اخر الاخبار

سألني أحد الأصدقاء: لماذا يكرهون ثورة 14 تموز؟

لمحاولة إيجاد الإجابة لهذا السؤال لن نتحدث هنا، عن تلك الآراء التي تطحن الهواء وتعيد وتعجن ذات العبارات والجمل التي استهلكت عن كون 14 تموز ثورة أم انقلاب، ولا مناقشة المتباكين على النظام الملكي وانه كان عهد الاستقرار والأمان والديمقراطية والحياة البرلمانية، متناسين ضحايا الأحكام العرفية ومجموعة الانقلابات والانقلابات المضادة وشهداء وضحايا الانتفاضات المجيدة. لن نختلف كون البعض ممن يقيم ثورة 14 تموز سلبا يدخل رأيه في باب وجهات النظر، وربما يحتمل المناقشة والرد، وليس نحن بصدد ذلك الآن، وبعضها يأتي من جهل وضيق أفق وانعدام رؤيا، ومجرد الانصات لبعض من هؤلاء هو مضيعة للوقت والجهد!

سؤال الصديق يقود لسؤال أخر يتطلب تحديد: من هم الكارهون؟ ليس من الصعوبة الاتفاق، على أنهم كل من تضررت مصالحهم من إجراءات الثورة والقرارات الصادرة عنها وانجازاتها، إذ يمكن جدا فهم سبب كراهيتهم لحركة الضباط الاحرار أو انقلاب الجيش الذي تحول إلى ثورة بمساندة جماهير الشعب وقواه الوطنية التي ضمتها جبهة الاتحاد الوطني. فمنجزات نوعية مثل اخراج العراق من جميع الاحلاف العسكرية الاستعمارية، اصدار القانون الزراعي، تشريع قانون الأحوال الشخصية، نشر التعليم في كل المدن والارياف العراقية وارسال البعثات التعليمية للخارج، إلغاء الامتيازات البترولية في الأراضي العراقية وإصدار قانون رقم 80 عام 1961 لإنهاء سيطرة الشركات الأجنبية لأجل تأميم الثروة النفطية، وغيرها، وكل ذلك في سنوات معدودة قليلة جعل الثورة تنجح في إجراء تغييرات شاملة وجذرية في المجتمع العراقي، اطلقت طاقات أبناء الشعب للسير قدما في بناء عراق مختلف عن جيرانه ومخططات الدول الاستعمارية، فأغاظ ذلك كثيرا قوى دولية وإقليمية وقوى محلية فقدت مصالحها وتضررت كثيرا، فكان من المنطقي ان تتحالف قوى قومية يمينية متطرفة وجنرالات جيش شعبويون مع رجال دين رجعيين وبقايا اقطاع وشيوخ عشائر للإطاحة بالثورة، مستغلين بروز نزعة زعيم الثورة عبد الكريم قاسم بالتفرد بالحكم وإبعاده القوى المخلصة للثورة وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي.

إن كون الحزب الشيوعي العراقي من الداعمين لثورة 14 تموز، من أيام التحضير لها وعلاقته مع تنظيم الضباط الاحرار، ودعم الثورة بعد انطلاقها، كان من الأسباب التي دفعت قوى رجعية واستعمارية لتعادي الثورة، انطلاقا من معاداتها للحزب الشيوعي ونشاطه الذي دفع الجماهير للمطالبة بضرورة أشراكه في الحكم، مما أثار أكثر هلع المعادين لدور الحزب الذي بدأت تتعزز مكانته أكثر في قلوب أبناء الشعب.

كان التغيير الذي قامت به ثورة 14 تموز، في طبيعة النظام السياسي، والعمل لاستثمار خيرات وثروات البلد، خصوصا النفط، من قبل ابنائه، وما جرى من تطورات في الوضع الاجتماعي، أبرزها الدور المتعاظم للمرأة العراقية في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، اغاظ كثيرا الرجعيين والظلاميين ودفعهم للغدر بالثورة وقادتها في الثامن شباط الأسود عام 1963.

إن واحدا من دروس ثورة 14 تموز، يرينا بأن الشيوعيين العراقيين، الآن، وفي ظل عملهم المتفاني لأجل (تحقيق التغيير الشامل بإقامة الدولة المدنية الديمقراطية العصرية وتعزيز البناء الاتحادي، وسيادة القانون والمؤسسات الدستورية، والفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية، وتفعيل مبدأ المواطنة ومساواة المواطنين أمام القانون وضمان تمتعهم بحقوقهم وحرياتهم العامة والشخصية، وتحقيق العدالة الاجتماعية) كما جاء في برنامج حزبهم الذي أقر في المؤتمر الحادي عشر، يواجهون غضبا وحقدا من كل القوى التي ستضرر مصالحها، من أي نجاح تحققه القوى المدنية في إطار بناء عراق مختلف.

دروس التأريخ إذ علمتنا جيدا، لماذا يكرهون ثورة 14 تموز، تعلمنا بأن هناك اليوم من يكره الحزب الشيوعي ونشاطاته لأجل دولة مدنية وعدالة اجتماعية، فأعداء التغيير ممن ستتضرر مصالحهم، لا يمكن ان يسكتوا، ويستخدمون مختلف الطرق والوسائل لعرقلة ذلك للحد من نشاط الشيوعيين، ولكن المستقبل سيكون لأبناء الشعب، لإحفاد ثورة 14 تموز، وللحزب الشيوعي ولأجيال المناضلين الساعين لبناء وطن حر وشعب سعيد.

سقط الكارهون في مزبلة التاريخ، ونالوا لعنته، وخطت بحروف الفخر والمجد، أسماء ابطال ثورة تموز وشهدائها، وشهداء ومناضلي الحزب.

عرض مقالات: