الحزب الشيوعي العراقي ومنذ اليوم الأول لتأسيسه تبنى المصاعب والمشاكل التي تواجه الشعب وطرح البدائل والحلول لها، وركز في نضاله على الجانب الخدمي من خلال تشخيص الواقع المستعصي بالثلاثي الأسود (الفقر والجهل والمرض).
لقد حظي الجانب الصحي للشعب العراقي حيّزاً مهماً وعلى الدوام في صحافة الحزب انطلاقا من برنامج الحزب وسياسته في التصدي لكل ما يعانيه الشعب والوطن.
إن الحزب حينما كان وما زال يكتب وينشر في صحافته عن موضوعات الواقع الصحي المؤلم في البلد لم يكن الا من خلال المعايشة الحقيقية الفعلية لمراسليه وكتاّبه ومحرري هذه الموضوعات مع الواقع الملموس، وبذلك تأتي تشخيصات تلك السلبيات حقيقية موثوقة وموّثقة لا ترقى إليها الشكوك.
تم تناول مشاكل الشعب الصحية من موقعين، الأول وضع المشاكل الصحية تحت العدسة وتسليط الضوء عليها وبكل دقة، أما الثاني فيكمن في طرح الحلول لتلك المشاكل.
وتمثلت المشاكل الصحية المستعصية بـ :ـ
- عدم وضوح الرؤيا الدقيقة في طبيعة ومسارات السياسة الصحية للبلد.
- الخلل البنيوي في هيكلية وعمل وزارة الصحة واستمرار المنهج القديم (الذي لا يواكب العلم المتطور) في أدارة السياسة الصحية للبلد.
- الخلل الكامن والهوّة الفاضحة بين خطط التنمية الصحية وبين تطبيقها وارتباط تلك العناوين بالميزانية المالية المخصصة لتنفيذ المشاريع الخدمية الصحية.
- النقص الشديد في المؤسسات الصحية وبكل أنواعها.
- الفوضى المتجلية في التوزيع الجغرافي والسكاني للمؤسسات الصحية الخدمية كافة.
- تخلف أداء المؤسسات ذات العلاقة بالإحصائيات الطبية والصحية، علماً أن الرصد والإحصاء الوبائي والصحي العام يعد أهم مرتكز يؤسس عليه الخطط قريبة وبعيدة المدى.
- النقص المزمن في الكادر الطبي والتمريضي.
- شح الأدوية المصنعة والمستوردة، علماً أن إحدى أهم منجزات ثورة 14 تموز الخالدة هو تطوير الصناعة الدوائية الوطنية وانعكس ذلك في المقالات التي نشرتها صحافة الحزب والتركيز على أهمية سيطرة القطاع العام على تلك الصناعة حماية لها من الوحش المتربص بها وهو الخصخصة. لقد تجلت ظاهرة شح العلاجات في تلك التي تعالج الأمراض السرطانية المنتشرة بشكل ملفت وتحديداً بعد الحروب العبثية التي سعى اليها البعث ونظام صدام المقبور.
- تدني الوعي الصحي للمواطنين والانكفاء عن مواصلة التوعية وتراجع التطبيق الخلاق للبرامج التوعوية.
- السلبيات العديدة التي ترافق تطبيق الحملات التلقيحية وتقديم احصائيات غير دقيقة.
- عودة ظهور أمراض كانت قد اختفت.
- كسر حلقة سلسلة حماية المواطنين من الأمراض المشتركة.
- التصدع الفظيع في الواقع البيئي وتراجع الواقع إلى درجاته الدنيا.
- غياب الرقابة الصحية التي تؤمن السلامة الصحية للمجتمع في كل المجالات.
- نمو أذرع شبكات الفساد في كل مفصل من مفاصل الإدارة الصحية في البلد كجزء من منظومة الفساد واستمرارا لما كان قبل 2003 وإلى ما بعده.
هذه هي جوهر مشاكل الواقع الصحي الأليم في العراق، والتي تناولتها صحافتنا وبتفاصيل أكثر من إجراءات الإسعافات الأولية والثانوية واستقبال المرضى، وحالات الطوارئ والخدمات المقدمة للراقدين في المستشفيات والتنافس اللامنطقي بين القطاعين العام والخاص وصرف النظر عن القطاع المختلط.
لقد تصدت أول جريدة أصدرها الحزب وهي (كفاح الشعب) في 31 تًمُوز 1935 وكان الخالد فهد من أبرز كتابها لموضوع الواقع الصحي في العراق ومن ثم تلتها (الشرارة) التي صدرت نهاية 1940 ثم جريدة (القاعدة) عام 1943، وصدرت جرائد(العمل) و(وحدة النضال) و(النجمة) و(الاتحاد) و(شورش)، أضافة إلى صحيفتين علنيتين وهما (الأساس) و(العصبة). كل هذه الصحف تناولت بشكل او بأخر المشاكل والشكاوى الصحية وبالمجمل الوضع الصحي المتردي.
وفي السجون أصدر الحزب (كفاح السجين) وقد تناولت من بين مواضيعها الوضع الصحي المأساوي للسجناء الناتج عن سوء التغذية والإهمال الصحي المقصود لبنايات السجون والمياه غير الصالحة للشرب فقد انتشرت بين المناضلين الشيوعيين والديمقراطيين المسجونين مختلف الامراض ومنها التدرن.
تناولت صحافتنا أيضاً ما يعاني منه شعبنا في مناطق كردستان ذات الطابع الزراعي القرَوي والتي تمتاز بسمات بيئية خاصة انعكست كواقع صحي خاص بها، نجمت عنه مشاكل بسبب فقدان السياسة الصحية السليمة التي يُفترض ان تؤسس على وفق الخصائص الجغرافية والبيئية لسكان كردستان، فأصدر الحزب جريدة (آزادي) السرية باللغة الكردية وكان الشهيدان الخالدان فهد وحازم مشرفين عليها، وأصدر الحزب جريدة(همك) الناطقة باسم الفرع الأرمني للحزب وقد تناولت ايضاً جانباً من الواقع الصحي للشعب.
وأصدر الحزب صحيفة (الفكر الجديد) العلنية الأسبوعية خلال السبعينيات من القرن الماضي تناولت فيها بعض الدراسات التخصصية بهذا المجال، هذا فضلاً عن ما كانت وما زالت مجلة (الثقافة الجديدة) الشهرية تطرحه بين فترة وأخرى، من دراسات حول أزمات الوضع الصحي والبيئي في البلد.
(طرق الشعب) و(ريكَاي) الصحيفتان الشيوعيتان المستمرتان في الصدور منذ عقود، فالتأريخ يشهد لهما مواكبتهما ورصدهما لكل ما له علاقة بصحة المواطن واستقرار أمنه البيئي، لقد دأبت جريدة طريق الشعب ومنذ 2003 حيث كانت تصدر يومياً، على تخصيص صفحة أسبوعياً أطلقت عليها (طب وعلوم). وقد بدأت الجريدة لاحقاً بتناول الموضوعات الصحية والبيئية وحتى البيطرية منها بأسلوب متطور ومتجدد، فلا يخلو عدد من إصدار طريق الشعب الاّ وفيها هنا وهناك موضوع يناقش ويعكس صورة الوضع الصحي الذي يعاني منه المواطنون.
ولابد لنا من استذكار صحف أخرى ايضاً وفي الفترة الوجيزة بعد ثورة 14 تُموز، كانت تتناول هموم الشعب الصحية ومنها صحيفة (صوت الطليعة) وهي صحيفة الحزب في البصرة، وصحيفة (صوت الفرات) لسان حال الحزب في الفرات الأوسط، إضافة إلى صحيفة (اتحاد العمال) الناطقة باسم الاتحاد العام لنقابات العمال، وكانت هناك صحيفتان اسبوعيتان هما (الحضارة) و(الثبات) وغيرها.
اما بخصوص الحلول فقد دأب الحزب الشيوعي العراقي أن لا يطرح المشكلة او السلبية فحسب وإنما يتناول الحلول لأن الغاية ليست الإحراج أو التسقيط، وعليه فنظرة الحزب حول هذه الموضوعة تنبع من أيمانه بالترابط الجدلي بين النتيجة والسبب، فالواقع الصحي العراقي المتردي هو نتيجة، ولها أسبابها.
لقد نجحت الصحافة الشيوعية العراقية حقاً قولاً وفعلاً من ترجمة مبادئ وبرامج الحزب التي تؤكدها مؤتمراته الوطنية طوال تسعة عقود، بكل فخر وامتياز. هنيئاً لصحافتنا في عيدها التسعين الأغر، المجد والخلود لشهداء الصحافة الشيوعية الخالدين.