اخر الاخبار

تأسس حزبنا الشيوعي العراقي في ثلاثينات القرن الماضي (1934)، وعمل لعقود طويلة وسط ظروف صعبة وقاسية وشديدة التعقيد، استطاع خلالها Hن يقارع ببسالة نادرة الحكومات الرجعية والاستبدادية المتعاقبة من جهة، وان يقف على قدميه متصديا لكل محاولات النيل من وحدته والقضاء عليه من جهة اخرى. لكنّ نظرة سريعة وعميقة إلى ذلك التاريخ، تجعلنا أن نتبين الفرق، وان لا تشابه، لا من قريب ولا من بعيد بينه وبين ما نراه ونعيشه اليوم، وهذا ما يدفعنا بشكل جدي ومسؤول إلى قراءة تجربتنا التاريخية بصورة نقدية وموضوعية وبعيدة عن جلد الذات لكي نتمكن من اداء مهامنا الجديدة التي يتطلبها عالمنا الجديد، الخالي من القيود، والمستند على قاعدة التعددية والحوار المفتوح والتفاعل الشامل الذي فرضته الثورة الرقمية.

وإذ أطلق الشيوعيون العراقيون على مؤتمر حزبهم الخامس، الذي انعقد في عام 1993 اسم (مؤتمر الديمقراطية والتجديد)، ادراكا منهم للظروف والعوامل الذاتية التي مرّ بها الحزب بعد مسيرة حافلة من الكفاح الشجاع والتضحيات الجسام ومن الكبوات والانكسارات ايضا، وادراكا منهم كذلك للأسباب الموضوعية، وعاصفة المتغيرات التي اطاحت بالنموذج الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي ودول اوربا الشرقية، وما تركه ذلك من تداعيات على حركة التحرر الوطني بشكل عام والأحزاب الشيوعية بصورة خاصة، اضافة إلى عوامل اخرى كثيرة، داخلية وخارجية، لا مجال النقاش فيها في هذه المقالة المخصصة لموضوع اخر.

اقول وقد أطلقوا على مؤتمرهم الخامس اسم (مؤتمر الديمقراطية والتجديد) للأسباب المذكورة، فلهم كامل الحق، إذا ما استشعروا اليوم الطفرات السريعة التي حدثت في حياة الأفراد والمجتمعات، أن يطلقوا على مؤتمرهم الحادي عشر اسم (مؤتمر الديمقراطية والتجديد الثاني). فمنذ المؤتمر الخامس وإلى الآن، جرت تحولات هائلة وتبدلات كبيرة في جميع قطاعات الحياة وميادينها، وظهرت بيئة جديدة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، ونتيجة إلى التقدم السريع في مجال العلوم وتكنلوجيا الاتصالات، أصبح العالم يعيش في فضاء رقمي لا يمكن الاستهانة به أو تجاهله، هذا الفضاء الرقمي الذي فرض نفسه بقوة، غيّر طريقة حياة البشر، وخلق انسانا مختلفا في وعيه وتفكيره ومزاجه واحتياجاته (السوسيو نفسية). بمعنى آخر إن هذا الانسان المختلف في تفكيره وآماله والذي يطمح إلى أن يكون فاعلا ومتفاعلا، لم يجد في التنظيم الحزبي ما يمنحه الفرصة الكافية لكي يكون كذلك، بينما يستجيب المجتمع الافتراضي لجميع تطلعاته وأحلامه بما فيها العدالة التي ينشدها!

ولهذا، ومن هذا الادراك البسيط والواضح أعلاه، تقع على الحزب مسؤولية المراهنة في خوض السباق مع هذه التحولات الكبيرة والمتسارعة، من أجل أن يواكب روح العصر ويتفاعل معه ايجابيا. ولكي يستطيع حزبنا أن يقدم اجابات شافية على ما تطرحه الحياة من اسئلة ومستجدات، وأن يقدم للجيل الجديد مساحة اضافية إلى ما تمنحه اياه شبكات التواصل الاجتماعي في التأثير والممارسة السياسية، عليه أن يعيد صياغة اساليب ومبادئ حياته الداخلية، وطريقة رسم سياساته التكتيكية والاستراتيجية، وآليات علاقاته في المجتمع وفئاته المختلفة بطريقة لا تتعارض مع المتغيرات الحاصلة في الوعي والمزاج العام الذي خلقته وسائل التواصل الاجتماعي وتكنلوجيا المعلومات.

إن لا سبيل أمام الحزب الاّ أن يكون جديرا بمرحلة الحداثة، وأن يجعل المسافة إليها قصيرة، وذلك من خلال تبنيه للمعاني الحقيقية لمفاهيم التطور التي يطرحها عصرنا الراهن، وان يقطع الطريق على الذين يظنون أن التجديد ما هو الا خدش للصورة التي رسمها الشيوعيون لحزبهم، وأن يثقف رفاقه واصدقاءه بأهمية محاربة الأفكار الانعزالية والجمود العقائدي، وأن يشيع الحيوية النضالية والحضور المميز لمنظماته، وأن يوصي بالابتعاد عن جميع الممارسات والشعارات الديماغوجية التي لا تعبر عن السردية اليومية لأبناء شعبنا. 

ويُعد النظام الداخلي للحزب المطروحة مسودته للمناقشة والتعديل، أحد أهم وأقوى ركن يقوم عليه بناء الحزب التنظيمي والسياسي، وهو الذي ينضم حياته الداخلية وانشطته السياسية المختلفة، ويحدد آليات عمل هيئاته ومنظماته بما فيها قيادته، ويصون وحدة صفوفه ومنطلقاته الفكرية، ومن تلك الأهمية وعلى ضوء المتغيرات الهائلة في التكنلوجيا وتطبيقاتها المتنوعة والتي راحت تمارس تأثيرها في توجيه وإدارة حياة الناس، لابد وأن يحظى النظام الداخلي لحزبنا بالمراجعة الحقيقية والعملية لكي يتلاءم ويتناغم مع تطلعات الجيل الجديد. فلنجعل المؤتمر الحادي عشر مؤتمرا لكل العراقيين انطلاقا من تاريخ حزبنا النضالي ودم شهدائه الطاهر وثقافة الكرامة والحرية التي زرعها في تربة العراق وعلى ضفتي نهريه دجلة والفرات.

عرض مقالات: