اخر الاخبار

المجلات الدفترية هي تجربة فريدة، وربما غير مسبوقة ابتدعها الأنصار الشيوعيون العراقيون منذ بناء قواعدهم الأولى على الحدود العراقية التركية، إذ لجأوا إلى تحويل الدفاتر المدرسية العادية لمجلات عامرة بمختلف المواد الصحفية والثقافية، من مقالات وتحقيقات ومقابلات ورسوم وكاركتيرات وذكريات ومواد أدبية كالقصص القصيرة والأشعار الشعبية والفصحى والخواطر وغيرها، وتعتبر مجلة (النصير الثقافي) أول مجلة دفترية صدرت أثناء بناء القاعدة الأولى في منطقة بهدينان، وذلك في 4 تشرين الأول عام 1980، وقد صدر منها خمسة أعداد، ثم أعقبتها عشرات المجلات الدفترية، وفي مختلف القواطع الأنصارية . الرفيق الفقيد (لطيف حسن) يكتب في كراسه المعنون (الصحافة الدفترية للأنصار الشيوعيين) الصادر عام 2009 في أربيل فيقول (وما لبثت أن صدرت من كافة القواطع الأنصارية تقريباً، ومن مختلف تشكيلاتها من سرايا وفصائل ومفارز المجلات الدفترية المخطوطة باليد، بنسخة واحدة أو بنسختين أو أكثر، لم تتجاوز الثلاث نسخ بإستثناء عدد قليل جداً، منها القليل مطبوع على الألة الكاتبة، ومعظم هذه المجلات غلفت بجلد من النايلون الشفاف لحمايتها من التلف وعند إنتقالها من يد إلى يد أخرى، أو عند التنقل من مكان إلى مكان أخر، وهي محمولة في حقيبة الظهر، يتداولها أنصار القوة العسكرية التي صدرت عنها، وعادة ما يجري تبادلها مع مجلات السرايا والفصائل الأخرى ) أما لماذا صدرت هذه المجلات الدفترية، فإن حمل السلاح وخوض المعارك، لم يكونا هما مركز الإهتمام الوحيد للنصير الشيوعي، بل إهتم أيضاً بمواصلة تنمية العقل والروح والذوق الجمالي، في ظل ظروف مناخية وطبيعية وأمنية صعبة . تقول إفتتاحية العدد الأول من مجلة (النصير الثقافي) ما يلي (إنطلاقاً من مباديء وسياسة حزبنا في ضرورة تطوير الوعي الثقافي والأيديولوجي لأعضائه وجماهيره، يجيء عدد مجلتنا (النصير الثقافي) الخاص بالأنصار الشيوعيين في القاعدة الأولى، ليساهم بتواضع في هذا المجال، إن صدور هذا العدد من المجلة ليس إلا فاتحة عهد لمساهمة كافة الرفاق في تطويرها ودفعها بإتجاه ممارسة دورها كوسيلة هامة وفعالة من وسائل إعلام وثقافة حزبنا الثورية الجديدة، إن رفد المجلة بالموضوعات الثقافية والملاحظات النقدية، تظل مهمة حيوية من مهمات كافة الرفاق لإنجاح هذه المجلة التي تبقى منبعاً فكرياً وثقافياً إلى جانب البندقية، عبر كفاحنا المسلح لإسقاط الحكم الدكتاتوري الفردي، وتحقيق الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان، أما مجلة (الشراع) الدفترية فتشير لدافع صدورها بإقتباس من القائد الشيوعي البلغاري ديمتروف حيث قال (عضو الحزب الذي لا يستطيع أن يتعلم ولا يريد أن يتثقف بإستمرار ويسير إلى الأمام في تطوره، ليس ولن يكون شيوعياً حقيقياً، أما مجلة (الجبل الأبيض) الدفترية فتكتب عن سبب إصدارها قائلة (مرة أخرى نفر من الأنصار في كلي رمانة يناقشون إصدار مجلة تحوي ما تجود به أقلامهم، فخرجت بخط اليد وعلى ورق الدفاتر المدرسية، وبنسختين فقط، كانت تحمل بين صفحاتها بشائر طاقات، ويستمر الإصدار وتكبر الإمكانيات، وتصبح هذه المجلة (الدفتر) نشرة شهرية لقاطع بهدينان عامة، ومثلما هو الجبل الأبيض يحمي بصخوره الأنصار عند تصديهم لمرتزقة النظام وقواته، نريد أن تكون هذه المجلة مدافعة أمينة عن أفكار ومباديء الحزب، وبندقية مشرعة إلى هيكل النظام الأيديولوجي، أجل نريدها أن تكون داعية ومحرضة ثورية لجماهير الشعب الكادح، ولن تكون هكذا إلا بتضافر جهودنا جميعاً، وتسجل مجلة (4 أكتوبر) الدفترية ومجلة (هرور)  ومجلة (المفرزة 47) والعديد من المجلات الدفترية الأخرى نفس المضامين في إفتتاحياتها عن أسباب ودوافع إصدارها.

لقد كتب في هذه المجلات الدفترية، التي بلغت أعدادها العشرات، المئات من الأنصار الشيوعيين، الذين إستشهد الكثير منهم فيما بعد، وبينهم طلبة جامعات وخريجون ومعلمون وعمال وأساتذة جامعة وفلاحون، وكانت كتاباتهم تشبه دفاتر يوميات، سجلوا فيها معظم خواطرهم وأحلامهم في الحبيبة البعيدة وفي الأهل والأصدقاء والمعارف والمدن التي تركوها، كما كتبوا فيها أشعارهم وقصصهم وموضوعاتهم الفكرية والإقتصادية والطبية والعسكرية وغيرها، وقد توفرت لي فرصة الإطلاع على معظم هذه المجلات وقراءة موادها، عندما تجمعت العشرات منها في فصيل الإعلام المركزي، قبل أن أقوم بالمساهمة بدفنها مع جميع أجهزة الإذاعة والطباعة، التي بواسطتها كانت تصدر جميع وسائل إعلام الحزب، وذلك أثناء هجوم السلطة الغادر في أب 1988، فيما سمي وقتها (بعمليات الأنفال) وقد توفرت لي أيضاً فرصة مراقبة قوات السلطة وهي تقوم بإحراق ما تم دفنه من كتب ووثائق، وبينها عشرات المجلات الدفترية، فضاعت مادة غنية، كانت تصلح لو بقيت أن تكون سجلاً أميناً لحياة الحركة الأنصارية خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي.

عرض مقالات: