اخر الاخبار

كل امرئ في مسيرته الحياتية، سواء الدراسية او الوظيفية او السياسية، يتعرف على أصدقاء أو زملاء او رفاق، وبمرور الزمن، يلف النسيان بعض هذه العلاقات أو أغلبها، ولكن قلة من هذه الصداقات أو العلاقات تبقى جذورها راسخة في الذاكرة، وتبقي عصية على النسيان، مهما مر الزمن، ومهما علا غباره وحاول مسحها. ومن هذه الصداقات التي تركت تأثيرها عليّ وآثارها لا زالت تحفر في الذاكرة، العلاقة الرفاقية والصداقية التي ربطتني مع رفيق مناضل عرفته سوح النضال والعمل السري وشبه العلني، وعلى مر هذه السنين كلما تحل ذكرى يوم الشهيد الشيوعي، أحاول الكتابة عنه، ولكني اتوقف ولا استطيع، وألوم النفس بالتقصير تجاه هذا الرفيق والصديق، الذي يستحق الذكر والكتابة عنه، ومما حفزني هذه المرة ، قراءتي لمقال رائع خطه يراع الرفيق فخري كريم عن المناضل جعفر الصفار، وتحت عنوان “ مروءة زمن الإيمان”، ونشرها في جريدة المدى بتاريخ 16/1/2023، واعادت نشرها جريدة طريق الشعب بتاريخ 24/1/2023، هذه المقالة هزتني سطورها من الأعماق، لما تحمله من قيم الوفاء، فسألت نفسي ألم يحن الوقت للكتابة عن رفيق وصديق تكن له كل التقدير والأحترام والمحبة، وتتغنى دوما بخصاله، وهو شهيد المهام النضالية داخل الوطن، فوخزني ضميري مؤنبا، لماذا هذا التأخير؟ فتناولت كتاب شهداء الحزب/ الجزء الثالث، “شهداء الحركة الأنصارية” واعدت قراءة سيرة رفيقي المنشورة في الصفحة 321 وأجلت النظر في صورته، ومر شريط الذكريات سريعا، وكأنني في صالة مسرح وتتراءى أمامي صور الذكريات، وكما يقال عند السفر يتم التعرف على مزايا رفيق سفرك، فكيف اذا كنت تعيش معه في سكن واحد، ولأشهر بل لسنوات، فبعد الهجمة البعثية الفاشية ضد حزبنا، تواجدنا في الكويت، وخلال الفترة 1979 ــ اواسط 1981 عشنا معا في سكن واحد، كان يكنى وقتها بـ “ أبو شاكر” و” أبو كفاح”، يتصف بنكران ذات عال جدا، في  كانون الثاني عام 1980 حل علينا رفاق ضيوف وكنا نسكن في غرفة واحدة في منطقة الفحيحيل، ولم يكن لدينا فرش واغطية كافية، فجمع الكارتونات ونام عليها، مفضلا الرفاق الضيوف على نفسه، وكان مخلصا لحزبه وتوج هذا الأخلاص بالأستشهاد، كان في لبنان وجاء إلى الكويت، لتواجد جالية عراقية في الكويت وليكون قريبا من العراق، دائم التفكير بالحزب وكيفية الحفاظ على الرفاق، من أقواله أن على الرفيق قبل أن ينام يجري كشف حساب، ماذا قدم في هذا اليوم لحزبه؟ كريم النفس، مجسداً قول الشاعر:

“يجود بالنفس إن ضن الجواد بها    والجود بالنفس أقصى غاية الجود”

لم يتذمر يوما، ولم يحصل خلاف بيننا، كان يتسابق في انجاز المهام اليومية من تنظيف السكن وغسل الأواني، كان في غرفتنا سرير واحد، فأصر على ان يكون من حصتي وينام هو على الأرض، قائلا انت تعمل وتتعب فأنت الأحق به. هو من عائلة شيوعية، له اخ وخمس أخوات جميعهم اضطروا لمغادرة الوطن، ودفعوا ضريبة مناهضة النظام المقبور في عيشهم في الغربة بعيدا عن أرض الوطن، ورفيقي وصديقي معروف في مدينتنا، هو عبد الحسين كريم كحوش، مواليد 1952 السماوة، انهى دراسته الأبتدائية والمتوسطة والثانوية في مدينة السماوة، تخرج من معهد التكنولوجيا / قسم الرسم الهندسي عام 1971، عضو مكتب محلية المثنى، ومنطقة الفرات الأوسط، عضو المؤتمر الوطني الثالث للحزب، إثر الهجمة الفاشية للنظام الدكتاتوري غادر إلى سوريا عام 1978 ثم إلى لبنان ومنها إلى الكويت، حيث كان في رحلة إلى أحد البلدان ونزل ترانزيت  في الكويت، وفي خطوة جريئة وشجاعة استطاع الخروج من المطار والبقاء في الكويت، في حزيران 1981 غادر الكويت إلى سوريا ومنها إلى كردستان ثم إلى الوطن ليعمل في عمق الوطن، اعتقل في ايلول عام 1984 بوشاية من أحد العملاء وتعرض للتعذيب الشديد، ولكن لم يستطع جلادو النظام المقبور وخدمه من النيل منه او كسر شكيمته، فظل مرفوع الرأس كما عرفناه، وقال عنه رفيقه في سجن ابو غريب الرفيق المناضل “رياض مثنى”، انه سيق إلى حبل المشنقة وهو مكسور الذراع مستقبلا الموت بكل بسالة  وذلك في 30 كانون الثاني 1985 ورفض تقديم البراءة من الحزب مقابل اطلاق سراحه او تخفيض حكمه الى السجن المؤبد وجرت المحاولة معه ثلاث مرات، واحسن وصدق الشاعر “هاتف بشبوش” ابن مدينته حينما خلده بقصيدة جاء فيها:

فيا من جعل التابوت سريرا

وليل التعذيب تقويما

ونهارات ما خلف القضبان مواويلا

ويا من جعل الدهر الآتي ازاهيرا، قصصا وتراجيديا

لماذا هطلت من خارج أسوار الوطن

وتركت الرخاء البوهيمي، واهواء بني البشر؟

كي ترى نفسك مضايقا وملاحقا ومن ثم معتقلا وشهيدا

وهل كنت بهذا الإستعداد العجيب للشهادة والفدا؟

عرض مقالات: