اخر الاخبار

في الأسبوع الماضي كنت مع رفيق في احدى مناطق بغداد نؤدي عملا يخص الحزب، وكنا   قاصدين مكانا معينا فيها، أتوجه اليه شخصيا لأول مرة.

 ما ان توقفت بنا السيارة حتى هرول نحونا رجال بأعمار مختلفة، واخذتنا الدهشة لاول وهلة، فلم نكن نعرف طبيعة هذا التجمع الممتد على مساحة غير قليلة من الشارع الذي يعج بالمحلات  التجارية.

كان الوقت يقترب من الظهيرة، وبدا واضحا ان هؤلاء الرجال جاؤوا مبكرا في الصباح، وظلوا ينتظرون الفرج طيلة هذه الفترة، حتى لاح ذلك واضحا على وجوههم. لكننا للأسف لم نأتهم بالفرج، بل وأفسدنا عليهم ما كانوا يحلمون به وينتظرونه بفارغ الصبر. فما نحن الا عابرو سبيل توقفنا اضطرارا، للسؤال عن الموقع الذي نقصده، والذي ظهر لاحقا انه ليس بعيدا عن هذا التجمع للباحثين كل يوم عن لقمة العيش. فهم عمال المساطر، الذين كثيرا ما يتسمرون في أماكنهم ساعات طويلة في انتظار المعجزة: فرصة العمل التي قد تأتي وقد لا تأتي.

هؤلاء أكثر من كثيرين في بلادنا، التي يحسدها كثيرون آخرون على عائداتها النفطية، وما تملك من خيرات أخرى، لكن وكما قيل ويقال: "لا عدالة في التوزيع" و"الشبعان ما يدري بالجوعان". 

وأنت تبصر مشهد هؤلاء الرجال الباحثين عما يسد رمقهم اليومي، وهم يتراكضون بلا تدافع  نحو السيارة ومن فيها، عسى ان تلقي لهم خشبة النجاة، تقفز الى ذهنك شتى المشاهد والصور، وتبدأ تتخيل هذا الرجل يخرج يوميا بحثا عن فرصة عمل، فلا يجدها ويعود الى بيته وأهله خالي الوفاض. وربما يكون هو المعيل لهم او المساهم في اعالتهم، فينتظرون ان يعود إليهم محملا بما يستطيع شراءه في ذلك اليوم.

وعلينا ان نتخيل المشهد وحال الأهل فيه والصدمة التي ستهزهم، حين لا يجدون ما يأكلون. وقد ينفع هنا ما تبقى من مواد البطاقة التموينية، التي يطالب المتخمون بالغائها. فيما يقول المسح الاجتماعي والاقتصادي للاسر في العراق لعام ٢٠٢٤، الذي أجرته وزارة التخطيط، ان نسبة الاسر المالكة للبطاقة التموينية تبلغ ٩٦٫٤ في المائة . 

الكثيرون ممن يعتمدون على كدهم اليومي في تأمين وجبة طعام لأنفسهم ولأهاليهم، قد يخسرون الرهان ويعودون الى بيوتهم والحسرة ترافقهم والألم يعتصر قلوبهم، وهم يرون الولائم الباذخة والسيارات الفارهة والقصور التي تشيد، ويسمعون عن الملايين والمليارات التي تنفق دون وجع رأس، فهل يلومنّهم احد عندما يحتجون ويتظاهرون ويطالبون بفرص عمل، ويلحون على العدالة المفقودة في بلادنا؟  

نتحدث هنا عن القوت اليومي فقط لهؤلاء، فماذا عن احتياجاتهم الأخرى؟ ماذا عن الصحة والتعليم والكهرباء والماء والنقل، التي لا تقوم مؤسسات الدولة بواجباتها فيها؟ 

وحيث يخيم الفقر المدقع والجوع والعوز ويغيب تكافؤ الفرص، في مقابل جبهة المتخمين والمترفين، تبقى المطالبة بالعدالة الاجتماعية أمرا مشروعا.

ونقتبس أخيرا من العادل الامام علي بعضا من حكمه الخالدة ذات العلاقة:

- عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه.

- لو كان الفقر رجلا لقتلته.

- ما جاع فقير الا بما مُتع به غني.

- الاستقرار لا يتحقق الا بالعدل، ومن لا يحقق العدل لا يرى استقرارا في مجتمع.