اخر الاخبار

“تراتيل الكاهن” هو الفعل الشعري الرابع للشاعر عبد الأمير العبادي: امرأة بلون الظلام، أسئلة يومية في قاعات الرفض، بقايا زنابق، تراتيل الكاهن.

تتنقل نزهتنا بين قاعات الرفض وتراتيل الكاهن المشترك الشعري بينهما هو: التذكر والتساؤل والحكي..

والبؤرة التي تنساب منها شعريات عبد الامير العبادي في (تراتيل الكاهن) هي قصيدة (قال لي ولدي)

(أتريد أن تعيش زمنين؟

قلتُ ولَم لا أيها الجميل!

تذكر لي حكايا

أجمل ُ من حكاياتك)

ذي لعبة ٌ تقنية شعرية،هي قنطرة ٌ بين جيلين/ زمنين، الحكي سيكون مركبة ً من: جغرافية التاريخ الرباعي، لوحدة سكنية ذات نكهة لأقتصاديات البصرة في زمن أفل وتدفق في ذواكر زمننا النفسي ،فأهل البصرة المتدفقين فيها كعروق النخل يعرفون أهمية منطقة (المقام) لذا يقوم عبد الأمير العبادي بتدوير سرد التاريخ البصري لمنطقة المقام شعريا:

في الحكاية الأولى: أب الرواي (يخرج قبل آذان الفجر كي يصلي في جامع المقام). السؤال الأول أسأله أنا للجميع: مَن منا يستطيع الآن يخرج من بيته قبل آذان الفجر؟ أين هو الأمان الذي يشجعنا لمغادر بيوتنا كما كان يخرج الأباء والأجداد؟ وأين هي التقوى الناصعة للمصلين ؟

منزلتان لمنطقة (المقام) في الحكاية الأولى:

*منزلة آخروية: جامع المقام

*منزلة تجارية:

(كان لأبي مقهى

يجتمع فيها عمال المراكب

التنديل كان يجمعهم

ليصرف أجور تفريغ البضاعة

في العشر)

في الحكاية الثانية تكون (للمقام) وظيفة الآخاء الديني

(بالقرب من جامع المقام

معبد لليهود

آخر ما تبقى آنذاك يهوديان

صالح حسقيل

والصراف غالي

في عيد الفطر

يوزعان الملابس للفقراء

لبعض حمالي العشر

ورجال الدّين يجمعون الفطرة

والصدقة والزكاة)

الحكاية الرابعة تمت بصلة للوظيفة الأقتصادية في الحكاية الأولى،

يومها كان التاجر البصري بصريا فعلا بسجاياه

(قرب المقام سوقُ التجار

نعم التجار الذين كتبوا لوحات

،، من غشنا ليس منا،،)

تتصل الحكاية الثالثة بالحكاية الأولى من ناحية الأب الذي علمته الحياة كيفية التعامل اليومي في مدينة عالمية متحضرة أممية تتعايش سلميا مع الكل بعيدا عن حواجز اللغة والدين والتمايز الطبقي فالبصري لا يتوجس من الآخر بل يحاول الأغتراف بما لديه من تفوّق:

(أبي كان لا يعرف

القراءة والكتابة

لكنه يُجيد ُ اللغة الهندية واللغة الانكليزية)

هذا الأب هو الذي يتعايش في روحه الديني والوطني وهذا الأب هو البطل فعلا في الحكاية الثالثة

(كان يعلّق ثلاث صورٍ للإمام علي

خلف الصور

كان يخفي صور الزعيم

ماجد محمد أمين والمهداوي)

الضربة المدوية في القصيدة هنا (مات أبي وظلّت صور الزعيم حيّة)

 

هذه القصيدة (قال لي ولدي) تتوافر فيها المكونات التالية:

*السؤال

*التذكر

* التحاور الجيلي

وهناك قصيدة تكون فيها السيادة لفعل التذكر (أنا أتذكر إذا ً أنا موجود)

هنا يكون للكوجيتو الديكارتي شحنات شعرية، تعتمد التقابلات بين طرفين يجمعهما فعل (تذّكر) وإحالاته التكرارية ذات شحنات لا نكوص فيها نحو زمن آفل بل للتذكر وظيفة المنبّه:

 

(تذّكر

أن ملامسة أقدامنا الإسفلت

هبة لنا

من عامل تكويه حرارة فارشة

التبليط.

تذكر

أنك تهضمُ بكل يسرٍ

الرغيف الأبيض

لكنك لم تبصر وجهاً يحترق)

وتتواصل التذكرات بشعرية عالية المنسوب

العبادي مهموم بتساؤلات جمة ، دفعته إلى عنونة مجموعاته الشعرية الثانية بتساؤلات في حيز مغلق (أسئلة يومية في قاعات الرقص)وهو يشعرن الاسئلة في قصيدته (في المنفى ألف سؤال/ 56) تتكاثر أسئلة الشاعر في القصيدة/ ثريا مجموعته الشعرية/ 46 وهناك أسئلة أخرى تجسدها قصيدة (أسئلة في حومة الوغى).

أسئلته متوجعة أما أسئلة الآخر فهي واخزة (حين يسألني قطاع الطرق 32/ وطن للبيع)

(*)

يولي العبادي اهتمامه بتوثيق البصرة شعريا:

  • قصيدة (بيتنا) هنا يكون التوثيق الأشد حميمة بتفاصيله العائلية
  • قصيدة (سابلة سوق الهنود) قصائد قصيرة ترسمها عدسة الشاعر لوجوه بصرية لا تأفل بالنسبة للذين عاصروها (بائع الفول السوداني) (محسن بائع طريق الشعب).. وهناك صورة شعرية لمربي أجيال ومناضل شيوعي انتهكت ذاكرته في السجن فأطلقوا سراحه مجنونا حتى مات:

الشاعر منشغل بالوجوه وأسئلتها كما هو الحال في قصيدة:

(يا ذا الوجه الجميل/ 19)

والكاهن المرتل حاضرٌ في شعر عبد الأمير العبادي قبل ديوانه الأخير (تراتيل الكاهن) موجود في قصيدة (إليك فقط) في مجموعته (أسئلة يومية...)

(أنت هذا الوهج

قم رتل، أنطقتني، توقف نطقي 25)

من اللونين الأصفر والأحمر ينبثق البرتقالي، ومن أسئلة الشاعر ومن تذكراته للحظات أفلت، تنطلق قصائده

أجناسياً تتجاورقصائد عبد الأمير مع القصص القصيرة: يسعى الشاعر عبد الامير العبادي للمساهمة الجادة في الفعل الشعري على قدر محبته ودفاعه عن جماليات حياتنا التي لوثتها ظلالُ لا تجيد لهجتنا البصرية الدفيئة.

عرض مقالات: