انطلاقا من تطبيق سياسات اقتصادية فاشلة في مجال التنمية تتبدد الآمال في تحسن النمو الاقتصادي العراقي وتطور قطاعاته الانتاجية المختلفة في المستقبل القريب بالرغم من التدفقات النقدية الكبيرة التي تزيد على 1500 مليار دولار معظمها من تصدير النفط بعد عام 2003 التي تعرضت إلى عمليات استحواذ منظمة عبر ما سميت باللجان الاقتصادية للأحزاب المهيمنة على السلطة ومصادر المال الحكومي والخاص.
فقد سبق أن توقع صندوق النقد والبنك الدوليين أن الاقتصاد العراقي سيتعافى في عام 2021 فالأول توقع أن الاقتصاد العراقي سيحقق نموا بمعدل في 3.6 المائة فيما توقع البنك أن المعدل سيكون 2.6 في المائة ويعزو الاثنان ، وان اختلفا في تقديراتهما ، وخاصة الصندوق أرجع هذا النمو إلى الاصلاحات الجوهرية في الورقة البيضاء ، التي أعدتها الحكومة وقتذاك، على افتراض تحسن أسعار النفط، غير أن البنك الدولي كان أقل تفاؤلا في مخرجات الورقة البيضاء في انجاز بعض الإصلاحات لكن للاقتصاديين العراقيين رأيا أخر، وهم على حق، معتبرين توقعات المؤسستين الدوليتين متفائلة اكثر من اللازم، حيث لم يروا تنفيذا حقيقيا في الإصلاحات للورقة البيضاء سوى سعر الصرف الذي جاء في وقت ومستوى غير مناسبين، كما أن اسعار النفط من الصعوبة المراهنة عليها بحكم ظاهرة التذبذب التي تحصل أحيانا بفعل عوامل دولية غير مسيطر عليها، واستنتجوا من ذلك أن الاقتصاد العراقي واقع تحت تأثير هاتين القوتين .
وحتى لو شهد سعر صرف الدينار العراقي ارتفاعا إزاء الدولار في بعض الأحيان لأسباب ظرفية فانه لا يشي بتحسن حقيقي في المؤشرات المالية بل قد تكون هدنة مؤقتة وهذا ما حصل. إن هذا الأمر إجراء مؤقت مرتبط بالتأثيرات الخارجية وعوامل محلية. ومع ذلك فإن الإقرار باستدامة تحسن سعر صرف الدينار أمام الدولار يعتمد على قدرة البنك المركزي على استخدام احتياطياته الأجنبية من جهة واستقرار أسعار النفط عالميا، ولا نعتقد أن هذا ممكن في ظل انخفاض أسعار البترول عالميا وعلاقته بالدولار بوصفهما صنوان لا يفترقان إلا إذا تم التحول عن الدولار كعملة عالمية في الأمد الطويل.
ومن جهة أخرى فان الاقتصاد العراقي كما هو معلوم يعتمد بنسبة 94 في المائة على تصدير النفط الخام وقطاع النفط كما هو معروف يسيطر على 3 في المائة من القوى العاملة في العراق حسب راي الراحل (د. باقر محمد شبر) على سبيل المثال، كما أن باقي القطاعات تنتج سلعا لا تدخل في التجارة الدولية فهي تركز على انتاج الخدمات التي لا تدخل في السوق الدولي وبالتالي فان العراق يعتمد فقط على تصدير النفط الخام للحصول على العملة الصعبة التي يتسرب جزء كبير منها إلى الخارج عن طريق التهريب وعن طريق المقاولين وهجرة العراقيين.
إن مبعث ضعف التفاؤل في تحقق نمو اقتصادي واعد، بخلاف ما ذهبت اليه المؤسستان المشار اليهما، هو أن المعطيات لا تدل على قيام الحكومة بإجراءات حازمة للتنمية الاقتصادية وتسريع وتيرة النمو نتيجة للصراع بين القوى السياسية الطامحة للاستحواذ على السلطة وانعكاس ذلك على سباقها وتلهفها للفوز بالانتخابات القادمة وسعيها لتشكيل حكومة تأتمر بأوامرها. مما تقدم بيرز الاستنتاج أن الاقتصاد العراقي يؤسر بين قوتين جاذبيتين التمسك بالريع النفطي وإهمال قطاع الانتاج والاستثمار. لكل ذلك نرى ما يلي:
- تنويع الفروع الصناعية المختلفة وتنميتها لتحقيق التغيرات الهيكلية المرغوبة ضمن القطاع الصناعي وتحقيق التوازن بين فروع الصناعات الاستهلاكية والوسيطة والانتاجية وتعظيم الترابط بينها والاعتماد المتبادل بين هذه الفروع الصناعية الثلاثة.
- إعادة النظر بالسياسة النقدية من خلال إعطاء دور أكبر للجهاز المصرفي للإسهام في عملية التنمية الاقتصادية عبر التسهيلات الائتمانية والدخول بشكل واسع في عمليات الاستثمار عبر التشجيع على جذب رؤوس الاموال المكتنزة والتي يقدرها الاقتصاديون ب 30 تريليون دينار وهذا يتطلب وضع سياسية ادخارية واضحة تتوافر فيها إجراءات درء المخاطر.