اخر الاخبار

عالم اليوم مضطرب، غير آمن، يعاني فيه ملايين البشر من الجوع والمرض والفقر وانعدام ابسط مقومات الحياة، وتتفاقم الازمات الاقتصادية، وينتشر القلق وعدم اليقين، وتنتهك الأعراف والقوانين الدولية، وتهمش المؤسسات العالمية مثل الأمم المتحدة وغيرها، ويفرض الإذعان بالقوة والأسلحة الفتاكة، وتشهر الهراوة الغليظة بوجه من يقول "لا"، فيما تسعى  القوى المهيمنة الى إعادة رسم  خرائط  العالم بما يعزز نفوذها وهيمنتها وفرض ارادتها ونموذجها .

في هذا الزمن العاصف، لا سيما ما يحصل اليوم في منطقتنا، تعود الذاكرة الى مواقف الاتحاد السوفيتي السابق، الذي قد يعضّ البعض على أصابعه لانه طرب لتفككه، الذي انتهى بهيمنة القطب الواحد بكل شروره وعدوانيته ومصادرته حق الشعوب في الحياة والعيش الكريم. او لأنه ساهم ربما، بشكل او بآخر، في ما حصل ووقع، وما يحصل خاصة لشعب فلسطين والإبادة الجماعية التي يتعرض لها، ثم العدوان الإسرائيلي المستنكر والوقح  على الشعب الإيراني بذريعة الملف  النووي الإيراني ولمنع امتلاكها السلاح النووي، في حين يقول خبراء معهد ستوكهولم الدولي لابحاث السلام،  ان إسرائيل لديها ٨٠ - ٤٠٠ رأس نووي ، رغم انها لا تعترف رسميا بذلك، ولكونها " الابن المدلل " فهي تظل مع أسلحتها النووية بعيدة عن الأضواء ، بعكس ايران وكوريا الشمالية مثلا.

واهمٌ من اعتقد او يعتقد بان العالم اصبح اكثر أمنا بعد اختفاء الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية الأخرى. فامريكا مثلا تدخلت في اكثر من ٨٠ بلدا في العالم بطرق مختلفة (عسكريا ، استخباراتيا ، عبر حلفائها ، او بالوكالة) منذ عام ١٩٩١ الذي تفكك فيه الاتحاد السوفيتي، وغالبا ما حصل ذلك من دون تفويض اممي،  وسعيا الى فرض "الفوضى الخلاقة".

لقد فتح غياب الاتحاد السوفيتي، وهو القطب الكابح، في ظل موازين قوى عالمي مختلّ، الطريق لتمدد الراسمالية المتوحشة، الآخذة تدريجيا باعتماد العنف لتأمين شروط الاستغلال، فيما تشتد حاجتها الى الحروب لتفريغ الازمات نحو الخارج.

لا تتسع هذه المساحة الصغيرة للتوقف عند كامل التجربة السوفييتية، بما لها وهو كثير، الى جانب الأخطاء المرتكبة في الممارسة والتطبيق. لكن من المؤكد ان الشعوب فقدت بطيّ صفحتها نصيرا ثابتا وداعما قويا لها ولحركات تحررها الوطني، حتى ليتساءل البعض عما اذا كان بالإمكان تحررها أصلا لولا الدعم متعدد الاشكال من الاتحاد السوفييتي.

في هذه الأيام الصعبة نتذكر موقفه الداعم لمصر ابان العدوان الثلاثي ( 1956) عليها غداة تأميم قناة السويس، والانذار السوفييتي آنذاك باستخدام الصواريخ النووية ضد لندن وباريس وتل ابيب، اذا لم يتوقف العدوان فورا، وبعدها في المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر  ولغيرها من دول المنطقة، وكان من ابرز معالمها بناء سد أسوان العالي.

وتكرر هذا الموقف في الإنذار السوفيتي دعما لثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ في العراق بوجه التحركات العسكرية الامريكية والبريطانية لاجهاض الثورة، وليعاد المشهد عام 1967 و1973 خلال حروب الدول العربية مع دولة الاحتلال.

ما احوج العالم اليوم الى قوة رادعة منحازة الى قضايا الشعوب - كتلك التي كان يمثلها الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية - لوقف الغطرسة الامبريالية – الصهيونية، ولإعادة الهيبة والاعتبار للاعراف والقوانين الدولية. والامل كله معقود طبعا على الشعوب ويقظتها ووعيها، وعلى الحركات والأحزاب والمنظمات والدول المناهضة للعدوان والتوسع، في ان ترفع صوتها وتوسع حراكها وانطلاقها نحو بناء عالم جديد، متعدد الأقطاب، لا مكان فيه للعنف والإرهاب والحروب، المباشرة او بالوكالة. فالحروب أبعد من ان تحل قضايا العالم الكثيرة، بل هي تفاقم المشاكل والازمات .