اخر الاخبار

في هذا الصباح الغائم وقد تعودت الاستيقاظ المبكر، ليس اختيارا بل مجبرا، بحكم سنوات العمر التي يقل فيها النوم كثيرا، حيث عقارب الساعة تحث الخطى سريعا إلى الأمام ودون رجعة، تاركة خلفها كما هائلا من ذكريات الكدح الشريف الشاق لبناء حياة أفضل، يعيش فيها الإنسان بأبهى صور المعاني التي تليق بكائن حي على وجه البسيطة جسدت في مقولة خالدة للعالم كارل ماركس (الأنسان أثمن راس مال).

جيل تلو جيل ، ومنذ البدايات الأولى لبذر الفكر الشيوعي في بلاد ما بين النهرين وليومنا هذا يخوض هذا الحزب العتيد شتى أصناف الصراع ضد كل أشكال العلاقات القديمة البالية المعيقة لحركة التقدم والازدهار ( قبلية ، طائفية وشوفينية )، ليخلق عالما جديدا جامعا يستظل فيه الجميع دون استثناء أو إقصاء شعاره المركزي ( وطن حر وشعب سعيد ) يتحقق عبر الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي تسودها روح المواطنة، ولأجل ذلك قدم الرعيل الأول ومن بعده قوافل من الشهداء في سبيل تحقيق الهدف النبيل والسامي دون كلل او ملل او تنصل رغم شراسة ووحشية العدو الطبقي الغاشم ، لقد كان مناضلو الحزب بواسل في مقارعة كل أنظمة الاستبداد التي تعاقبت على حكم العراق ابتداء من تأسيس الدولة العراقية عام 1921م عندما اعتلى قادة الحزب ( فهد وحازم وصارم ) وهم يهتفون :

الشيوعية أقوى من الموت واعلى من أعواد المشانق.

ونحن في مقتبل القرن الواحد والعشرين لازالت تعصف بالبلاد أزمات مدمرة وصراعات طائفية تواجه شعبنا في ظل نظام دولي يتحكم فيه رأس المال المعولم الذي خلق مع التقدم التكنلوجي المتسارع مشاكل عويصة تتمثل بكيفية فك الاشتباك بين الصوري والرقمي والمتخيل لزمن الرسمالية المتوحشة، الأمر الذي يدعو إلى المزيد من العمل والحنكة والتدبير، كون حزبنا البديل المأمول لانتشال البلد من مآزقه.

صحيح انه لم يستلم يوما واحدا للسلطة، ليكون في موضع اختبار حقيقي لأدائه التنفيذي، لكنه اثبت بشكل لا يقبل اللبس عندما استوزرت الرفيقة الدكتورة نزيهة الدليمي عام 1958م وزارة البلديات والرفيقان عامر عبدالله وزارة الدولة والدكتور مكرم الطالباني وزارة الري عام 1973 م. اما بعد التغيير 2003 كان الرفيق حميد مجيد موسى ( أبو داود ) صمام أمان القرارات التي تصب في صف الشعب ومعه الشهيد وضاح حسن عبد الأمير ولاحقا هيفاء الأمين التي استقالت ابان قمع انتفاضة تشرين الخالدة عام 2019 م ، وعندما يجري الحديث عن النزاهة والأمانة الا ويذكر الأعداء قبل الأصدقاء الرفيقين الوزيرين رائد فهمي ومفيد الجزائري بانهما المثال الذي يجب ان يحتذى به .

أمامنا أيام قليلة على ذكرى عزيزة على قلوب كل الشرفاء، ذكرى الميلاد الميمون الواحد والتسعين الذي لم يغادر ساحة النضال أبدا. حقا انه عميد الأحزاب العراقية بأجماع كل المهتمين بالشأن السياسي والاجتماعي وبمختلف توجهاتهم الفكرية وهو كذلك يمثل تاريخ الحركة الوطنية في العراق المعاصر.

لنعود للعنوان الذي استعرته من إحدى المحاضرات المهمة للدكتور عدنان عبيد المسعودي أستاذ الفلسفة في جامعة كربلاء وقد شدتني تلك الجملة التي تقول:

(من ان الحزب الشيوعي العراقي هو الحزب الوحيد بين الأحزاب الشيوعية التي استطاع بكل جدارة إيصال الفلسفة للجماهير).

ولا غرو فقد عمل على بسطها من اليوم الأول بين أيدي الكادحين بكل إبداع دون إغفال لأي جانب من جوانب الحياة، فكانت خطة شروع لعمل الرفاق في أولى الخلايا التي تشكلت في البصرة والناصرية وبغداد وكردستان لدراسة الفلسفة الماركسية.. المادية التاريخية.. الاقتصاد السياسي التي وضعت بواقعية بين أيدي الفلاح والعامل والمثقف والفنان والطبيب والمهندس عبر قراءة تلامس المصلحة الطبقية لتلك الشرائح دون ان تعرف أن خلفها ماركس او انجلس او هيجل.

نتذكر جيدا المقالات التي يكتبها الراحل أبو سعيد ( عبد الجبار وهبي ) والعمود الطبقي المخيف للراحل شمران الياسري ( بصراحة أبو كساطع ) كانا يرهبان السلطة ويهزان كراسيهم، وكذا الحال لكتابنا في المسرح حين حول المخرج الراحل قاسم محمد ( رواية النخلة والجيران) للراحل غائب طعمة فرمان لوثيقة إدانة، وكذا الحال في السينما حين برع الراحل يوسف العاني في فضح الواقع البائس في فيلم (سعيد افندي)، ولم يكن الشعر بعيدا بل كان في مقدمة منطقة الاحتراب وهو يصدح بأصوات الكبير الخالد محمد مهدي الجواهري والراحل محمد صالح بحر العلوم الذي لاتزال قصيدته ( اين حقي ) تلهج بها الالسن، ولم يكن الراحل مظفر النواب التي أصبحت قصيدة ( صويحب ) أيقونة لمنتفضي تشرين الخالدة في ساحات العراق، ولأيمكن ان ينسى أحدا كم كان الراحل الفنان فؤاد سالم يقلق البعث الصدامي بأغانيه المنطلقة من جبال كردستان .

اليس تلك قمة البراعة في إيصال الفكرة الفلسفية المعقدة وتحويلها إلى فعل ثوري كما كان بريشت يدعو له لخلق سؤال؟

تلك قوة وفاعلية الفكر الشيوعي الذي يلامس حسه الإنساني ويسمو به.

كل عام وحزبنا الشيوعي العراقي في عطاء دائم وعمر مديد.