يعّد العمال، القوّة الفاعلة والمؤثرة في العملية الإنتاجية ومكملاتها: التشغيل، الصيانة، الانتاج، التعبئة والتغليف، التخزين، النقل، التفريغ، التوزيع، التنظيف، الحراسة،..الخ. أما الموظفون، فتُناط بهم، وحسب التحصيل الدراسي والتخصص المهني، الأعمال والخدمات الساندة للعمال والعملية الانتاجية بصورة عامة، وهي: الهندسية، الفنية، الإدارية المالية، التجارية، التسويقية، الرقابية، التخطيط والمتابعة، الفحص الهندسي والسلامة، السيطرة النوعية، البرامج والمعلوماتية، البحث والتطوير، وشهادة الجودة للمنظمة الدولية للمعايير "الآيزو"، أدارة المشاريع، التصاميم، الطبابة، إدارة المخازن.. الخ. مثل هذا التقسيم ما هو إلا تقسيم قياسي مهني عالمي يعتمد الوصف الوظيفي الذي تُحدد بموجبه وفق معايير بيانية ورياضية، درجة الإنتاجية، وكلٌّ حسب عمله وما ينجزه.
وتتعلق هذه المقدمة التعريفية بقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 150 لسنة 1987، والذي جرى بموجبه تحويل فئات واسعة من العمال (المنتمين لقطاعات الصناعة والخدمات) إلى "موظفين" حكوميين، مُستخدَمين بموجب عقود دائمة. لكن هذا القرار لم يكن إصلاحًا اجتماعيًا، بل كان أداة لما يلي:
- تجفيف منابع النقابات العمالية، بتحويل العمال إلى موظفين خاضعين مباشرة لسلطة الدولة، وحظر تشكيل نقابات مستقلة خاصة بهم.
- إخضاع القطاع العمالي لسيطرة أمنية وقانونية مُطلقة. حيث باتت علاقة العامل بالإدارة أشبه بعلاقة الموظف بالدولة، مع تقييد حق الإضراب أو المطالبة بالحقوق.
- تدمير استقلالية الحركة العمالية، التي كانت تشكل تهديدًا محتملًا للنظام السابق عبر تنظيماتها النقابية.
ردود الفعل الدولية
أثار القرار استياء دوليا، حتى أن الاتحاد السوفيتي (الحليف الرئيس للعراق آنذاك) طلب تفسيرًا رسميا لكيفية تطبيقه، إذ اعتبره انتهاكا لاتفاقيات منظمة العمل الدولية (خاصة الاتفاقية رقم 87 حول حرية التنظيم النقابي). لكن النظام السابق تجاهل هذه الاعتراضات، معتمدا على حجة "سيادة الدولة" في تنظيم شؤونها الداخلية.
هل حان الوقت لإلغاء القرار؟
رغم سقوط النظام السابق عام 2003، لا يزال القرار ساريا بسبب:
-
غياب إرادة سياسية لإصلاح قوانين العمل، لا سيما مع استمرار هيمنة الفكر البيروقراطي في الدولة.
-
تخوف بعض الأطراف من أن يؤدي إلغاء القرار إلى إحياء النقابات العمالية المستقلة، التي قد تطالب بإصلاحات جذرية في سياسات الأجور والضمان الاجتماعي.
ويكمن الحل الأمثل في تشريع عادل، حيث ينبغي على البرلمان العراقي اليوم، إصدار قانون عمل جديد يلغي قرار (150) ويُعيد الاعتبار للعمال كفئة مستقلة ذات حقوق نقابية. كما يجب التصديق على اتفاقيات منظمة العمل الدولية، خاصة تلك المتعلقة بحرية التنظيم النقابي (الاتفاقية 87) والحق في المفاوضة الجماعية (الاتفاقية 98)، وضمان حماية العمال من التمييز أو الفصل التعسفي في حال انتمائهم إلى نقابات.