عجيب هذا الإصرار على ان الحكومة انصفت في مشروع موازنة ٢٠٢١ الفئات والشرائح الفقيرة وذوي الدخل المحدود! فكل المؤشرات والمعطيات وآراء المتخصصين تقول بغير ذلك تماما.
واذا كان المصرّون يتعكزون على اعفاء من يقل دخله عن ٥٠٠ الف دينار شهريا من ضريبة الدخل ومن الاستقطاعات التي فرضت حديثا، وعلى اضافة بضعة مليارات دينار الى تخصيصات الرعاية الاجتماعية ، فان هذه لا تعني شيئا بالمطلق في ظل ارتفاع نسب البطالة والفقر، التي تقدرها مصادر عدة باكثر من٤٠ في المائة ، فيما المصادر الرسمية تتحدث عن نسبة ٣٤ في المائة.
في الوقت نفسه تراجعت تخصيصات البطاقة التموينية بنحو ملفت في مشروع الموازنة، الذي اعد بعناية وفقا لتوصيات الورقة البيضاء الحكومية، المستندة الى نصائح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين طالبا بالمزيد من إجراءات تعويم العملة العراقية والتخلي عن كل اشكال الدعم من جانب الدولة، علما ان ما تبقى من الدعم شحيح، وقد أُبقي ذرا للرماد في العيون .
من جانب آخر يمكن القول باطمئنان ان لمشروع – الكارثة انما عاقب الاقتصاد الوطني العراقي والمواطنين جميعا من دون تمييز، عبر مجموعة من الإجراءات التي تبنتها الحكومة، فيما هي تصرّ على ادعاء انصاف الفقراء وحمايتهم .
وفِي هذا السياق يمكن الإشارة الى :
- تخفيض سعر صرف الدينار العراقي امام الدولار، والذي أدى دفعة واحدة الى انخفاض القدرة الشرائية للمداخيل وارتفاع أسعار السلع والمواد، المستوردة منها والمحلية. علما ان المستورد من السلع والخدمات قد يتجاوز ٩٥ في المائة من المجموع .
- الاستقطاعات الواسعة من رواتب العاملين في الدولة ، مدنيين وعسكريين ، ممن لا يزالون في الخدمة او من المتقاعدين. ورغم ان الاستقطاعات اخذت بالصيغة التصاعدية ، فان مساحة الإعفاءات ضيقة والاستقطاعات شملت مواقع وظيفية كان يفترض ان لا تشمل.
وفيما يخص المتقاعدين فان تاثير الاستقطاعات عليهم اكبر، نظرا لكون رواتبهم أقل أصلا من رواتب نظرائهم في الخدمة. فالعديد من المخصصات والامتيازات ومدخلات الايفادات وغيرها لاتشملهم أساسا. ورغم ان الاستقطاع جاء من مجموع الدخل، فقد كان الانصاف يتطلب مراعاة خاصة للمتقاعدين، وعدم قياسهم بمسطرة واحدة مع المستمرين في الخدمة.
- الضرائب القديمة والجديدة التي فرضها مشروع الموازنة، والتي لا تميز بين معدمين لا يملكون قوت يومهم وبين الحيتان، وبين هؤلاء طبعا حيتان الفساد وسراق المال العام.
- انعدام الفرص الجديدة للعمل، عدا درجات وظيفية محدودة ومعروف مسبقا من سيستحوذ عليها. والسبب في ذلك ان الموازنة لم تخصص شيئا ذا قيمة للمشاريع الاستثمارية القديمة ولا للجديد منها، ولو لاستكمالها. علما ان عددها ٦٢٢٥ مشروعا حسب وزارة التخطيط .
هذا غيض من فيض مساويء الموازنة – الكارثة التي قيل انها تقشفية، فجاءت باعلى رقم انفاق منذ ٢٠٠٣!
ان مشروع الموازنة هذا بتوجهاته الخطرة يجب الا يمر، وان واضعيه يستحقون المساءلة.