لسبب يخص الوضع السياسي الراهن في البلد وسبل الخروج من المأزق الراهن، عمدت الى القراءة في تجارب شعوب أخرى، مرت بظروف تشبه ما يعانيه بلدنا بهذا الشكل او ذاك. وقادتني القراءة الى لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية، الذي كان باختصار مسعى لجمع اللاهوت المسيحي مع خلاصلات الماركسية في تحليل الظواهر الاقتصادية والاجتماعية .
وعبر لاهوت التحرير تعرفت على القس هيلدر كامارا، الذي اشتهر على نطاق واسع بمتابعته للقضايا الاجتماعية والسياسية ومناصرته للفقراء وحقوق الانسان والديمقراطية . وكان من أقواله المأثورة والمنتشرة حول العالم: “ أطعم الفقراء فيقال عني قديس ، أسأل عن سبب فقرهم فيقال شيوعي “ .
هنا في تقديري لم يخطئ كامارا، وانما وضع اصبعه على الجرح. وهو في قوله ليس بعيدا عن قول ماركس: “الفلاسفة فسروا العالم باشكال مختلفة، الآن حان الوقت لتغييره”. فالمهم ليس الاستغراق في وصف الظاهرة، أية ظاهرة، على أهمية ذلك، بل تقصي أسباب تشكلها وتكونها، وذلك ما يتوجب ان يقود في نهاية المطاف الى رسم الحلول والبدائل .
وقول كامارا هو شهادة أخرى على مدى التصاق الشيوعيين بهموم شعبهم، خاصة بالفقراء والكادحين، وسعيهم المتواصل بلا كلل او ملل في العراق وسائر العالم لنصرتهم وتحريرهم من القيود وبناء حياة كريمة لهم. وهذا لن يتحقق الا بالتغيير والخلاص من أنظمة استغلال الانسان واستعباده، بمختلف مسمياتها.
فِي جانب آخر ذي صلة بالموضوع، تربت في العراق أجيال من الشيوعيين متأثرة عميقا بمأثرة الشهيد فهد وقوله: “ كنت وطنيا قبل ان أكون شيوعيا، وعندما صرت شيوعيا ازدادت مسؤوليتي تجاه وطني”. حتى اصبح المواطن الذي يتحدث عن الوطنية والديمقراطية والعدالة سرعان ما “يتهم” بانه شيوعي. وانها لـ “تهمة” يعتز بها المرء ويفتخر، وياريت تُحصر كل “ التهم “ في هذه المفاهيم الرفيعة التي تنتصر للإنسان وقيمه .
حدثني صديق ليس شيوعيا بحال، قال:
ذهبت الى احدى الدوائر الحكومية لمتابعة معاملة تخصني ووقفت في “ السره”، فسمعت احاديث المنتظرين عن البيروقراطية والرشى والفساد. وتحدثت انا ايضا وقلت ان معاملتي بسيطة، ومنذ ستة أشهر وانا اراجع من دون فائدة، وفِي كل مرة اريد ان اقابل المدير اجد الأبواب مقفلة، وانا لا ألجأ الى واسطة وغير مستعد لدفع أي مبلغ حتى لو كان بسيطا! فجاءني الجواب حالا من المنتظرين: يبدو انك شيوعي.
وهذا ما يجدر ان يعتز به الشيوعيون، وما ينبغي الحرص على إدامته عبر الأجيال، فهو ذخيرة وزاد لا ينضبان، مع الاستدراك ان الشيوعيين لا ينفردون بالكثير من هذه القيم، بل يشاركهم فيها مواطنون وطنيون وديمقراطيون لا يُحصون، وآخرون كثيرون من بسطاء الناس الطيبين الشرفاء، وان اختلفت اشكال وطرق تبنيهم لها وتعبيرهم عنها.