أوائل السبعينيات وفي بداية فترة الجبهة الوطنية وظهور صحيفة طريق الشعب للعلن، كان أخي الفقيد والقائد النقابي ناهض الشيخ علي يرسلني إلى مكتبة أبو سمير قرب نفق الشرطة في منطقة الداوودي لشراء صحيفة طريق الشعب، وكان صاحب المكتبة أبو سمير يقوم بطي الجريدة لأصغر حجم ممكن ويدسها تحت ثيابي ويقول: لا تريها لاحد، وغالبا ما كنت أتصفحها وأنا عائد إلى المنزل، فيبهرني تصميمها واللون الأحمر الذي خطت به الترويسة والعناوين الاخرى، وصفحتي المفضلة مرحبا يا أطفال وكان حلمي يكبر لأكون واحدا من صحفيي الجريدة ومراسليها.
بعد انهيار الجبهة في نهاية السبعينيات وعودة العمل السري للحزب الشيوعي العراقي كانت تصل الصحيفة لأعضاء الحزب في بغداد عن طريق الرفاق المتواجدين في كوردستان العراق وهي مطبوعة على ورق رايسنك، فازداد شغفي للعمل الصحفي أكثر، وعندما أكملت السادس الإعدادي لم أتمكن من التقديم لكلية الإعلام لأنني كنت خريج الفرع علمي وغير منتمٍ إلى صفوف البعث وهكذا ضاع الحلم.
وبعد عام 2003 عادت تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي إلى بغداد والمحافظات وعادت صحافته للظهور علنا ووزعت صحيفة طريق الشعب إلى الجماهير المحتفلة بانهيار نظام صدام وسقوط الصنم، وهي أول صحيفة عراقية توزع بعد التغيير. وأنا أمسك بالصحيفة عاد الأمل مجددا لأحقق ما كنت أطمح إليه وأكون جزءا من هذه الصحيفة وان يكون اسمي ضمن صفحاتها وهو حلم لكل صحفي أن يكون تلميذا في هذه المدرسة العريقة.
وفي عام 2004 نظم الحزب دورة اعلامية لاعضائه وكنت من ضمن الرفاق المشاركين باول دورة إعلامية، وبعد ذلك شاركت بعدد من الدورات التي أقيمت في مقر الحزب التي حاضر بها أساتذة كبار من أعلام الصحافة العراقية والعربية، وكانت بحق مدرسة صحفية كبيرة تعلمنا منها المهنية والمصداقية في نقل الأخبار وتحليلها ونقلها إلى القراء من كل الفئات والطبقات، وكان شرف لي بالحصول على أول هوية صحفية أفتخر بحملها واعتز بها كثيرا ولتكون المسؤولية اكبر وخاصة بعد ان اصبحت مسؤول المكتب الاعلامي في المحلية العمالية، ولتكون هذه الصحيفة من أهم المنابر الاعلامية التي احتضنت مئات المقالات والأخبار والتقارير التي كتبتها، متنقلا بين الكادحين من الفقراء والطبقة العاملة والطلبة وبين الأسواق والمعامل والباعة المتجولين لنقل همومهم ومشاكلهم من خلال صفحات الجريدة حياة العمال وحياة الشعب وبقية الصفحات.
شكرا لهذه الصحيفة التي علمتني بأن الصحافة رسالة انسانية وأن للصحفي القدرة والدور الكبير في نشر الوعي الإنساني والوطني ويكون مؤثرا في إحلال السلام ونبذ العنف والتطرف والمطالبة بحقوق المظلومين والوقوف بصفهم. فالف تحية للصحافة الشيوعية بعيدها التاسع والثمانين هذه المدرسة الصحفية الكبيرة حلم كل صحفي أن يكون ضمن صفوفها لثرائها ومصداقيتها، ولكونها محرضا ضد الظلم والاستغلال ووقوفها دائما مع الشعوب المضطهدة من قبل الانظمة الدكتاتورية والرأسمالية.