اخر الاخبار

في كل العالم تجد خيوط مودة، وإن كانت واهنة، بين المواطن والمسؤول. وأحيانا يجري بين الطرفين كلام وجدل وجها لوجه، وإن كان للحظات. إلا في العراق، عندما يتولى احدهم  المسؤولية غالبا ما يتصرّف على طريقة "نكّسوا رؤوسكم فأنا ربكم الأعلى"، حتى وان كانت وظيفته بواب المسؤول. لا احترام لمواطن، لا آذان تسمع ولا تفكير في خيوط رجعة.

أغلبهم حين يجلس على كرسي المسؤولية يرفع عصاه قبل اصبعه بوجه مراجعيه ومواطنيه. يسد ابواب الرحمة وينزع سترة الانتماء الوطني وينسى انه ابن هذا البلد وعليه ان يخدم اهله. والأمرُّ في الامر يمنع الناس من النقد ويحجب صوت المواطن عن اسماع من يُفترض به أن يسمع.

بسبب سوء تصرف ساسة البلد سقط ثلث العراق بيد الارهاب عام 2014، قتل الآلاف وهُجرت مئات الألوف وغيب الكثيرون ولم يعرف مصيرهم حتى الآن. ثم بقدرة القادر والابطال العراقيين تحررت تلك المدن بعد ان دُمرت ممتلكات الناس. المغيبون ما زالوا مغيبين، والجرحى والمعوقون ما زالوا يعانون الامرّين، والذين تهدمت بيوتهم ما زالوا في الخيم، وبعضهم استدان مبلغا من الخيرين وأنشأ له شبه مأوى. والجميع يترقبون عطف الحكومة والمسؤول لأكثر من ثماني سنوات كي يصرفوا مستحقاتهم في تعويض بعض ما خسروه.. برلمانيون استغلوا قضية التعويضات والمغيبين وصعدوا الى البرلمان ليتناسوا ما وعدوا به جمهورهم.. حكومات تدرس، وتؤجل.. دوائر تفتح وتغلق ومحاكم ولجان تدقق، ولا تزال اوراق الناس ذاهبة راجعة، صاعدة نازلة تدور كما يدور حصان الدهانة!

وبعد ان لم يجد المسؤولون نقصا في أوراق معاملات الناس (أخص في حديثي المتضررين من أهالي الأنبار) فكروا في أغرب طلب، هو:

ان يتنازل المواطن عن مبلغ التعويض ويختصره بثلاثين مليون دينار، ليكون الصرف مباشرا من المحافظة. فالمتضرر الذي قدرت لجنة التعويضات مبلغ تعويض بيته بمائتي مليون دينار، قامت لجنة التعويضات المركزية التابعة لمجلس الوزراء بخصم ٥٠ في المائة من مبلغه الأصلي، دون معرفة الأسباب، ليصبح في النهاية مائة مليون دينار! والآن يطلبون من المواطن ان يتنازل عما تبقى، ويعطونه مبلغ ثلاثين مليون دينار فقط يستلمها من المحافظة بعد ان يروّج معاملة جديدة.

أما إذا رفض المتضرر هذا الطلب، فعليه ملء استمارة جديدة بعد سبع سنوات من اكمال المعاملة الأولى. وهنا يطلبون منه معلومات عن موقفه من الخدمة العسكرية ووظيفته وعما إذا كان منتميا لحزب البعث المنحل او عمل في احد اجهزة صدام الامنية. في حين انهم يعرفون ويعلمون علم اليقين ان اغلب من كان بعثيا سابقا او يعمل في أجهزة النظام السابق الامنية قد استلم تعويضاته كاملة غير منقوصة. فهؤلاء يعرفون خفايا الدولة ومؤسساتها وكيف تسير الامور فيها!

بالله عليكم يا مسؤولين ويا نواب الشعب ويا رئيس مجلس الوزراء.. هل يعقل ان تذهب معاملات الناس، بعد سبع سنوات من تقديمها، في أدراج المكاتب تنتظر الصرف، والآن تُطلب منهم معلومات ليس لها علاقة بالتعويضات لا من قريب ولا من بعيد؟!

الذي يحز في نفس المواطن الانباري، هو أن أغلب المتضررين، إن لم يكونوا جميعهم، في المحافظات الأخرى المتضررة (نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى)، انجزت مُعاملاتهم، ولم تبق سوى معاملات محافظتنا الأنبار!