاب." علماً أن قرار ترامب سيدخل حيز التنفيذ بعد عام حسب ضوابط المعاهدة.

لقد اعتبر المراقبون انسحاب ترامب الثاني من اتفاقية المناخ:

  • عدم التزام الدولة الأولى في العالم من حيث الانبعاثات، بالاتفاقات الدولية التي تخدم البشرية وعرقلة الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ.
  • ترامب يشك بنظرية الاحتباس الحراري حيث وصف الاتفاق بأنه (خدعة).
  • ترامب يهدف لزيادة التنقيب عن النفط والغاز وليمكّن ادارته من إطلاق العنان في زيادة الإنتاج بأقصى الحدود.
  • العدول عن تدابير مناخية اتخذها بايدن منها تمويل مصادر الطاقة المتجددة واقتناء السيارات الكهربائية.

وبذلك انضمت الولايات المتحدة إلى إيران واليمن وليبيا وهي الدول التي لم تدخل اتفاق باريس.