الدعوة الى التغيير والخلاص من منظومة المحاصصة والفساد، والعمل من اجلها، ليست ترفا فكريا وسياسيا، بل هي مطلب ملح وحاجة ماسة. فهذه المنظومة هي التي أوصلت بلدنا الى ما وصل اليه من تدهور وازمات، وهي التي تكبح وتعرقل بمختلف الاشكال والطرق، كل مسعى لإحداث تغيير يستهدف إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، وتغيير نهج ونمط وآلية عمل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ليقوم على أسس مغايرة لهذه المعتمدة منذ ٢٠٠٣ حتى الآن، والتي ثبت فشلها الكامل على شتى الصعد، مصحوبا بتفاقم معاناة المواطنين يوما بعد آخر.
والتغيير المطلوب لا ينحصر في اجراءات شكلية فوقية وادعاءات إعلامية وتغيير في مسؤولية المواقع والشخوص، على أهمية ذلك، بل يتضمن منهجا متكاملا لتحقيق الانتقال من دولة المكونات الى دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية. وهذا لا يتقاطع ولا ينتقص من أي اجراء تراكمي يقود في نهاية المطاف الى النتيجة ذاتها، ولكنه يفترض الوضوح في الهدف والتوسل بمختلف الادوات السلمية والديمقراطية والدستورية لبلوغه .
ان للخلاص من هذه المنظومة ما يبرره أخلاقيا وسياسيا ومنطقيا، وما تفرضه حاجة البلد الان وفي المستقبل. فهذه المنظومة غدت اقلية بيدها الحكم المطلق، تحتكر السلطة والقرار السياسي والمالي وتؤثر بوضوح حتى على القضاء، فضلا عن امتلاك معظمها السلاح المنظم بقانون .. تقابلها اغلبية ساحقة من أبناء الشعب تنوء تحت ثقل الازمة البنيوية الشاملة .
ولا شك ان قوى الإعاقة متعددة وعابرة للقوميات والطوائف، لكنها متداخلة في مصالحها. انها قوى المحاصصة والفساد والفاسدين والمرتشين والمنتفعين، وهي الآن موجودة في مركز القرار السياسي، وهناك من كبار أصحاب المال والبنوك والاعلام والتجار والمليشيات المتمردة على الدولة من يتعشق معها، علما انها عموما تحظى بدعم خارجي مكشوف يشكل أحد العناصر المهمة في ادامة هيمنتها وفرض سطوتها .
في مقابل هؤلاء، وهم كما قلنا اقلية متنفذة حاكمة باية حال، هناك فئات اجتماعية وجماهير واسعة وصلت او في طريقها للوصول الى قناعة بحكم تجربتها الخاصة قبل كل شيء، بأن من المحال استمرار الحال، لهذا تتطلع الى التغيير الشامل، وهو سياسي بامتياز ويمس اس منهج الإدارة والحكم وبناء الدولة.
وهنا يبرز واضحا أمام القوى التي تنشد التغيير، أن موازين القوى حتى الآن (وجزء غير قليل منها يستند الى السلاح المنفلت والدعم الخارجي والتوظيف السياسي للدين، والى العناوين الفرعية واستخدام مواقع الدولة والمال المغتصب)، مختلة لصالح قوى الإعاقة. لكن الواقع الموضوعي يدفع للقول بوجوب عدم النظر الى الامر على نحو ميكانيكي جامد، وهنا يأتي الحديث عن العامل الذاتي المتعلق بقوى التغيير ذاتها، واهمية تنمية هذا العامل باستمرار، ومراكمة النجاحات مهما صغرت، لتصب في مجرى واحد. ويبقى الشرط الحاسم هنا، من جديد ، هو وضوح الرؤية والهدف .
لذا فان من الواجب ربط الضغط الشعبي والاحتجاجي والجماهيري على الصعيد العام والمناطقي، ربطا سليما ومتقنا بتحقيق خطوات الى الامام على طريق التغيير الشامل .
وهذا يتطلب من قوى التغيير السعي المتواصل الى القيام بدور فاعل في الحركة الشعبية والاحتجاجية، وتطوير العلاقة مع القطاعات الجماهيرية ومع الاتحادات العمالية والفلاحية والنقابات والاتحادات المهنية وعموم المثقفين والأكاديميين والمتخصصين، والعمل من أجل تكوين راي عام وقوى ضاغطة مؤثرة، ترتقي الى مستوى الضغط المطلوب تسليطه على القوى المعرقلة والكابحة، وان تعمل على تحفيز العمل السياسي والجماهيري وإقناع أوسع الأوساط الشعبية بالإقدام على ذلك، ومغادرة السلبية الى فضاء العمل النشط والفاعل.
ان من اللازم ان تتوفر عند قوى التغيير الإرادة والقناعة بإمكانية تحقيق ذلك، وان تتحلى بالصبر وطول النفس، وتوحد صفوفها وتعزز عناصر القوة عندها، وتهجر حالة القنوط والتردد واليأس، وان يكون ديدنها العمل المثابر لجعل موضوعة التغيير هما وطنيا عاما، تعبأ كل الطاقات لتحقيقه بخطوات واثقة ومدروسة بعناية، وصولا الى تفكيك منظومة الأقلية المتنفذة، وتحقيق الأهداف المنشودة المعبرة عن تطلعات جماهير واسعة.