اخر الاخبار

بعد أن أنهى دورة عسكرية مركزة في إحدى معسكرات المقاومة الفلسطينية في بيروت، أوائل ثمانينات القرن الماضي، توجه الرفيق (كريم صبري ماهود) مثل عشرات الرفاق الشيوعيين من أمثاله، نحو مواقع أنصار الحزب في كردستان، وكانت قاعدة (كلي كوماته) في بهدينان هي الموقع الذي اختير ليستقر فيه، وكان (كفاح) هو الاسم الأنصاري الحركي الذي إخطاره لنفسه.

وبالرغم من صغر سنه مقارنة بالكثير من رفاقه الأنصار، إلا أن كفاح تميز بثقافته وحبه للمطالعة وبنشاطاته المتنوعة وبشجاعته وحيويته وهدوئه، لذلك كان يكلف بالعديد من المهام الأنصارية كالتموين والإدارة والعمل العسكري، وقد نجح فيها جميعاً  فاستحق حب رفاقه، وثقة كل من عمل معه، لذلك تم ترشيحه ليكون مسؤولاً عن مقر منطقة كيشان، المجاورة للحدود التركية، لذلك عرف من وقتها ب(كفاح كيشان) تمييزاً له عن العديد من الرفاق الذين هم أيضاً اختاروا اسم كفاح وقد ساهم إلى جانب رفاقه في التصدي لهجمات مقاتلي ب ك ك أواسط الثمانينات .

وبعد انتكاسة الحركة الأنصارية وهجوم قوات السلطة الشامل، بعد توقف الحرب العراقية الإيرانية على مواقعها ومطاردة مقاتليها، لجأ الرفيق (كفاح كيشان) مثل مئات الأنصار من أمثاله لسوريا، وفي سوريا لم يكن سهلاً أن يجد عملاً مناسباً يغطي احتياجاته، فعاش مثل غيره من الأنصار في البيوت الحزبية، التي كان الحزب يدفع إيجاراتها، ويستلم من الحزب أيضاً المخصصات الشهرية المتواضعة التي يقدمها الحزب لرفاقه! وفي وضعه الاقتصادي هذا، فكر أن باستطاعته مساعدة بعض العراقيين الأكراد للخروج نحو بلدان اللجوء لقاء مبالغ مغرية، ولم يكن كفاح يدرك أن المخابرات السورية متغلغلة في مثل هذه النشاطات، فألقي عليه القبض وزج في أحد السجون السورية لبضعة أشهر، وبعد وساطات الحزب ومنظمة الشام تم إطلاق سراحه وتسفيره لكردستان، وفي كردستان تم اعتقاله وسجن أيضاً لبضعة أشهر من قبل سلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني في مدينة دهوك، وبعد إطلاق سراحه بوساطة من الحزب أيضاً عاش الرفيق في مقر محلية نينوى في مدينة دهوك، وكان يتلقى مساعدات مالية من الكثير من رفاقه الأنصار، الذين أصبحوا في بلدان اللجوء، أو يدرسون في مختلف البلدان، وفي دهوك اشتغل كفاح في الكثير من المهن، وكانت أموره المادية عموماً جيدة، لكن هاجس بلدان اللجوء ظل يسكنه، وظل يخطط لتحقيقه .

في الأول من تموز عام ١٩٩٧، غادر كفاح كردستان العراق متوجهاً إلى تركيا وفي تركيا أقام في مدينة إستنبول، وكان يبيت في تكية يديرها عراقيون مع طبيب عراقي تعرف عليه هناك، كما تعرف على شاب عربي يدعى (قدري) وكان طوال بقاءه في إستنبول يبحث عن طريق يقوده لبلدان اللجوء الى أوربا، وفي السادس من كانون الأول ٦ /١٢ / ١٩٩٧، توجه كفاح ليلاً بواسطة باص كبير نحو مدينة تركية صغيرة تدعى جنقلة، وتقع هذه المدينة قرب أقرب جزيرة يونانية!

وعندما وصل لهذه المدينة، ترك كفاح الباص، وتوجه لسيارة تكسي كانت تنتظره، فأجلس في المقعد الخلفي للتكسي مع ثلاثة أشخاص آخرين، وفي المقعد الأمامي جلس اثنان آخران عدا السائق، كان المطر يسقط بغزارة في تلك الليلة، تحرك التكسي نحو البحر وأخذ سائقه يبحث عن اليخت الذي يفترض أنه ينتظرهم ليستقلوه ويغادرون ولكنه لم يجده، وأثناء عملية البحث عن اليخت الموعود بدأ إطلاق النار من أسلحة مختلفة ينهال على سيارتهم، فأخذوا يصرخون دون جدوى، إذ كان هناك ١٢ عسكرياً تركياً مع ضابطهم، يواصلون الرمي باتجاه التكسي، فأصيب كفاح بطلق ناري دخل من صدره وخرج من رأسه ! وكانت الساعة وقتها الثالثة بعد منتصف الليل.

وحين سيطر الجندرمة الأتراك على السيارة، التي توقفت من شدة كثافة الرمي، كان كفاح يلفظ أنفاسه الأخيرة، من أثر الإصابة البليغة التي تلقاها في صدره ورأسه، وقد أخذت الشرطة التركية جثته ودفنته في مقابرها، وهكذا طويت صفحة نصير شيوعي شجاع، في بلد غريب وفي قبر مجهول لأهله ورفاقه.

عرض مقالات: