منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، كانت عائلة الشهيد (صاحب ناصر) جزءاً من ذاكرتي، فهذه العائلة الكبيرة كانت واحدة من عوائل محلة الجامع الكبير في الناصرية، حيث لم يكن بيتنا يبعد كثيراً عن بيتهم الذي تميز بشناشيله الجميلة وباتساعه وبوقوعه في الطابق الثاني، كنا نسميه (بيت رحيمة) نسبة لجده لأمّه، وكان أحد أخوال صاحب المسمى (عبودي رحيمة) رياضياً معروفاً في الناصرية، وأحد أبطال كمال الأجسام قبل بتر إحدى رجليه لإصابته بالسرطان! وكان شيوعياً معروفاً أيضاً، وهو صاحب أول لوندري أو مكوى أوتوماتيكي حديث في المحافظة، كان الشهيد صاحب معي في المدرسة الشرقية الابتدائية، لكنه كان أصغر مني لذلك لا أتذكره بوضوح بل أتذكر أخوته جبار ومحمد على وحسون.
في شباط ١٩٦٢ انتقلنا لمحلة الإسكان في الصوب الثاني من المدينة، وكانت عائلة الشهيد صاحب ناصر قد حصلت على بيت أيضاً في هذه المحلة الجديدة، وكانت ساحة كرة القدم ملتقانا وكذلك باص المصلحة ثم المقهى الوحيد في المحلة، بعدها بسنوات أصبح الشهيد صاحب لاعب كرة سلة مشهورا وعضواً في منتخب المحافظة لهذه اللعبة، وكانت ميوله يسارية تأثراً بعائلته ومثل معظم رياضيي الناصرية وفنانيها ومعظم شبابها!
أوائل عام ١٩٧٢ كان صاحب ناصر من أوائل من فكرت بترشيحهم للحزب من أبناء محلتي، فهو من عائلة شيوعية معروفة، خصوصاً أخوته وأخواله، ولم يتردد عندما فاتحته بالموضوع هو وصديق آخر إذ رفعا رسالتين معاً وترشحا للحزب في وقت واحد وتم ضمهما لخلية (غسان) التي نسبت لمسؤوليتها أواسط عام ١٩٧٢، وقد اعترف لي الشهيد صاحب بعد فترة طويلة نسبياً من انضمامه للحزب إنه ورفيقه كانا يشكان إنني لم أزل محسوباً على تنظيم القيادة المركزية، وإنهما كانا يدققان في حديثي طوال فترة مسئوليتي لهما حتى أيقنا إنني في الحزب حقاً وليس لي علاقة بتنظيم أخر!!
بعد أشهر وبعد توسع التنظيم في الناصرية انتقل الرفيق صاحب ورفيقه إلى التنظيم العمالي، حيث أصبح من قادة هذا التنظيم ثم أرسله الحزب في زمالة حزبية إلى بلغاريا ليدرس هناك لمدة سنتين مع الرفيق الفقيد جواد عبد الكريم(أبو نبأ).
ومع بدأ الحملة ضد حزبنا عام ١٩٧٨ أنهى الشهيد صاحب دراسته ليعود للوطن في حين ذهب الفقيد (أبو نبأ) إلى اليمن الديمقراطية.
أواخر عام ١٩٧٨ أوائل عام ١٩٧٩ ومع اشتداد الحملة الإرهابية ضد الحزب قررنا ترك الناصرية والانتقال إلى بغداد، وكان صاحب معنا حيث عملنا في تنظيمات حزبنا السرية، ونجحنا في ربط عشرات الرفاق من الناصرية والبصرة ومدن الفرات الأوسط وحتى الرمادي، كما نجحنا أيضاً في إخراج عشرات الرفاق المكشوفين والمعروفين خارج الوطن، ومن مختلف الطرق بما فيها من مطار بغداد!
أتذكر في تلك الفترة رحلاتنا المشتركة لسلمان باك وجلساتنا في مقاهي بغداد البعيدة عن الأنظار في شارع الكفاح والصالحية وغيرها من المناطق وأذكر أنه رغم صعوبة ظروفنا الأمنية والاقتصادية فقد كنا نتمتع بالمرح والدعابة.
وحين توفرت لنا إمكانية مغادرة الوطن وكان الشهيد صاحب يعرف تفاصيلها وقد فوتح بالمغادرة لكنه رفض وأصر على البقاء والعمل ضمن التنظيم السري. وكان في وداعي عندما غادرت بغداد يوم ٢٨ أذار ١٩٧٩، ولم أعرف أخباره إلا من نشرة حزبية تليت علينا في كردستان، تحذر منه ومن خطيبته باعتبارهما من الخونة!! والمؤسف إن هذا الخبر كان مدسوساً من قبل أجهزة صدام الأمنية، وقد تم تسريبه للحزب عمداً لتشويه سمعة الشهيد صاحب، وقد اتضح من وثيقة عثر عليها فيما بعد أن الرفيق صاحب استشهد تحت التعذيب وأعدم نتيجة صموده وحفاظه على أسرار الحزب.
المجد والخلود للشهيد البطل (صاحب ناصر) أبو جميل ولرفاقه الشهداء الأبطال.