اخر الاخبار

من أجل أن يُنصف ضحايا المذبحة الفاشية في 1963 كما يجب، وتتعرف الإجيال الشابة على المآثر التي إجترحها المقاومون - من كل أطياف الشعب - ضد الجلادين، وتستلهم العبر من سيرهم، ولاسيما من ضحى بحياته منهم من أجل حرية العراق وسعادة شعبه، أعددت هنا توثيقاً أولياً عن وقائع المذبحة، كما إعترف بها القتلة أنفسهم أو بعض ضحاياهم أو كما سجلتها وسائل الإعلام آنذاك.

من إعترافات القتلة  

في يوم الإنقلاب، أصدر الحاكم العسكري العام رشيد مصلح التكريتي، البيان رقم 13، الذي نص على: “نظراً لقيام الشيوعيين عملاء وشركاء عدو الكريم قاسم في جرائمه بمحاولات يائسة لإحاث البلبلة بين صفوف الشعب وعدم الانصياع للأوامر والتعليمات الرسمية، وعليه تقرر تخويل القطعات العسكرية وقوات الشرطة والحرس القومي بإبادة كل من يتصدى للإخلال بالأمن، وإننا ندعوجميع أبناء الشعب المخلصين بالتعاون مع السلطة الوطنية بالإرشاد عن هؤلاء المجرمين والقضاء عليهم”(1).

وفي هذا الصدد، يكتب القيادي البعثي باقر ياسين قائلاً “كان البيان رقم 13 بياناً دموياً مرعباً، شكل بحد ذاته أخطر الأحداث فضاعة في السلوك الدموي في التاريخ العراقي، لأنه أباح بشكل رسمي ممارسة القتل الجماعي بين الناس في كل مكان من العراق”(2). ويضيف “وتميز عام 1963 بأعمال غاية في القسوة والإبادة الدموية جرى أكثرها في السر ودون ضجة دولية”. (3)

وفيما يتهم حازم جواد، وزير داخلية انقلاب شباط، زميله طالب شبيب بالإصرار على إصدار بيان الإبادة وتضمينه عبارة القضاء على الشيوعيين(4)، لا ينكر شبيب صياغته للبيان دون أن يعترف بأسماء شركائه في الأمر(5)، على عكس صاحبهم الثالث محسن الشيخ راضي، الذي اتهم عبد السلام عارف وأحمد حسن البكر وعبد الغني الرواي وعبد الكريم فرحان وصبحي عبد الحميد بالمسؤولية عن إصدار بيان الإبادة (6).

ويعترف صالح مهدي عماش، وزير دفاع الإنقلابيين، بإعتقال 800 ضابط شيوعي في أول يوم من الانقلاب، منهم 150 طيارا، بحيث بقيت المطارات بدون طيارين، وتم اعتقال 4000 شيوعي، قتل الكثير منهم بدون محاكمة (7).

ويكتب القيادي البعثي تحسين معّلة في مذكراته “رأيت سلام عادل نائماً وسط السرداب، طاوياً نفسه على الأرض مشدود العينيين ومدمى. وكان عبد الرحيم شريف وحسن عوينة وعبد القادر البستاني وحمدي أيوب بالحالة نفسها. اما الدكتور محمد الجلبي فكانت جروحه تنزف من الأسفل والأعلى وكان يشرف على التعذيب مدحت ابراهيم جمعة” (8).

ويؤكد إعتراف معّلة هذا ما ذكره الجلاد صباح المدني بأنهم علقوا الشهيد الخالد سلام عادل في مروحة السقف بعد تعذيبه، وتُرك عنده أحد الحراس، الذي نام وعندما استيقظ وجد الشهيد سلام عادل قد توفي فهرع إليه وأخبره بذلك، فنودي على طبيب المعتقل الذي أكد له حدوث الوفاة (9).

ويعترف القيادي البعثي حازم جواد فيقول “أن المذابح التي حدثت بعد 8 شباط 1963 مثلت بقعة دم في ضميري” (10).

كما يعترف القيادي البعثي محسن شيخ راضي فيقول “اننا كبعثيين سنقف امام الله وأيدينا ملطخة بدماء أبرياء كان ذنبهم صراعاً سياسياً مع البعث” (11).

لكن طالب شبيب وزير خارجية الإنقلابيين، يبقى مصّراً في غيّيه، فيدافع عن البيان رقم 13 ويدّعي بأن صدوره منع قتل أي شخص في بغداد، دون أن يخجل من كذبته (12)! لكنه يضطر للإعتراف بأنهم غطوا على وفاة القادة الشيوعيين بتقارير طبية يكتبها الطبيب صادق حميد علوش ويذكر فيها انهم ماتوا بالسكتة القلبية، لأنهم ظلوا معلقين حتى الصباح وأرجلهم مرتفعة عن الأرض (13).

وتظهر مجموعة تقارير ارسلها كل من الجلادين ناظم كزار وعمار علوش وأحمد أبو الجبن موت العديد من المعتقلين بسبب التعذيب خلال شهر حزيران 1963، مستهجنين فيها تدخل بعض الجهات بعمل الحرس القومي ورفضهم لجرائمه، وكان من بين الضحايا عبد الوهاب رزوقي، علي عامر، طارق حامد، حميد جعفر، حسين الخفاجي، عبد الغني اليوزبكي، موسى جعفر، حكمت بطرس وغيرهم (14).

وثائق وشهود عيان

يشير الباحث حنا بطاطو إلى أن قتلى الحزب الشيوعي في مجزرة شباط 1963 بلغت 5000 شهيد (15) فيما يشير الباحث الإسلامي حسن السعيد إلى أن العدد يصل إلى 10000 ضحية (16).

اعتقل الحرس القومي وعذّب تعذيباً شديداً العديد من مثقفي العراق كالشاعر محمد صالح بحر العلوم، والشاعر بلند الحيدري والأديب فاضل العزاوي والفنان يوسف العاني والفنان خليل شوقي والأديب علي الشوك والشاعر مظفر النواب والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد والشاعر عبد الستار الدليمي والفنان سعد الحديثي وغيرهم (17)، كما تعرض للفصل والاعتقال والمطاردة الاكاديميون والعلماء ابراهيم كبة وصفاء الحافظ وعبد الجبار عبد الله وعبد الكريم الخضيري وروز خدوري ومهدي المخزومي وعلي جواد الطاهر و شاكر خصباك، وأحرقت مئات المكتبات وآلاف الكتب. وتشير الوثائق إلى مسؤولية ناظم كزار وعمار علوش وصلاح عمر العلي ومحمد سعيد الصحاف وعبد العزيز الدوري وجليل عطية وبهاء شبيب ومسارع الراوي عن التنكيل بالمثقفين والعلماء (18).

وقد تضمن التعذيب سلخ الجلد وقلع العيون والأسنان والأظافر وإدخال الأبر في مختلف أجزاء الجسم، والضرب بالعصي والأسلاك من قبل عدة اشخاص وفي آن واحد والكي بالسكائر لمناطق الجسم الحساسة وإجبار المعتقل على الجلوس على قناني زجاجية ورش الملح على الجروح وتعرية النساء والقاء الجرحى في سراديب مليئة بالحشرات والمياه القذرة (19).

ويؤكد إعتراف تحسين معّلة في مذكراته، صحة الوصف الذي قدمته المعتقلة زكية شاكر، كشاهد عيان، عن طريقة تعذيب الشهيد سلام عادل وصموده الإسطوري، إذ قالت بأنها شاهدت سلام عادل وقد شوه التعذيب جسده وفقئت عيناه وتدلى لحم يديه المقطوعتين، وكان المشرف الرئيسي على تعذيبه محسن الشيخ راضي (20).

ويشير الوثائق إلى أن الإنقلابيين قد شكلوا لجاناً تحقيقية رئيسية وفرعية للتحقيق مع الشيوعيين أشرف عليها في البداية ابو طالب الهاشمي ثم ترأسها محسن الشيخ راضي، من شباط وحتى تشرين الثاني 1963 (21).

كما تشير الوثائق إلى أن الشهيد محمد حسين ابو العيس أصيب بطلق ناري في صدره وبقي يُّعذب وهو ينزف ليومين حتى توفي فوضعوا جثته مع زوجته سافرة جميل في زنزانة واحدة (22).

كما قطع الحرس القومي يد جمال الحيدري وعلقوه بالمروحة من يده الثانية. وقطعوا رجل عبد الجبار وهبي بمنشار من تحت الركبة (23). وحفر خالد طبرة وسعدون شاكر حفرة لمحمد صالح العبلي وهددوه بدفنه فيها، وحين صمد بوجههم أطلق سعدون شاكر النار عليه فقتله (24).

وصفت صحيفة الصنداي تايمز بيان رقم 13 بأنه تحريض صريح، تصبح معه المجازر التي حدثت في اوربا  وكأنها نزهة مدرسية. وأشارت صحيفة فرانس سوار البيان بقولها، حولت تلك الجمعة الهادئة من رمضان إلى يوم من أيام الجحيم. وشبهّت صحيفة البرق اللبنانية، أفراد الحرس القومي بشاراتهم الخضراء بجماعة القمصان السوداء الموسولينية في إيطاليا وبجماعة القمصان الرمادية النازية في ألمانيا (25).

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

  1. فايز الخفاجي: الحرس القومي ودوره الدموي في العراق، دار سطور ص 120.
  2. باقر ياسين، الإجتثاث ودكتاتورية العقيدة الواحدة، 2012، ص 363
  3. باقر ياسين، المصدر السابق ص 319
  4. حازم جواد، المذكرات ص 60
  5. علي كريم سعيد، 8 شباط حوار الدم، ص 107
  6. الخفاجي، مصدر سابق ص 121
  7. تصريح لصالح مهدي عماش وزير دفاع الإنقلابيين، نقله محمد حسنين هيكل في كتابه سنوات الغليان، ج 1 القاهرة 1988 ص 681.
  8. مذكرات تحسين معلة، صحيفة الصباح الجديد، الحلقة السادسة 2013
  9. مقابلة مع صباح المدني، الخفاجي، مصدر سابق ص 140
  10. حازم جواد، المذكرات ص 183
  11. الخفاجي، مقابلة مع محسن الشيخ راضي، مصدر سابق ص 121
  12. علي كريم سعيد، 8 شباط حوار الدم ص 107
  13. علي كريم سعيد، المصدر السابق ص 108
  14. كتب رسمية من الحرس القومي1561/1963.09.19 و 276/1963.11.18 و فوق العادة/1963.8.16 و1494/1963.9.15.
  15. حنا بطاطو ، العراق ج 3 ص 298
  16. حسن السعيد، نواطير الغرب ص 139
  17. فاضل العزاوي، الروح الحية، دمشق، 2012 ص 290.
  18. رشيد الخيون، 100 عام من الإسلام السياسي في العراق، ج 2 ص 39.
  19. صلاح الخرسان، الحركات الماركسية ص 116
  20. ثمينة ناجي، سلام عادل سيرة مناضل، ص 186
  21. حنا بطاطو، المصدر السابق ص26 وهاني الفكيكي، المصدر السابق ص 258
  22. علي كريم سعيد، المصدر السابق ص 201
  23. علي كريم سعيد، العراق البيرية المسلحة ص 59.
  24. علي كريم سعيد، 8 شباط حوار الدم ص 201
  25. ثمينة ناجي، مصدر سابق ، ص 164
عرض مقالات: